طائفة كبيرة من السياسيين "الإسلاميين" تجد الحرج في الدعوة السياسية وتذهب بها الظنون والمخاوف مذاهب شاسعة، اقتضت تلك الظنون والمخاوف محاولة إعادة النظر في هذا الموقف، وإبداء ما تُوُصل إليه من أسباب صبت في هذا الاتجاه، وهل يعود بنا هذا الموقف ـ إن سرنا عليه ـ إلى نتائج مقبولة أم أنه يذهب بنا إلى ما لا تحمد عقباه ؟؟
إن من أبرز الأسباب التى جعلت الداعية الإسلامى، أو الخطيب أو المعلم أو الأستاذ الناصح، يتحرج من الترشح ومن الدعوة السياسيةفى "موريتانيا" ـ تلك البيئة الاجتماعية التى عاش وتربى في أحضانها، تلك البيئة التى يتبدّى من مظاهرها أنها بيئة غير منفتحة تماما.
والمقصود من عدم الانفتاح هنا هو التموقع الذى ترزح تحته طائفة من أبناء البلد، وكأن شيخ المحظرة لم يخلق إلا للتحفيظ، والإمام لم يخلق إلا ليؤم الناس في الخمس ... ولكن من الإنصاف أن نقول إن الناس في هذا غير متساوين بل يوجد منهم كثير تجاوزوا هذه العقابيل، وإبداء نموذج ما، لا يقتضى التعميم ...كما أن النموذج نفسه ليس خطأ محضا، بل هاؤلاء الذين ذكرتهممن خيرتنا وقادتنا ومجاهدينا الذين بذلوا الغالى والرخيص من أجل بث نور الوحى في صدورنا.ولكننا نبحث عن الزيادة حتى تعم الفائدة وتمسك عصى الريادة.
2 ـ السبب الثانى الذى أدى إلى هذا الخوف هو الاصطدام بالمجتمع؛ فأنت مثلا قد كنت تحمل في أيام الناس العادية شعارا معينا هو شعار الدعوة أو التثقيف أو التعليم أو التمريض أو غير ذلك من الأعمال الخيرية الخيرة،وكنت ترفق ذلك كله بأنه مستقل، وهكذا عهدك الناس، ويوم تدق الحملة السياسية طبولها إذا بك تحمل مكبر صوتك وتنادى في الناس أن صوتوا لفلان أو علان ...!
لا شك أن العقلية القاصرة ستحاكمك هنا محاكمة أقل ما يقال عنها إنها غير عادلة، وأدنى ما ينتج عن هذه المحاكمة إيداع ملفك في خانة المخادعين المموِّهين الذين لا شأن لهم سوى طلب الدنيا، وإن استخدموا الدين فهو لذلك الغرض لا غير! ولكن عزاءك هو أن ربك عليم ومطلع على خائنة الأعين وما تخفى الصدور! وأما رضى الناس فغاية لا تدرك، وهذا المعنى مهم أن يستصحب في مثل هذه المواقف الحرجة.
3 ـ ثالث هذه الأسباب :ما يمكن أن نسميه ب:ضياع فرصة التعليم والاستفادة التى كان أولائك الضعفاء يستفيدونها من أرباب المنابر ودعاة الخير ...لأنهم أصبحوا بالنسبة لهم متهمين بل وسراقا ــ أعزك الله ــ، وهنا تتجلى نفسية المسلم الغيور على دينه الحريص على إخوته الذى يذهب استعذابه لأنوار الحياة عندما يرى ضياع إخوته في كهوفها المظلمة.
وحقا يلعب المخربون والخارجون على الأخلاق والقوانين ـ يلعبون دورا رئيسيا في هذه الناحية لأنهم يرفعون شعار المعاداة للإسلميين دائما ويموهون الحقائق على "المساكين" ويحسبون كل عمل خيرى قام به "الإخوان" لإخوتهم ـ يحسبونه صيحة عليهم.! ويأخذون في كيل السباب والشتائم ويُجَهٍّلون الناس بما لا يخفى على ذى لب، وتحت وطأة هذا التزييف والتمويه للحقائق ينسحب كثير من الناس عن صف الداعية أو صاحب العمل الخيرى أو المعلم ... وموقف الخارجين على الأخلاق هنا يذكر بالمعنى المذكور في قوله تعالى فويل للمصلِّين الذين هم عن صلاتهم ساهون الذين هم يراءون ويمنعون الماعون!.
وتعليقا على هذه المخاوف والأسباب أقول: إن الإسلاميين السياسيين يرفعون شعارا واضحا كوضوح الشمس في رابعة النهار مفاده أنه لا تعارض بين الدين والسياسة، وهذا الشعار عندهم يشبه القاعدة المطردة، وكثير من الناس يتلقاه بالقبول والترحيب؛ وإذا عُلم ذلك فليُعلم أن من تطبيقات هذه القاعدة أن يرشَّح الرجل المعلِّم للدين والداعى إليه في منصب سياسى رفيع أو متوسط، ومن الواردأن نقيد هذه القاعدة لتصبح "لا تعارض بين الدين والسياسية إن كانت سياسة لا تخالف الدين " فإن جاءكم الإسلاميون يوما بما يخالف الدين في سياستهم فاضربوا به عرض الحائط وقاوموه بالتىهى أحسن وحاولوا إصلاحه لأنه شىء شاذعن المنهج العام لهم و إصلاحه أسهل بكثير من محاولة إصلاح سياسات أخرى ليست لها أصلا علاقة بالدين مبنى ولا معنى..!
كما أن المنشقين عن صف المُصلِح سيقولون له أنت تجمع بين الدين والسياسة، ومن الوارد أيضا أن يرد عليهم بأن التفريق بينهما مذهب علمانى ونحن لسنا علمانيين بل مسلمون ونريدها إسلامية!، فهل تفضل أيها المفضَّل العمل بمقتضى قاعدة علمانية عن العمل بمقتضى قاعدة إسلامية ؟!
وبرأىٍ متواضع يظهر لى أن الإسلامى بانسياقه لهذه المخاوف يكون طبق ما يخالف أصله ويوافق نظرية العلمانيين، وساهم أيضا في تجهيل الناس بذلك الأصل وتطبيقاته الفرعية.
أضف إلى ذلك أن العاملين السياسيين أيا كانوا يوظفون جهودهم في خدمة مآربهم السياسية فلما ذا يكون ذلك حلالا لهم حراما علينا؟ ، ينبغى لأى إسلامى أن لا يخجل من أن يفتى الناس ويعظهم ويتصدق عليهم ... ثم يقدم نفسه كشخصية إصلاحية تغار على هذا البلد وترجوا له الخير،وإذا قيل له ألم نعهدك يوما ناصحا أمينا، خطيبا مفوها، مفتيادقيقا؛ أجاب: هذه تزكية لى! أجب بذلك أيها المبارك ولاتتهرب.
والحاصل أن هذه المخاوف التى تنتاب بعض المنتسبين إلى الإسلامين، تلبِّس أسبابها على كثير من الناس وتضيع جهدهم، وتشتت بالهم ... مع أنه يستطيع العاملون للإسلام استثمار هذه اتهم وتحويلها إلى معنى إيجابى كما مر، ومن ثم أقول للمتخوفين ما قاله سيد البشر صلى الله عليه وسلم ليلة سمع أهل المدينة صوتا فزع له الناس واستقبلوه فإذا بالنبى صلى الله عليه وسلم قادم إليهم بعد أن استطلع الأمر يبشرهم ويقول :لن تراعوا لن تراعوا...