في يوم الفاتح من الشهر الهجري الحالي،الموافق:05 / 11 / 2013 ، كان كتاب نيڮولا مكيافيللي " الأمير"، الذي سبق أن قرأته ،على مرمى نظري فأخذت في تصفحه، و في الصفحة 104* لفت انتباهي ما يلي: " إن على الأمير ( ولي الأمر) أن لا يخشى كثيرا من المؤامرات إذا كان الشعب راضيا عنه،
أما إذا كان مكروها، ويحس بعداء الشعب له،فإن عليه أن يخشى من كل إنسان و من كل شيء ، وقد كان من طبيعة الدول المـُنظمة و الأمراء العقلاء أن لا يدفعوا بالنبلاء إلى درجة اليأس، و أن يرضوا الشعب،حيث أن هذا الموضوع، من أهم المواضيع التي يجب على الأمير أن يهتم بها.
ولا شك في أن فرنسا،من أفضل الدول تنظيما ( ...) ، وإننا لا نجد فيها عدد كبيرا من المؤسسات التي تعتمد عليها حرية الملك وسلامته،وفي مقدمة هذه المؤسسات بالطبع ، البرلمان و سلطته، حيث أن الذي أقام تلك المملكة، كان يعرف مطامع النبلاء العظام،فرأى من الضروري إلهاءهم بشيء في أفواههم لكبح جماحهم،وقد أدرك من الناحية الأخرى ، ما تمثله جماهير الشعب من كراهية النبلاء العظام ترتكز إلى الخوف.
ورغبة منه في منحهم الطمأنينة ، أراد الملك أن يتجنب هذا الموضوع ، أولا يجعله محل عنايته الكبرى، يستفيد مما قد يتعرض له من سخط النبلاء إذا أرضى الشعب، و من سخط الشعب إذا أرضى النبلاء.
ولهذا فقد أقام قاضيا ثالثا، لا يخضع لأوامر الملك مباشرة، ويكبح جماح العظماء ،و يعطف لجماهير الشعب (.....) و أريد أن أختتم قولى ثانية بالتأكيد على أن من واجب الأمير أن يحترم النبلاء في مملكته، بشرط أن لا يؤدى احترامه إلى كره عامة الشعب له" . ويقول نيڮولا مكيافيللي ،(الصفحة 124) في خصوص حاشية الأمير " في وسع الإنسان أن يأخذ فكرة سيئة عن الأمير نفسه، إذ أن الخطيئة الأولى التي اقترفها تكون في إساءة اختياره".
إن اختيار وزراء الأمير، ليس بالمسألة القليلة الأهمية، فهم إما أن يكونوا لائقين، أو غير لائقين ، على حسب حكمهم ، والانطباع الأول الذي يتولد لدى الإنسان عن الأمير و عن تفكيره ، يكون في رؤيته أولئك الذين يحيطون به.
فعند ما يكونون من الأكفاء و المخلصين، يتأكد الإنسان من حكمة الأمير،لأنه استطاع تمييز هذه الكفاءة، و ألاحتفاظ بهذا الإخلاص.أما إذا كانوا على النقيض من ذلك ، ففي استطاعة الانسان دائما، أن يأخذ فكرة سيئة عن الأمير نفسه،لأنه يكون قد ارتكب خطأ كبيرا يتمثل في اساءة اختياره لمن ينوبه"، و بإسقاط ما سبق على المشهد الحالي ، لتضحت لنا الرؤية المستقبلية للخارطة النفوذ ألإقصائي ،حيث يعتبر هادفا ولو كان نيڮولا مكيافيللي في نظر الكثيرين أبو الانتهازيين ، إلا أنه يمكن استنتاج واقعيته السياسية من أجل احتفاظ الحاكم بحكمه و يظهر ذلك جليا عندما كتب هذا الكتاب ، الذي هو عبارة عن نصائح موجهة إلى أمير فلورنسا ، إحدى المدن الإيطالية.
قد نتفق أو لا نتفق مع صاحب المقولة الشهيرة " الغاية تبرر الوسيلة"، والتي قد تكون إحدى ركائز المدرسة الواقعية في السياسة الحديثة، إلا أن فهم معمق لهذه الكتاب قد يكون مفيدا لاستنتاج أسباب سقوط دول و خراب أخرى.
وفى واقعنا الموريتاني يمكن ان نشبه النبلاء، بأصحاب النفوذ من شيوخ قبائل وسلطة ،والذين سيطروا ويسيطرون دائما على المشهد السياسي منذ الثمانينات بل الستينات من القرن السابق،والمؤسف أن الحلقة المفرغة مازالت غائبة ، والتي استخدمت فى القرن الخامس عشر ميلادي ومازالت أساسا للاستقرار و التي تعتبر توازنا بين ما يريد الشعب و ما يريده ممثلوه، توازنا يتجسد فى عصرنا الحاضر بين الاختيار الحزبي البنيوي واستقلالية القضاء وان كان نسبيا.