من هو البطل؟ / محمد عبد الله ولد لحبيب

altقبل أيام علقت على مقال الدكتور الشيخ ولد حرمه، ورجوت منه رجاءً قبل البداية في الحلقة الثانية. أجدني الآن على استعداد لإعطائه مهلة أخرى، مع طلب آخر. لا، ليس طلبا. فليأتنا بالحلقة الثالثة. أقدر أن الحلقة الثانية هي الاستقالة.

لا تقولوا إن الاستقالة نص قصير، والحانوتي ينبغي أن تتساوى حلقاته. ليس لكم ذلك. الحانوتي ليس مسلسلا، ولا رسالة جامعية، يلزم التوازن بين حلقاته وفصولها. الحانوتي مسار شخص، مسار إنسان، مسار طبيب، مسار وطن.

الاستقالة ليست قصيرة بالقدر الذي يتخيل أنصاف القراء، إنها اختصار لرحلة طويلة جدا بين الدخول والخروج. الدكتور لا يعبث بآيات الله، وقد ختم بآية ذات لالة، (رب أدخلني مدخل صدق وأخرجني مخرج صدق) وبين مدخل الصدق ومخرج الصدق هناك إقامة، هناك مثوى، هو الذي يطيل الحلقة الثانية من الحانوتي.

أيها أطول؟

إقامة ما بين المدخل والمخرج؟ أم مدة عمار الحانوت بفضل نشاط الوكاف الداهية؟ أن مدة إقامة البطرون في عطلته؟ ربما أطول من كل هذا ما قبل مقدَم الوكاف اللعين. الوقت بين خراب الحانوت وعودة البطرون من رحلة النقاهة كان الأقصر في الأزمان كلها. كان صبر الوكاف قد نفد.

لست أدري لماذا تخرب الحوانيت بسرعة بعد عودة البطارين من عطل ما بعد التعب الطويل. ألأنَّ كل الوكافة خُبُثٌ مكرةٌ؟ من يصدق؟. إنهم فيهم القوي الأمين؟ حانوت ادويرة ليس أكثر خرابا، ربما تكون ناره أسرع فقط. لكن لماذا؟ لأنها تشتعل في خراب (كراطين).

هذه أيضا تشتعل في هياكل خاوية. ربما لأنهم كانوا نياما فهالتهم سرعتها المفاجئة. اليقظان يرى النيران تحرقه بتؤدة فيظن أنْ لنْ تأتي عليه. لكن الهابَّ من النوم ينهض فزِعا. اليقظان يقرر الانتحار أحيانا، والنائم توقظه غريزة البقاء فيهرع إلى المقاومة تلقائيا.

بطروننا عاد منذ مدة من النقاهة والنار تلتهم بسرعة، لأن الوكاف كان أكثر طيبة مما ينبغي، هذه المرة، لأنه قوي أمين. المصطلح المحلي لإقالة الوكاف (الشڭ) كان هو داء البطرون، اللهم لا شماتة.

لكن أين البطل؟

آه، نسيت. البطل، البطل، البطل، لنستعرض بعض الإجابات.

لكن قبل الدخول في هذا الموضوع، دعونا نطرح سؤالا: ما ذا لو اقترحنا بطلا ورفضه مؤلف الحانوتي؟ عبد الفتاح كيليطو يعطينا جوابا: هذا حقنا، "...فكم من مؤلف وصف بأنه لم يفهم رواياته وكم من مؤلف تبنى، طوعا أو كرها، التفسير الذي أتى به هذا القارئ أو ذاك"؟ (المؤلف لم يمت، لكنه لا يملك القرار، يملك قرار التأليف فقط! ما قبله وما بعده يملكه آخرون).

لا ضير إذا، لنقترح بطلنا، قبِلَهُ المؤلف أو رفضه، ذلك حقه وهذا حقنا. المهم أن يكون اقتراحنا مبررا. وهذه أيضا ليست ذات بال، فمسوغاتي قد لا تقنع غيري. ليس مهما أيضا، المهم أن تكون "منطقية" أي أن يكون لها منطقها. قيمة أي مسوغ نفسية بالدرجة الأولى، ما دمنا في نطاق الممكن. حتى العقلي، ظاهرا، يحتاج للعمل به إلى عنصر نفسي يسمى الاطمئنان.

