جدل واسع في وسائل التواصل الاجتماعي والقنوات التلفزيونية، وضجة كبرى تلك التي أثارها الفلم الهندي "حياة الماعز"..
الفلم تناول ما وصفه منتجوه قصة "واقعية" تروي أحداثها مأساة شاب هندي قدم للعمل في المملكة العربية السعودية، فتم اختطافه واستعباده عدة سنوات كراع للأغنام في منطقة صحراوية نائية.
ومع أنه يمكنني أن أتتبع في هذه العجالة أكثر من ثغرة مكشوفة تفضح تهافت الادعاء بأن القصة حقيقية وواقعية، إلا أنني رأيت أن أؤجل ذلك لمقال آخر، لأثير هنا تساؤلات أخرى تبدو أكثر إلحاحا وشمولية، تكشف النوايا الخبيثة والإستهداف المسبق للمملكة العربية السعودية والشعب السعودي الطيب المعطاء، بل وللعرب والمسلمين عامة.
وأول تساؤل يتبادر للذهن في هذا السياق، هو ذاك الذي يتعلق بالدور الثقافي والتنويري للفن السينمائي كلون أدبي ثقافي يتناول ظواهر سائدة ومتجذرة في مجتمع ما، بهدف تغييرها وتخليص ذلك المجتمع منها، خاصة إذا كانت تمس حرية وكرامة الإنسان في ذلك المجتمع.
في هذا السياق تتبادر سريعا ظاهرة فتيات الديفاداسي، التي هي أقرب إلى الخيال الأسطوري منها إلى الواقع، ومع ذلك فهي واقع معاش وتقليد معروف ومتوارث في الهند منذ قرون عديدة.
ففي جنوب الهند وفي ولاية كارناتاكا تحديدا، تُجبر الفتيات في سن مبكرة على الالتحاق بأحد أكبر المعابد الهندوسية هو معبد آلهة إيلاما: آلهة الخصوبة عند الهندوس، وفي هذا المعبد الكبير تُرغم الفتيات قسرا على خدمة الكهنة وتلبية رغباتهم وإشباع نزواتهم، فيتحولن إلى خادمات مطيعات، ثم تتطور وتزداد أهميتهن في المعبد حين ينجبن أطفالا من الكهنة وكبار موظفي المعبد، ولأن الاعتقاد سائد عند الهندوس بأن وجود فتاة من الديفاداسي في العائلة يجلب لها الحظ والخير الوفير، فإن آلاف الأسر تسارع إلى إجبار فتياتها على الالتحاق بالمعبد عند سن العاشرة حتى لا تفوتها الفرصة.
لكن مأساة إنسانية أبدية تنتظر فتيات الديفاداسي حين تنتهي خدمتهن في المعبد، فيرمى بهن في الشارع يحملن أطفالا بلا آباء، وقرارا يُحرّمُ عليهن الزواج، ففي التقاليد الهندوسية يُحظر على فتاة الديفاداسي الزواج من أي رجل آخر، لأنها في الأصل أُرسِلت إلى المعبد كقربان للكهنة الذين يمثلون الآلهة في المعتقدات الهندوسية.
في تقديري أنه كان الأولى بأؤلئك الذين أنفقوا الوقت الوفير والأموال الطائلة والترسانة الفنية الهائلة في تتبع "حياة الماعز" في صحراء نائية أن يركزوا اهتمامهم على إنقاذ حياة عشرات الآلاف من فتيات الديفاداسي في عقر دار إحدى "أكبر" و"أنضج" ديمقراطيات العالم.