آراء حول اعتماد الدارجة في التعليم / إسلمو ولد سيدي أحمد

altالدعوة إلى استعمال الدارجة ليست جديدة، فقد بدأت في المشرق العربيّ في القرن التاسع عشر، وكانت تهدف آنذاك إلى القضاء على اللغة العربية، بإبعادها عن التعليم والإدارة وسائر المرافق الحيوية. إذ يعلم الداعون إلى الدارجة أنها ليست لغة عالمة، لها نحوها وصرفها

 وقواعدها وطريقة التعبير كتابيا عن أصواتها، ومن ثَمّ فإنها لن تستطيع منا فسة اللغة الأجنبية(لغة المستعمر). وما دامت اللغة القادرة على منا فسة اللغة الأجنبية هي اللغة العربية الفصحى، فإن إقصاءها من حياة المجتمع كفيل بإخلاء الجو للغة الأجنبية. وتبنّى هذه الدعوة عدد من المستشرقين ووجدت آذانا صاغية لدى بعض الكتاب العرب ، أمثال: لطفي السيد وإسكندر معلوف وأنيس فريحة... وقد شكلت هذه الدعوة، في ذلك الوقت، جزءا من مشروع استعماريّ لم يُكتَب له النجاح.

وإثر صدور توصيات عن ندوة عقدت مؤخرا في المغرب، تدعو إلى اعتماد الدارجة المغربية في التعليم، تناولت وسائل إعلام مغربية مختلفة هذا الموضوع بشيء من الاستهجان والاستنكار. ويعتقد كثيرون أن إعادة طرح هذه القضية في هذا الوقت الذي تمر فيه الأمة العربية بظرف دقيق، لا يخدم الوحدة العربية، ولا يخدم تقوية اللحمة بين مكونات المجتمع داخل كل قطرعربيّ، بقدر ما يخدم أطروحات جهات معينة تحاول أن تهدم أهم رابط –بعد رابط الإسلام- يربط هذه الأمة، من المحيط إلى الخليج، وهو لغتها التي هي هُويتها ووعاء فكرها وسجل تراثها ووسيلة تواصلها. ولوحظ أن هذه الدعوة، صاحبتها دعوة إلى إنهاء دور الدين في المدارس. والمستهدف-طَبْعًا- هو الدين الإسلاميّ الحنيف، دين أكثر من تسعين في المائة من مواطني البلدان العربية.

وقد ارتأيت أن أطلع القراء الكرام على نماذج ممّا كتب في بعض الجرائد المغربية بهذا الخصوص، وذلك على النحو الآتي:

تحت عنوان: من تعليم الدارجة إلى التعليم بالدارجة، كتب مخلص الصغير، في جريدة(الخبر) المغربية:

"تحدثت مصادر عن توصيات تم رفعها، في اختتام ندوة حضرها رشيد بلمختار، وزير التربية الوطنية، ونظمها الفاعل الجمعويّ/ نور الدين عيوش، وهي التوصيات التي دعت إلى اعتماد الدارجة في التعليم المدرسيّ، في المستويات الابتدائية.

هذه الدعوة قديمة قدم اللغة نفسها، فقد أدى تشتت البشر في الأرض إلى تعدد لهجاتهم، وإن كانوا أبناء لغة واحدة، بعدما طاردتهم لعنة البلبلة، كما تحكيها قصة برج بابل. والعربية نفسها لهجات ولهجات، ولم تكن لغة قريش التي نزل بها القرآن سوى لغة مشتركة بين جميع اللهجات، بحكم أنها كانت لغة السوق التجارية الكبرى، في شبه الجزيرة العربية، والتي كانت تجمع كل أبناء وتجار القبائل العربية آنذاك، فكانوا مضطرين إلى الحديث بلغة مشتركة، هي أقرب ما تكون إلى لغة معيارية، باصطلاح اللسانيين...

قبل التعليم بالدارجة المغربية، لا بد من تعليم الدارجة المغربية أولا. وهنا، يردّ صاحب هذه الدعوة بالقول إن جميع المغاربة يتكلمون الدارجة، بعد الفطام مباشرة، وقبل دخول المدرسة، وهم ليسوا في حاجة إلى أن يتعلموا النطق بالدارجة. ولذلك، فسوف يكون في متناول التلميذ أن يتعلم العلوم والمعارف بسرعة، دون حاجة إلى تعلم اللغة العربية أو الفرنسية، لكي يتعلم بها، بعد ذلك، علما من العلوم أو معرفة من المعارف. لكن التعليم بالدارجة المغربية يقتضي تعليم الدارجة المغربية، أي وضع نحو( grammaire) لهذه الدارجة.

