هدوء من فضلكم.. فالليلة ليست ليلة عادية، والضيف ليس ضيفا عاديا، والحديث لن يكون حديثا عاديا، وتوقيت بث الحلقة جاء في لحظة موريتانية غير عادية، إنها لحظة في غاية الإرباك والارتباك..
فقبل ساعات قليلة كانت منسقية المعارضة قد أنهت أول نشاط احتجاجي لها ضد انتخابات 23 نوفمبر، وبعد ساعات لن تكون بالكثيرة ستبدأ الحملة الانتخابية لتلك الانتخابات.
ثلاثون ساعة هي التي تفصلنا عن انطلاق الحملة، ومع ذلك فلا أحد يستطيع أن يجزم بشكل قاطع، على أن الحملة ستنطلق في موعدها، ولا أن الانتخابات ستنظم في يوم الثالث والعشرين من نوفمبر.
لا أحد في عهد الإرباك والارتباك يعرف ما الذي سيحدث غدا: فهل ستنطلق في الغد الحملة أم لا؟ هل سيقال الوزراء المترشحون أم لا؟ هل سيجتمع البرلمان في دورة الميزانية أم لا؟ هل سيُشَكل المرصد أم لا؟ هل ستظهر كرامة ثانية لحزب الكرامة أم لا؟ هل سينسحب حزب الصواب من التنافس انتصارا لإبريقه أم لا؟ وهل سنقرأ في الغد حلقة ثانية من سلسلة "نحن والمسار الحانوتي" أم لا؟ وهل ستتوقف اللجنة المستقلة للانتخابات عن عبثها أم لا؟
إنها أسئلة لا نملك لها إجابة، ولكن دعونا من غد وأسئلته المربكة، ودعونا مما بعد غد وأجوبته، وتعالوا بنا نتوقف قليلا مع بعض اللقطات من الحلقة الأولى من برنامج جلسة وطنية، ذلك البرنامج الذي بثته قناة الوطنية، والذي تستحق عليه التهنئة، كما تستحقها أيضا على انطلاقتها المتميزة. تحدث الرئيس مسعود في الحلقة عن الكثير من المواضيع، فأصاب مرة، وأخطأ مرة، وأربك الجميع أكثر من مرة.
فأين أصاب الرئيس مسعود؟ وأين أخطأ؟ ومتى ارتبك وأربك؟
لاشك أن المهتمين بالشأن العام سيختلفون عند الإجابة على تلك الأسئلة اختلافا كبيرا، ولكن في اعتقادي بأن هناك ثلاث محطات لن يكون الاختلاف حولها كبيرا: واحدة أخطأ فيها الرئيس مسعود خطأ بينا، وثانية أصاب فيها، وثالثة أربك وارتبك فيها، وإليكم تلك المحطات الثلاث.
لقد اخطأ الرئيس مسعود عندما قال بأنه قد اجتهد عند اختيار ممثله في لجنة الحكماء السبعة، والحقيقة أن الرئيس مسعود لم يجتهد إطلاقا، ولو أنه اجتهد لاختار أسماءً معروفة لدى الجميع بكفاءتها،وبنزاهتها، وباستقلاليتها، وكذلك بخبرتها في الإشراف على الانتخابات.
ولو أن الرئيس مسعود اجتهد فعلا لاختار واحدا من تلك الأسماء التي يعرفها هو جيدا، والتي يعرف بأنها مؤهلة أكثر من غيرها للإشراف على انتخابات ذات مصداقية. لم يجتهد الرئيس مسعود لحظة اختياره لممثله في اللجنة المستقلة للانتخابات، ولذلك فلا يحق له أن ينتظر أجرا واحدا إن اخطأ، ولا أجرين إن أصاب، وإنما عليه أن يتوب من الجرم الذي ارتكبه في حق نفسه، وفي حق الموريتانيين باختياره الذي لم يكن موفقا بالمرة.
والحقيقة أن هذه ليست هي المرة الأولى التي يتعمد فيها الرئيس مسعود أن يختار شخصا غير مناسب لمهمة أوكل إليه أن يختار هو من يتولاها.
ومن الأمثلة على ذلك اختياره لشخصية سياسية من حزبه لتكون عضوا في السلطة العليا للصحافة، فكان على الرئيس مسعود أن يختار صحفيا لتلك المهمة بدلا من منحها لشخصية سياسية من حزبه، لا أحد يشكك في قدراتها، ولكنها لم تكن هي الشخصية المناسبة للمهمة التي أوكلت إليها.
ويكفي كدليل على ذلك أن تلك الشخصية الحزبية اضطرت لأن تستقيل من تلك الوظيفة لأسباب سياسية وانتخابية، فضاعت بذلك وظيفة هامة، كان على الرئيس مسعود أن يختار لها صحفيا كفؤا مستعدا لأن يتفرغ لها.
