يوما بعد يوم تتأكد أكثر فأكثر حقيقة غياب المسؤولية السياسية والحس الأخلاقي عن الكثير من نخبنا السياسية التي باتت للأسف إلا من رحم ربي تفتقد إلي ها تين الخصلتين سواءا في ما يتعلق في تعاملها فيما بينها أوتعاطيها مع القواعد الشعبية إن وجدت ، ذلك أنه ما من حزب سياسي مهما كان تخندقه
إلا وظل يدعي بين الفينة والأخرى ، حقيقة أو بهتانا استقباله للعشرات وربما المئات من المنضوين الجدد إلي صفوفه ، وأحيانا يتم تقديم شخصيات علي أنها وازنة وبمعية بعض المناصرين ،الله وحده يعلم كيف تم جمعهم ، اكتشفوا فجأة وبقدرة قادر أنهم ركبوا القطار الخطأ وأن إلهاما قد أوعز إليهم بضرورة تركه في أولي محطة للتوقف.
ولأن الانضمام يجب ما قبله وأحيانا ما بعده ، فعادة ما كانت هذه المظاهر تأخذ طابعا احتفاليا يتم دعوة وسائل الإعلام المختلفة إليها لتكون شاهد عيان علي لحظات من الحميمية والصفاء يجرى إبرام بنودها خلف أبواب موصدة ودون الكشف عن الحقيقة الحقة للتفاصيل التي تبقي طي الكتمان حينا من الدهر، مع الإقرار بصعوبة تصديق حكاية الاقتناع بالبرامج الحزبية وهي المعزوفة التي غالبا ما يجري ترديدها بحكم أن البعض لا يفقه فيها ولا يقيم لها في الأصل وزنا ، خصوصا إذا ما أخذنا في عين الإعتبارأن غالبية هذه البرامج والأهداف تكاد تكون متطابقة تماما وإن وجد اختلاف فعادة ما يكون طفيفا لا يغير في الأمر شيئا .
غير أنه ومنذ الإرهاصات الأولي لفتح باب الترشح للانتخابات البلدية والتشريعية القادمة اختفت هذه المظاهر بالرغم من موسم الهجرة والهجرة المضادة وأختزل العديد من بروتوكولاتها ، فيما أضحي البعض الأخر شيئا من الماضي ، بعد أن تحولت الخارطة السياسية إلي بحر متلاطم الأمواج لا يكاد تياره الجارف يتوقف بمجموعة في محطة إلا ليبدأ رمي مجموعة أخرى بقوة أكثر وارتفاع أقوى ، ويبدوا الأمر جليا من خلال المطالعة المتفحصة لبعض مرشحي الأحزاب المغمورة التي لم يكد يسمع بها في سالف الأيام وأصبحت اليوم محط التداول نظرا إلي أن الشخصية الفلانية قد ترشحت للاستحقاقات عن طريقها دون أن يكون قد سبق لها الإنخرط في صفوفها ، فما إن خلت منها اللوائح الرسمية لأحزابها حتى يممت وجهها شطر الجهة الأخرى علي عجل كنوع من ردة الفعل لعدم ترشيحها من طرف أحزبها السابقة فالسياسي القح لا يصد عليه باب ،ولأن المهم هو لفت الانتباه بأية طريقة فإن بعض المترشحين الميسوري الحال ومن طبقة رجال الأعمال المتسيسين يقومون بدفع رشاوي إلي أصحاب هذه الأحزاب التي كانت غالبيتها في إجازة مفتوحة منذ ولادتها وبدأت الآن الحياة تدب رويدا في أجسامها بعد طول سبات كما بدأت عمليات البحث المضنية عن الأمكنة الصالحة لفتح المقرات.
و مقابل تبني هؤلاء وتزكيتهم للوصول إلي أحد الكراسي المتعطشين إليها ، سيستفيد الحزب من مكاسب مادية من المفترض أن يدفعها بسخاء المتقمصون الجدد لألوانه ، وإن كان البعض منهم يجد صعوبة في حفظ أسمائها ، كما أن الحزب نفسه سيرتقي عدة درجات في سلم التدرج الحزبي وهي غاية يسعي الجميع لبلوغها وإن اختلفت طرق ووسائل التحرك من حزب لأخر.
ولأن الغاية تبرر الوسيلة فإن غالبية فيلق المترشحين المتلونين يتخذون قراراتهم دون التفكير في ما سيلحق صورهم من ضرر ، وقد ألفهم الناس إلي وقت قريب مدافعين أشاوس ومناضلين في صفوف أحزابهم الأصلية ، فتتداخل الصور في بعضها البعض محدثة تشويشا مدويا يطال ثقة ومصداقية هؤلاء ، ومعه أيضا ترتسم العديد من علامات الاستفهام والتعجب ، أحقا كان كل ذلك الاندفاع والحماس مصطنعين و من أجل الظفر بمكاسب أنية ليس إلا ؟ حين إذن يصبح من الصعب الوثوق في مثل هؤلاء الرحالة الذين لا يطيب لهم المقام إلا حيث يستأثرون بالكعكة كل الكعكة ولو على حساب القيم والمثل والمبادئ.