لم يعد يجد الإنسان في هذه الحياة المتقلبة والمتغيرة والسريعة فرصة للتعرف علي بعده الإنساني, ولاطبيعته البشرية الضعيفة فيظل يجري وراء لقمة العيش حتي يغادر هذه الدنيا الفانية وحينها فإن الموت وما بعده خرق عادات.
والله وحده سبحانه وتعالي اعلم بحاله منا معشر البشر ,الذين سرقتنا التكنولوجيا وسرقت احلي ما نملك وهو التواصل الاجتماعي الحميمي ,الذي لايمكن للفا يسبوك والتويتر أن يحل مكانه مهما سهر بعضنا وتسمر محادثا ومكاتبا لمن يظنه صديقا أو أخ عليهما. هذه مشاعر انسانية بحتة توقفت عندها ويوم الأربعاء 6نوفمبر 1996يعود اليوم بعد ثلاثة وعشرين سنة ,تاريخ رحيل اغلي الناس عندي أمي المرحومة عيشة منت محمد بن أعمر فال.
كنت خلالها في نهاية مرحلة المراهقة وبداية مرحلة الشباب, وكانت والدتي كل شيء في حياتي ومثلي الاعلي اعتمدت عليها في كل مشاكلي وأموري الدنيوية ,كانت الدفئ والأمان والحب والطمأنينة ,لم أكن أخاف من شيء في الدنيا مع وجودها كنت اعتقد بأنني الملك الوحيد في هذا العالم, كانت كلماتها تمدني بقوة لايمكن تصورها وكانت تعمل بقوة علي إخفاء كل آلامها عني حتي لايعرف طريق الحزن مكانا له في قلبي, حتي في اشد أوقات المرض الذي لم تكن لتبوح به رغم بساطته في هذه الأيام .
كنت أعود من الدراسة للمنزل فأجدها وحيدة فأسالها أنت وحدك فتقول لست وحدي معي الله ,وحتي حين كانت الأمور المادية صعبة وينفذ كل ما لديها كنت اطرح عليها ذات السؤال نفذ مالك فترد بتلك الابتسامة التي لاتفارقني طوال كل هذه السنوات الطويلة من الفراق ما عند الله لاينفذ.
لذلك كان رحيلها صدمة افقدتني كل صواب أمام مجتمع متحجر لاتعرف العواطف طريقا له في غالبيته ,لذالك قال لي اقرب الناس ستنسي وتعود الحياة كما كانت . نعم عادت الحياة كما كانت ولكنني لم انسي أبدا .
واليوم وانا في سن الأربعين مازالت لوعة الفراق هي نفسها بعد ثلاثة وعشرين سنة ,وستبقي أبدا ماعشت في هذه الحياة الفانية لان هناك أشخاص لايمكنك نسيانهم مهما طال بك الدهر.
ومهما تشعبت بك الأيام, ومنهم والدتي التي تعيش معي ابد الدهر الذي تغير كثيرا بعدها, وكان كل ماتقول لي واسخر منه في قرارة نفسي أجده واقعا ملموسا اليوم .
حيث طغت المادة علي كل شيء حتي لأقرب الناس لك إخوة أو أقارب أو أصدقاء ,وتحجرت المشاعر بحيث لم تعد هناك مناسبة لتلتقي بالأحبة إلافي مناسبات الموت والدفن حتي أن احدهم قال غير مدرك لكلامه نرجو أن لايكون هناك داعي للقائنا لان السبب دائما هو الموت . وأكثر من ذالك أصبح الطمع يقتل الجميع خاصة من الجيل الجديد حيث غالبيته يضع نصب عينه في المقام الأول تدمير الجميع والاستحواذ علي كل شيء بدون أي مجهود ,لقد تعلمت منك الكثير من الصفات التي أعانتني علي مشوار الحياة الصعب .
منها الشجاعة عند ما أكون علي الحق وعدم الضعف أمام الباطل مهما كلفني الأمر, والتوكل علي الله سبحانه وتعالي دون البشر الذي لايضر ولاينفع دونه سبحانه .
هذه مجرد خواطر ومشاعر انسانية رأيت أن أشارك من خلالها كل من فقد عزيزا ومرت ذكراه دون أن ينسي الشخص والذكري.