التجارة... عبر السلك الدبلوماسي / محمد محفوظ المختار

altلحظة بعد لحظة ويوما بعد يوم يثبت الرئيس الموريتاني أنه تاجر من العيار الثقيل، ويبدوا أن عقليته التجارية لا تبرز بشكل جلي وواضح إلا عند الشدائد وفي أوقات المحن، وهنا سأبدأ من بدايته كتاجر كما عرفناه لأقول: إن هذه العقلية بدأنا نكتشفها كمواطنين، عند انقلابه

 على الرئيس المنتخب سيد محمد ولد الشيخ عبد الله فجر السادس من أغسطس عام 2008، حيث قام باتفاق خفي المعالم واضح الدلالات، يقضي بقطعه للعلاقات مع الكيان الصهيوني مقابل دعم سياسي يفتح المجال أمام فرض انقلابه كأمر واقع على الساحة السياسية الوطنية والإفريقية، ودعم مالي سخي يدخل إلى خزينة الدولة من طرف كل من إيران الخميني، وليبيا القذافي.

الدعم السياسي والمالي المقدم من طرف ليبيا كان سخيا وفوريا، و توج بزيارة القذافي إلى موريتانيا فجر الأحد الأول من مارس عام 2009 وإطلاقه لتصريحاته الداعمة للانقلاب الذي نفذه محمد ولد عبد العزيز ضد ولد الشيخ عبد الله (نذكر جميعا رفع القذافي لقبضتي يده قائلا لا توجد سوى انتخابات 6 يونيو) ، ومن ثم عمل بجهود حثيثة وضغوط قوية على تسويق هذا الانقلاب خارجيا وفرضه كأمر واقع على أجندة الاتحاد الإفريقي في قمته اللاحقة.

أما الدعم الذي تلقاه ولد عبد العزيز من جمهورية إيران فتجسد في عدد لا بأس به من باصات النقل تم تسخيرها لإنشاء "الشركة الوطنية للنقل العمومي - والتي بالمناسبة أسهم إنشاءها في تأزيم وضعية النقل داخل العاصمة نواكشوط- ثم بدعم سخي لميزانية الدولة في موريتانيا، كل ذلك مقابل أن يسمح الرئيس الموريتاني بفتح سفارة لإيران في موريتانيا وتغاضيه - ولو جزئيا - عن الدور الإيراني في نشر المذهب الشيعي في أوساط المجتمع الموريتاني، وهذا بالضبط ما أثبتته الأيام اللاحقة للافتتاح السفارة الإيرانية في موريتانيا، حيث برز إلى الوجود عدد من المتشيعين الموريتانيين مطالبين بالترخيص لهم في بناء حسينيات داخل الأحياء الأشد فقرا في العاصمة نواكشوط (عرفات – دار النعيم).

هذه الأخيرة أحدثت علاقتها بموريتانيا شرخا قويا بين موريتانيا وبعض دول الخليج العربي مما أسفر عن تهجير بعض الموريتانيين العاملين في دولة الإمارات العربية المتحدة لأسباب بدت في حينها تافهة وغير مقنعة.

ثم حدث الربيع العربي مع مطلع العشرية الثانية من القرن الواحد والعشرين، وها هو رئيس مخابرات القذافي عبد الله السنوسي المطارد، يحط الرحال بمطار نواكشوط فجر السابع عشر من مارس 2012 ليجد عناصر من الأمن الموريتاني في استقباله، ثم بعد ذلك ببرهة ها هو يحط الرحال في العاصمة الليبية طرابلس بعد أن دفعت عنه الحكومة الليبية لنظريتها الموريتانية مبلغ 200 مليون دولار، عبدالله السنوسي لم تشفع له علاقة الرئيس الموريتاني بالقذافي ولا علاقته الشخصية مع الرئيس الموريتاني، لأنه وقت المصلحة تنتفي الصداقات أو تنعدم، حسب العقلية التجارية التي يتحلى بها رئيس الدولة الموريتانية.

