تأملات في برامج قناة الوطنية الأولى / سيد محمد ولد احمد

altلا تعجبني كثيرا البدايات الصارخة، فالوصول إلى القمة يحتاج إلى تعب وتسلق، والتوسط في الأمور أفضل، وما يبدأ بداية تصاعدية خير مما يبدأ بداية تنازلية من القمة إلى القاعدة، وهي الصفة المقترنة غالبا بالمظاهر الكاذبة الخادعة..

تفرجت على بدايات بعض برامج قناة الوطنية، واستخلصت بعض الملاحظات والنصائح كمشاهد محايد لا يريد إلا الخير للجميع، ولا يعنيه شيئا في أحد.. وقبل الحديث عن هذه القناة الجديدة سأتحدث عن القنوات الجديدة عموما، وذلك بمنطق العدو الصديق في آن واحد، راجيا أن لا تثير كلماتي هذه حفيظة أحد، مبتعدا عن المجاملة التافهة، وعن التحامل القبيح الذي ليس من أخلاقي والحمد لله..

فمن أول الملاحظات على الفضائيات الجديدة أنها مكلفة وتبث من بلد الكائنات الصحراوية والمتناقضات، وبالتالي فمن الطبيعي أن لا يتجرأ على الإستثمار فيها إلا الحكومات الدكتاتورية وأعوانها المنافقون إلا ما رحم ربي. لذا علينا عدم انتظار الكثير منها عموما..

والعجيب الغريب المحير أن بعض المنحرفين عن صراط الحكومة المعوج مثل التواصليون والتقدميون مثلا، تتم الإستعانة بخدماتهم في إدارة بعض هذه القنوات، وهذه مفارقة عجيبة لا أجد لها مبررا إلا أن يكونوا تابوا من مشاكسة النظام أو ذلك التوافق العجيب الذي يتصف به مجتمعنا المسالم الذي يتعايش فيه المتناقضون بسلام ووئام وأخوية والحمد لله، وهي ميزة لا تجدها في أغلب المجتمعات، فمثلا ترى الصوفي والسلفي والعلماني يعيشون في غرفة واحدة (أنا واحد من الثلاثة)، فأهم شيء عند الجميع هو لعب الورق (البلوت).. فلا تستغرب عندما ترى تقدميا يدير قناة تأخرية، ولا تعجب من إدارة تأخري لقناة تقدمية. كل شيء ممكن في هذا البلد المنافق الجميل..

لقد ظهرت قناة الوطنية في أوج ضعف تنافس القنوات الأخرى التي بدأ كل منها يفرض شكله على المشاهد غير مهتم بما يقدمه الآخر، وهي العادة السيئة التي نراها في كل المؤسسات العاملة في البلدان المتخلفة العاجزة عن بناء رصيف كبلدنا المقدس، فمثلا رأينا جميعا ذلك التفاهم والتعايش الذي حدث بين موريتل وماتل قبل مجيء شنقيتل، والله اعلم بحال الجميع الآن فالأجواء يسودها النفاق..

لقد ظهرت الوطنية براقة في أولها، ولا أحب البدايات القوية لأنها تدل على أن الأساس هو الضعف، وذلك ما ستصدقه أو تكذبه الأيام، وأحب عندي من ذلك السير بخطى حثيثة، والتعلم من التجارب فالوطنية لا زالت شاشة رضيعة، وأمامها الكثير من الوقت قبل المبالغة في "لحفول"..

وأخوف ما أخافه عليها هو أن تسير على الخط التقدمي التأخري في حقيقته، ذلك الخط الذي لا يرجع أصحابه إلى الأسس والقواعد الصحيحة، ويعتقدون أنهم يحسنون صنعا!

فالمجتمع ليس في حاجة إلى من يعلمه الضلال، وعلى القناة التركيز على الترفيه، واصطياد اللقاءات الحصرية كما فعلت الفنانة وردة مع الفنان القدير مفتاح، وبالمناسبة هذه في رأيي هي أجمل حلقة قدمتها التقدمية (أقصد الوطنية) حتى الآن..

فالفنانة مقدمة برامج بامتياز، وهو ما يدل على ذكاء هذا الشعب المتناقض العجيب، ومفتاح فنان صريح أحب الموسيقى الهندية بصدق مثلي ولم يخجل من التصريح برأيه أمام الجميع، بل غنى بالهندية أغنية من فيلم سبق جيلي لا أعرفه رغم خبرتي، والمهم أن الأغنية جميلة جدا..