ومن قبل ذلك كله، لم يجتهد الرئيس مسعود عند اختياراته في الشوط الثاني من رئاسيات 2007، فلقد كان الخيار بين مترشحين بنفس الكفاءة وبنفس الخبرة وبنفس الشهادات، وبنفس العمر أيضا، لكنهما كانا يختلفان في كون أن أحدهما كان يستحق الرئاسة فعلا، كما هو الحال بالنسبة للرئيس مسعود، وبالنسبة لغيره من المعارضين الذين ضحوا كثيرا ولعقدين من الزمن في سبيل إرساء الديمقراطية في هذا البلد. أما المرشح الذي اختاره الرئيس مسعود فلم يعرف عنه أنه بذل أي جهد ـ مهما كانت بساطته ـ من أجل ترسيخ الديمقراطية، وإنما ترك الوطن، حتى إذا ما ضحى الآخرون في سبيل الديمقراطية، جاء هو ليقطف ثمار جهود الآخرين.
إننا في هذا البلد نعاني كثيرا من اختيار الشخص الغير مناسب للمكان المناسب، ولا يتعلق الأمر هنا فقط بالسلطة الحاكمة، وإنما يمتد ليشمل الجميع، وتلك واحدة من مصائبنا الكثيرة التي نعاني منها، والتي لم يسلم منها الرئيس مسعود كلما أتيحت له فرصة الاختيار.
أما في لقطات البرنامج التي أصاب فيها الرئيس مسعود، فقد كانت كثيرة، ومن بينها لومه للمنسقية التي تعاملت مع مبادرته بشيء كثير من الريبة والشك، وقد قال الرئيس مسعود بأنه لو كانت المنسقية قد قبلت بمبادرته لكان الآن معها في صف واحد.
والحقيقة أن المنسقية قد أخطأت كثيرا في تعاملها مع مبادرة الرئيس مسعود، خاصة في تلك الأوقات التي كان فيها الرئيس محمد ولد عبد العزيز يتعامل بجفاء كبير مع الرئيس مسعود.
إن من أخطاء المنسقية أنها لا تخطط أبدا لأي أمر، وإنما تنتظر دائما حتى يتصرف النظام لترد عليه بردة فعل قد لا تكون في كثير من الأحيان بمستوى الفعل. وأذكر بأني منذ أشهر كنتُ قد نشرتُ مسودة مقترح لوثيقة اتفاق بين المنسقية والمعاهدة، وقد نشرت تلك المسودة في وقت مناسب، وكان من بين البنود التي اقترحتها على الطرفين ما يلي:
أولا : أن تعلن منسقية المعارضة في بيان صريح عن موافقتها الكاملة على كل ما جاء في مبادرة الرئيس مسعود.
ثانيا: وفي المقابل، تتعهد كتلة المعاهدة بالعمل مع منسقية المعارضة من أجل إفشال أي انتخابات أحادية تنظمها السلطة القائمة في حالة رفض هذه الأخيرة لمبادرة الرئيس مسعود.
ولو أن المنسقية اهتمت بذلك المقترح، وقررت أن توقع مثل ذلك الاتفاق مع الرئيس مسعود، لضمنت بذلك واحدا من ثلاثة أمور:
1 ـ أن تضطر الحكومة لتنظيم انتخابات على أساس مبادرة الرئيس مسعود، أي انتخابات تتوفر على الحد الأدنى من الشفافية، وهو ما كان يمكن أن يؤدي إلى ترحيل النظام القائم عن طريق صناديق الاقتراع.
2 ـ في حالة رفض النظام للمباردة، فإنه في هذه الحالة سيحدث واحد من أمرين: إما مقاطعة واسعة للانتخابات تشارك فيها المعاهدة والمنسقية، وإما إظهار الرئيس مسعود أمام الرأي العام على أساس أنه لا يحترم التزاماته. كان رد فعل المنسقية على ذلك المقترح لا يختلف عن ردود النظام مع المقترحات التي تقدم له، وتلك أيضا واحدة من مصائبنا الكثيرة التي نعاني منها في هذا البلد.
أما لحظات الإرباك والارتباك فقد كانت كثيرة، وهي بالأساس ناتجة عن كون الرئيس مسعود لا يوفق في كثير من الأحيان في التوفيق بين أدواره وصفاته التي يختزلها في شخصه الكريم.
فالرجل قد تجده يتحدث بلسان حزبي مبين في وقت كان عليه أن يتحدث بوصفه رئيس جمعية وطنية، وقد يتحدث بصفته الوطنية في وقت كان عليه أن يتحدث بصفته مناضلا عن حقوق شريحة من المجتمع عانت كثيرا من الظلم والاستغلال. وفي حديثه لقناة الوطنية، وفي مرات عديدة، تحدث الرئيس مسعود عن زملائه في النضال بطريقة لا تتناسب مع الصفة والمكانة الوطنية التي يتمتع بها. كما أنه تحدث عن الاتحاد الأوروبي بنفس الطريقة التي لا تتناسب مع مقامه ومكانته الوطنية، واستخدم عبارة لا تليق بمقامه الكريم.
فتصورا مثلا بأن رئيس جمعية وطنية في دولة أوروبية استخدم نفس العبارة خلال حديثه عن موريتانيا.
وفي الختام، سيبقى الرئيس مسعود، وكما قلت عنه سابقا، هو ذلك المناضل الكبير الذي ارتكب أخطاء كبيرة.
حفظ الله موريتانيا..