أين البطل إذا؟ لنقل إن البطل هو الحانوتي، هذه إجابةٌ مراوِغة كلهم حانوتيون، حتى بائع المادة الحارقة، من استقبل ودائع النقود التي أفضت إلى إفلاس التاجر الطيب، الوكاف حانوتي، والبطرون حانوتي، الوكافة الذين تخلص منهم الوكاف،والوكافة الذين استقدمهم حانوتيون كلهم، ومن استعادهم الوكاف من الوكافة السابقين، بالأحرى.

أولئك البسطاء الذين يشترون من الحانوت، المعجبون بالوكاف الشاطر، التيفاية الذين غازلوا الوكاف الخبيث مرة هم أيضا حانوتيون بالقوة. ما كان ينقصهم هو أن يفكر الوكاف في خديعتهم، فيتحولوا إلى حانوتيين.

البسطاء الذين هبوا لنجدة الحانوت هم أيضا كذلك ينتسبون إليه، وكذلك أهل ادويرة، على الأقل بالنسبة إلينا كقراء لأننا تعرفنا إليهم عن طريق الحانوت. قِصَرُ مدة وجودهم معنا لا يحول دون ذلك، هم أيضا يمكن أن يفتتحوا بآية أو حكمة أو بيت من الشعر تطيل ثواهم في اللازمن الذي نقيم فيه الآن. بعد مغادرتنا للحانوت، لكتابة قصته.

الحانوتي هو البطل إذا إجابة مراوِغةٌ، تنطبق على كثيرين، أغلبهم مكرهون لا أبطال.

البطل هو الحانوتي الأكبر. ما مِن شكٍّ في أن هذه الإجابة تضيق نطاق البحث عن بطل، إلا أنها ملتبسة هي الأخرى. من هو الأكبر من بين الحانوتيين؟ سيقودنا هذا إلى نقاش معيار الكبر . لن نستمر معه، سنصمد لموضوعنا، بأي معيار تحددَ الأكبرُ نقبَلُهُ.

الأكبر ، من هو؟ أهو الذي انتصر أخيرا؟ يمكن. ولكن من انتصر أخيرا؟ الوكاف الذي بقي معه المال. هذا هو النصر كما تصوره الأفلام الأمريكية ذات الخلفية الفرويدية (البقاء للأقوى) وهي لا تناسب استهلالات مؤلفالحانوتي القرآنية. (مرة أخرى لم نقتل المؤلف، بل تركنا له صلاحية اتخاذ بعض القرارات؛ الكتابة مثلا) الأكبر هو صاحب الحانوت. هذا الذي يخدع إلى درجة الافتقار!. هذا لا يمكن أن يكون أكبر! كيف؟ رجل ضعيف.

القصة، في حلقتيها الأوليين، لا تعطيه، أي انتصار تصوره غِرًّا مخدوعا لم يحلب الدهر أشطره، لا، لا، ليس هو الأكبر.

عرف أنه مخدوع في النهاية، ولم نعرف له ردة فعل. ربما ينتظر انتصاره في الآخرة. وتكون رواية الحانوتي "توحيديةً ذات مغزى عقدي". حتى هذه يسخر منها الموريتانيون بمثلين؛ أحدهما ينعى التسلي بتمني الآخرة في مواجهة العجز عن تدبير الدنيا، والآخر إقطاعي يحيل إلى جهل بحقيقة القضاء والقدر.

وكلاهما هروب من حقيقة أنفسنا، حين تعكسها مرآة التاريخ الحي، إلى مرتقى وضعتنا فيه الأوهام، ولم نصنع له سُلَّماً.

لا بطل إذا. الكل مكرهون.

ولكن واقعيا، أيْ في واقع الدكتور الشيخ ولد حرمه، واقعنا، واقع المسار الحانوتي، واقع حزب الاتحاد ورئيسه، وحزب حمد والرئاسة وبومديد (وليس دويراره، وادويرة أبعد) ووزارة الصحة، وشركات أعالي البحار ، في هذا الواقع، وبعيدا عن اللعب بالألفاظ، بعيدا عن الرمز، بدرجة الصفر في التعبير، من هو الوكاف؟ ومن هو البطرون؟ وما هو (إن لم أقل من هو) الحانوت؟ ما هي ادويرة؟

تلك أسئلة أتركها لكم الآن وربما أعود إليها في حلقة ثالثة، إن انتظرت حلقة الحانوتي.

9. نوفمبر 2013 - 20:50

أحدث المقالات

كتاب موريتانيا