وظهر حبه لأخيه المرحوم ياسين – رحمه الله- ليدل على الوفاء والحنين إلى أيام الزمن الجميل، ومن هنا أدعوه – وأدعو الفنانة، وأدعو نفسي - إلى التركيز على الدين فهو العاقبة، والتوبة من كل الذنوب، فمن لا دين له لا حياة له.. لكن هذا الدين يتطلب فهما صحيحا، فليس كل فهم يصلح له، وما أكثر الأفهام السقيمة التي يؤمن بها حتى بعض العقلاء! والفهم الصحيح يتطلب تعلما، والتعلم يتطلب صبرا ومعلمين صالحين، فالقول ثقيل، والعبادة في بداياتها ثقيلة، وصحبة من يذكر بالله خير من صحبة الغيثارة، نرجو من الله العلي العظيم أن يتجاوز عن أخطائنا، وأن يمن علينا بالجنة دار النعيم الحقيقي..

ومن البرامج التي شاهدت في هذه القناة العجيبة: برنامج المناظرة الذي دار بين العلماني المتحضر ولد المعلوم، والتواصلي المبتسم ولد الحاج، بدا العلماني غائم الأجواء مؤمنا بأوربا وبالعلم الذي بهرته نتائجه، مرددا الجملة "حوار حضاري.. حوار حضاري" كأن الحديث عن الأحاديث والآيات من التخلف في شيء..

وارتكب المحتار خطأ فادحا لم يفطن له، فقال بأن المسلمين لما كانوا بمنأى عن التعصب قدموا للعالم أصول العلم، فلما تعصبوا ووقع الخلاف بينهم وكفير بعضهم بعض، ضعفت الحضارة الإسلامية! نسي العلماني المسكين أن المسلمين تقدموا واكتشفوا الإكتشافات لما كان أساس حياتهم هو الكتاب والسنة لا البعد عنهما كما يدعو حزبه..

وقال إن مشكلة السنة والشيعة شكلية، وهذا جهل مدقع بفرق الإسلام، لا يجوز لصاحبه الحديث عنها، فالشيعة والسنة لا يمكنهما التعايش إلا في حالة ضعف الشيعة واستخدامهم للتقية، أما في حال غلبتهم فالإنتقام هو السمة  التي تميزهم، وذلك مشاهد في العراق وسوريا ولبنان اليوم..

ولا أعرف هل هذا البرنامج موجود للدعاية للعلمانية أو لا؟ وذلك ما ستبينه الأيام..

ومن برامج القناة التي شاهدت: برنامج "الطافلات" على ما أعتقد، فإذا أردت مشاهدة تناقر الديكة فتفرج على هذا البرنامج..

أرجو أن لا تكون بداية القناة كانطلاقتي في ذلك العدو الريفي في مدينة مغاربية عزيزة، كان معي ما يقارب الخمسين متسابقا من بينهم فتاتين، والعجيب أنني – كقناة الوطنية – تصدرت الجميع في الدورة الأولى والثانية، ومع بداية الدورة الثالثة بدأت في التقهقر، وانتهى بي المطاف في المرتبة الأخيرة خلف الفتاتين!

المهم أرجو أن تستمر قناة الوطنية (أو تقدمية) على نفس الوتيرة، وأن لا تتقاعس إلى المرتبة الأخيرة في السباق.. ومن أهم ما يحقق لها ذلك:

التواضع: فمن تواضع لله رفعه.. فلا يجب أن يكون الهدف هو الظهور بمظهر المتميز عن باقي القنوات كأن المعدات والممولين والمدراء وطاقم المقدمين قادمين من المريخ لا من هذا الكوكب التعيس.. نعم، لا بأس بحلقات أولى منتقاة، لكن إذا تعود المشاهد على الجمال في بلد القبح فسيلعن القناة إن هي أظهرت له وجهها القبيح المستور..

سلامة المنهج: فالعلمانية لا فائدة فيها، وانصح الجهلة المؤمنين بها بتعلم العلوم الشرعية، كما أنصح المبتدعة بترك البدع ما ظهر منها وما بطن، فلا فائدة فيها، وصاحبها ضال مضل بدل أن يكون من الهادين المهتدين.. الحذر من التركيز على الأغاني والكليبات: وإلا تحولت القناة إلى أول قناة موسيقية في البلد بعد أيام..

ترك التركيز على شرائح معينة من المجتمع: فإن ذلك من مظاهر العنصرية البغيضة، فالمجتمع وحدة واحدة، والمظلوم فيه ظلمه المجتمع ككل لا فئة معينة منه كما يظن بعض الأغبياء.. ومجتمعنا والحمد لله هو المجتمع الوحيد – في رأيي- الذي لا توجد فيه العنصرية بمفهومها المقيت الموجود في العالم الآخر، يعرف ذلك كل من خرج من هذا البلد وعاد إليه سالما، فلنحمد الله تعالى ذلك..

وللموضوع بقية..

 

[email protected]

7. نوفمبر 2013 - 21:33

أحدث المقالات

كتاب موريتانيا