لماذا العجز؟ / محمد الامين ولد دده 

ما من عربي يشاهد هذه الفظاعات التي يرتكبها الاحتلال في قطاع غزة وفي الضفة الغربية، إلا ويطالب بتحرك عربي منسق أو غير منسق، عسكري أو سياسي، الأمر الذي عبرت عنه آلاف المظاهرات والخطب والمقالات...  فالأجيال العربية ما بعد النكبة ظلت تعتبر القضية الفلسطينية هي قضيتها الأولى، كما ربطتها بوجودها الديني والفيزيائي أيضا، كما كانت تمثل في الذهنية العربية رمزًا للنضال من أجل الحرية والعدالة. ومع تصاعد هذه الأحداث الهمجية الخطيرة في غزة وفي الضفة، منذ السابع من أكتوبر، وأمام عجز الدول العربية عن التحرك، يتحول المطلب الذي ذكرنا في بداية المقال إلى تساؤل مهم: لماذا تعجز الدول العربية عن الضغط الفعّال لإيقاف هذه الحرب؟ وتفادي حروب إسرائيلية لاحقة؟ أو لنقل لماذا تعجز الدول العربية عن إنهاء حالة استنزاف البشر والأرض في فلسطين المحتلة؟ 

يمكن أن نرجع حالة العجز آنفة الذكر إلى العديد من الأسباب:

أولا: الانقسام السياسي العربي
يعد الانقسام السياسي بين الدول العربية كأحد أبرز العوامل التي تعيق التنسيق الفعّال بين الدول العربية، فبينما تدعم بعض الدول حركات المقاومة الفلسطينية، تتبنى أخرى مواقف متباينة أو حتى متعاونة مع إسرائيل، إذ يكفي أننا نعرف  أن بعض الدول العربية عملت على صد هجمات كانت قد انطلقت من أماكن أخرى صوب إسرائيل. ضف إلى ذلك أن هذا الانقسام السياسي الذي يؤثر سلبا على الموقف العربي الموحد، من قضية يفترض أن تكون هي قضيته المركزية، قد يكون بسبب مشاكل حسم الحدود، أو مشاكل مترتبة على دعم دولة لجماعات داخلية، أو انفصالية في دولة أخرى، والأمثلة كثيرة لن تعوز ذهن القراء. وفي الحقيقة لا شك أن هذا الصراع والانقسام السياسي يضعف من قدرة الدول العربية على اتخاذ موقف موحد، مما يزيد من صعوبة الضغط على إسرائيل لوقف الأعمال العدائية، حتى من قبل الدول العربية التي طبعت معها.

ثانيا: التحديات الداخلية
تواجه العديد من الدول العربية أزمات داخلية متعددة، مثل الفقر والبطالة والاحتجاجات الشعبية المتكررة، وهي في الحقيقة التي لا تخفى على أحد، أزمات ساهمت الأنظمة الاستبدادية والشمولية في خلقها وتفاقمها. إن هذه التحديات تجعل الحكومات تركز على قضاياها الداخلية، بدلاً من الانخراط في قضايا الأمة أو القضايا الإقليمية، وبالتالي تصبح تلك القضايا بما في ذلك القضية المركزية (القضية الفلسطينية)، مجرد قضايا دولية، تتدخل فيها ـ بدرجة أولى ـ الولايات المتحدة الأمريكية، بوصفها الحليف الأهم للاحتلال الإسرائيلي. وبالتالي تتشكل طبقات كثيفة، تحول دون قدرة هذه الدول العربية على اتخاذ مواقف قوية تجاه ما يحصل في الأراضي المحتلة، فغزة لا زالت تحترق وتحترق معها الضفة منذ ما يقارب أحد عشر شهرا، والدول العربية لازالت تراوح مكانها، لا تقدم رجلا، وإنما تؤخر آخر.

ثالثا: العلاقات الدولية
تتأثر الدول العربية بعلاقاتها مع القوى الكبرى، مثل أوروبا والولايات المتحدة الأمريكية، فالعديد من الدول العربية تعتمد على الدعم العسكري والاقتصادي المقدم من هذه القوى، والمشروط بتكبيل اليدين والرجلين، مما يجعلها حذرة في انتقاد سياسات إسرائيل. ولذا فإن الاستراتيجيات الغربية تجاه دول العالم العربي، لتعيق  قدرتها على اتخاذ مواقف قوية ضد الحرب، حيث تخشى من فقدان الدعم الخارجي.

رابعا: ضعف المؤسسات العربية
من الجلي أن الصراعات التي تحصل بين الدول العربية، هي أحد أهم أسباب ضعف المؤسسات العربية، مثل جامعة الدول العربية، التي تفتقر  إلى القوة والفعالية اللازمة للتأثير في الصراعات الإقليمية، ولذا فإن القرارات التي تتخذها هذه المؤسسات غالبًا ما تكون رمزية ولا تترجم إلى أفعال ملموسة. إن هذا الضعف المؤسساتي يحد من قدرة الدول العربية على الضغط على إسرائيل بشكل فعّال.

خامسا: التأثير الإعلامي
تلعب وسائل الإعلام دورًا كبيرًا في تشكيل الرأي العام، الذي لا يخدم القضايا العربية المشتركة بشكل عام، والقضية الأخص (القضية الفلسطينية)، ففي بعض الأحيان، يتم تسليط الضوء على قضايا أخرى بعيدة كل البعد عن القضية الفلسطينية، وبالتالي يتم تهميشها، مما يخلق وعيا مشغولا، بقضايا محلية أو دولية أخرى،  أو مشغولا (بالترفيه أو السياحة)، الأمر الذي يقلل من الضغط الشعبي على الحكومات العربية للتحرك. فبدون اهتمام شعبي قوي، فإن الحكومات قد لا تشعر بالحاجة إلى اتخاذ إجراءات ملموسة.

إن عجز الدول العربية عن الضغط لإيقاف الحرب الإسرائيلية على غزة، ينذر بخطر وجودي على مجتمعات وثقافات ومساحات كبيرة، ما من أحد يجرب التفكير في القضية الفلسطينية إلا ويدرك ذلك، إلا أن التحرك لتفادي هذا الخطر، أو لتأجيله على الأقل، هو ما لم ينجح فيه غير جبهات المقاومة، من أحزاب مثل (المقاومة في الأراضي المحتلة وحزب الله...) ودول مثل (الجمهورية الإسلامية الإيرانية، واليمن)
 وفي الحقيقة فإن الأمر يتطلب جهودًا مشتركة وتعاونًا بين الدول العربية، بالإضافة إلى معالجة القضايا الداخلية وتعزيز المؤسسات العربية، وتأجيل الحسابات الطائفية، والاستعداد للتفاهم مع الشركاء الدوليين.
بهذا يحصل التأثير الفعّال في جعل العالم يخطو وإن متثاقلا إلى فرض حل للقضية الفلسطينية.

 

21. أغسطس 2024 - 9:06

أحدث المقالات

كتاب موريتانيا