في الوقت الذي كنا نتطلع فيه لقرارات حاسمة على كل المستويات، سيما في الفترة الأخيرة للمأمورية الأولى للرئيس الحالي؛ يطالعنا خبر - هو آخر ما نفكر فيه - مفاده تنصيب المجالس الجهوية يوم....).
ترى ما الجديد الذي يمكن أن تضطلع به هذه المجالس وغيرها من المجالس، ولم تكن قد قامت به من قبل؟
استذكر هنا قول أنشتاين: ( الغباء هو فعل الشيء نفسِه مرتين بنفس الأسلوب وذات الخطوات، وانتظار نتائج مختلفة).
تصوروا معي؛ ما المبلغ الذي يمكن أن نوفره من الميزانية العامة للدولة؛ لو استغنينا عن خِدمات بعض المؤسسات التي يعتبر وجودها ترفا وظيفيا في بلدان متقدمة أحرى في بلد يقول القائمون عليه إنه بلد فقير؟
وأقصد هنا على سبيل المثال لا الحصر:
- المجلس الأعلى للشباب
- المجلس الجهوي
- المجلس الاقتصادي والاجتماعي
- المجلس الأعلى للفتوى والمظالم
- المجلس الأعلى للتهذيب...
وماذا لو تم توجيه تلك الموارد المتحصل عليها من تعطيل هذه المجالس، إلى مشاريع خدمية تمس حياة المواطن وتنعكس إيجابا على حياته اليومية في مختلف جوانبها؟
وفي مقدمة ذلك بنى تحتية، نحن في أمس الحاجة إليها، من بناء مدارسَ ومستشفياتٍ أو تعبيد طرق وعرة أو صيانة أخرى متهالكة...
المفارقة العجيبة، أن الكثير منا نحن أشباه المثقفين - ولعلي على رأسهم - يجهل المهام التي يفترض أن تضطلع بها بعض هذه المجالس المذكورة أعلاه، وغيرها عديد - بغض النظر عن أهميتها من عدمه - بفعل عدم وضوح أهداف إنشائها أصلا وغياب خِدْماتها في الواقع وأثرها الإيجابي في حياتنا اليومية.
لقد تم سابقا حلّ مجلس الشيوخ، وكان لهذا المجلس - لاشك - ميزانية تسيير ضخمة ورواتب خيالية لموظفيه،
لكن بالمقابل - بربكم - هل سقطت السماء على التراب حين حُلّ هذا المجلس، وحتى حين تمت تسوية بنايته بالأرض؟
أليست كل هذه المجالس والمؤسسات عبئا على ميزانية الدولة المنهكة أصلا، وما ذُكر لا يعدو كونه غيضا من فيض وأمثال تلك المجالس كثير، لو تتبعناها واحدا تلو الآخر.
إن غياب الاستراتيجيات على كل المستويات ( قريبة المدى والمتوسطة والبعيدة) وضبابية الرؤية التسييرية، والتخلي عن مبدإ الأولويات، المتمثل في الأهم فالمهم وهكذا دواليك، وطغيان عقلية المجتمع التي مازالت في طور التشكل موازة مع مفهوم الدولة، بعيدا عن مرحلة التقاطع معها، ونهج الترضيات الفردية والجماعية؛ كان له انعكاسه على تعطل عجلة التنمية في البلد، وبقاؤه في كل مرة قابعا في ذيل التنصيفات التنموية لمختلف القطاعات.
ولن يتأتى لنا الدوران 180° ( درجة)؛ إلا إذا وَقَفنا وِقْفة تأمل، نراجع فيها حساباتنا ونحدد فيها مواقع القوة والضعف، واضعين مصلحة البلد فوق كل اعتبار، متبعين نهجا يختلف كلِّيًا عن ما عهدناه من ذي قبل.
بذلك وحده نضع القطار على السكة الصحيحة، لنجني جميعا حصاد هذا التوجه، بأكبر مردودية وبأسرع مما نتخيل.