وتتوالى الأحداث لتدخل موريتانيا أزمة سياسية خانقة أفضت إلى حوار سياسي ولد ميتا، ليجد الرئيس الموريتاني نفسه في أزمة مستحكمة، بعد أن نأى الاتحاد الأوروبي بنفسه عن الانتخابات النيابية والبلدية الأحادية التي يريد الرئيس الموريتاني تنظيمها في 23 من الشهر الجاري، ليستدعي الرئيس الموريتاني عقليته التجارية ويبحث له عن صفقة رابحة تكسبه بعض المال وتخرجه – ولو مؤقتا - من أزمته السياسية التي يتخبط فيها. ويبدوا أن الرئيس الموريتاني أراد أن يعقد صفقة مع المملكة العربية السعودية تقضي – في قراءة بين سطورها – إلى الحد من تماسك علاقة موريتانيا مع إيران، ودعم الانقلاب في مصر، مقابل دعم مادي سخي من المملكة العربية السعودية لموريتانيا وبالتالي تمويل هذه الانتخابات التي عزف شركاء موريتانيا في التنمية عن تمويلها أو حتى الإشراف عليها أو رقابتها.. وليعذرني عزيزي القارئ، فأنا لم أكلف نفسي عناء الخوض في العقلية التجارية لرأس النظام و استخدامه المفرط لها على الصعيد الداخلي بشكل مفصل، لكن سأكتفي بمعالجة جانب واحد منها ولن أسترسل في تفاصيل، الجانب الذي سأتحدث عنه له علاقة وطيدة بحياة المواطنين وثبوت مواطنتهم، ألا وهو المتاجرة المعلنة بالأوراق المدنية ومتعلقاتها، حيث إنك في موريتانيا لا تستطيع الحصول على مستخرج لشهادة الميلاد ما لم تدفع مبلغ 300 أوقية أما بطاقة تعريف وطنية فليس من الممكن استخراجها إلا إذا دفعت مبلغ 1000 أوقية، ولن تستطيع السفر خارج البلد مادمت لم تدفع مبلغ يتراوح بين 30000 أوقية و100000 أوقية للحصول على جواز السفر، ولن تشارك في أي مسابقة للولوج إلى الوظيفة العمومية ما لم تتحصل على شهادة تبريز من المحكمة (لا تعني بالضرورة خلو الحاصل عليها من أي متابعة قضائية، أو ارتكابه لجرائم) مقابل مبلغ 200 أوقية، وشهادة صحة بمبلغ 200 أوقية (لا تسلم على أساس فحوص طبية، وقد يكون حاملها مصابا بأخطر الأمراض وأكثرها تعقيدا) بالإضافة إلى طابع بريدي من فئة 200 أوقية.

تواردت هذه الأفكار حول العقلية التجارية لرئيس الدولة إلى مخيلتي وأنا أرى هذا الدعم المالي السخي للأحزاب المشاركة في انتخابات 23 نوفمبر القادمة والذي أقره مجلس الوزراء بتاريخ31 أكتوبر الماضي. هذا الدعم الذي جاء في قالب رشوة سياسية وإن كانت في قالب غير دبلوماسي هذه المرة، إلا أنها تعكس نوعا آخر من أنواع التجارة يمكن أن نصفها بالسياسية وليس هنا مجال الحديث عنها.

وكخلاصة أقول ما جاء في هذا المقال هو سرد لوقائع وأحداث حصلت، وأن أي قراءة مبسطة لها تكشف أن الرئيس الموريتاني محمد ولد عبد العزيز برهن بما لا يقبل مجالا للشك على امتلاكه لعقلية تجارية فذة، برزت بشكل جلي في الحقل الدبلوماسي، من هنا نطلب من رئيس الدولة استثمار هذه العقلية في تحرير إبني موريتانيا المحتجزين في اغوانتامو محمدو ولد صلاحي وأحمد ولد عبد العزيز، والعمل على إعادتهما إلى أسرتهما في أقرب وقت ممكن.. حتى تكون هذه العقلية المثمرة قد أنجزت صفقة واحدة يمكن أن تكون محل إجماع وطني مكتمل الأركان.

7. نوفمبر 2013 - 21:40

أحدث المقالات

كتاب موريتانيا