لكن، هل هناك دارجة مغربية واحدة، أم أن الأمر يتعلق بدوارج كثيرة؟ ولما كان الأمر كذلك، فهل يمكن وضع نحو لكل دارجة من هذه الدوارج، أو البحث عن دارجة معيارية، وعن نحو منظم لها كلها؟ في هذه الحالة، سوف نكون أمام دارجة متعالية، وليست واحدة من الدوارج التي ننطقها في مختلف مناطق المغرب. أي أننا سوف نكون أمام دارجة مشتركة، وهي دارجة سوف يقتضي منا تعلُّمها وتعليمها للأطفال، قبل أن يتعلموا بها باقي المعارف والعلوم.

سنكون هنا أمام إشكال لغويّ جديد، وإن كان قديما، وسنكون مطالبين بترسيم لغة أخرى، جديرة بذلك الترسيم، لأنها اللغة اليومية الواقعية ولغة الاستعمال، إن هي اجتمعت في دارجة واحدة. هنا، ستكف الدارجة عن أن تكون دارجة. سوف تصبح لغة منحدرة من لغة أخرى هي العربية، سوف تكون بديلا لها، بما فيها من استبدالات وثورات، من قبيل تقديم الفاعل على الفعل، مثلا.

إن التعليم بالدارجة يقتضي وضع نحو لدارجة معيارية، من أجل أن تصبح لغة للتعليم، لا دارجة من الدوارج. غير أن الأصل في الدارجة أن تظل كذلك، إلى جانب جاراتها من الدوارج الأخرى، ولا يمكن تحويل الدارجة الواحدة، أو أكثر من دارجة، إلى لغة واحدة. أي أنه لا يمكن صناعة دارجة واحدة داخل مختبر لغويّ نحويّ. ففي هذه الحالة، لن تصير لغة حية، مع أن هذا المصير هو الذي يتهدد العربية الكلاسيكية، رغم كثرة استعمالها على الورق، وليس على أرض الواقع.

يمكن القول إن التفكير في درس الدارجة المغربية يبدأ من أصلها، الذي هو العربية، ونزع القداسة عن لغة الاستعمال، وربط القداسة بلغة النص الدينيّ فقط. في هذه الحالة، يمكن إغناء العربية الحديثة بالدوارج المغربية، وبكلمات وعبارات أجنبية، مع ردها إلى البنيات التركيبية والصرفية والصوتية للعربية. ذلك أن النص الدينيّ نفسه يتضمن الكثير من الكلمات غير العربية"( انتهى كلام الكاتب).

 

وفي ملف حول الموضوع نفسه، نشرت جريدة (التجديد) المغربية، في عددها رقم: 3267، بتاريخ 04 محرم 1435 ه/ 08 نوفمبر 2013 م، استقراءً مفصلا لآراء عدد من الفاعلين في هذا المجال(يمكن لمن يهتم بالموضوع أن يعود إلى العدد المذكور من الجريدة)، وذلك على النحو الآتي:

يقول فؤاد بوعلي، رئيس الائتلاف الوطنيّ من أجل اللغة العربية: " القول باعتماد الدارجة في التعليم باعتبارها لغة تعليم، لا يروم المساهمة في التنمية أو تقريب المعلومة من المواطن، كما يشاع، بل هي محاولة لتسطيح الوعي وربطه بالمركز الفرنكفوني..اللغة ليست مجرد آلية للتواصل، ولكنها منظومة معرفية وقيمية، وأهم العناصر التي تشكل الوجود الذاتيّ والجمعيّ. لذا كان مدخل التحرر على الدوام هو المحافظة على العربية باعتبارها ثابتا من ثوابت الهُوية الحضارية للأمة...التعدد في لغات التدريس معناه فتح المجال للتفكير بطرق متعددة، وترسيخ الاستلاب الثقافيّ والفكريّ، وتشويه مقومات الهوية الثقافية والجماعية...".

ويقول عبد القادر الفاسي الفهري، الخبير في اللسانيات: " هذه محاولة لإشعال حرب لغوية متعددة الجهات، والدارجة هي فقط طرف فيها، وليست حربا جديدة، هي الحرب نفسها التي كانت سنة 1998، حيث دعا بعضهم آنذاك إلى إحلال الدارجة محل الفصحى. وهذا جزء من الخطة الفرنكوفونية التي تدعو كذلك إلى اعتماد اللغة الفرنسية لغة أولى في التعليم...وما يجب أن نعيه جميعًا هو أنّ الدعوة إلى الدارجة، انقلاب واضح على الدستور، لأنّ الدستور الجديد ينص على أنّ اللغة العربية يجب أن تنتشر، وأن تحرص الدولة على دعمها وحمايتها وتعميمها...".

ويقول المقرئ الإدريسي أبو زيد: " الدارجة التي تنافس اللغة العربية وتكتسح مواقعها، ليست بالغنى، ولا بالزخم، ولا بالرصيد التاريخيّ للغة العربية...اللغات تُحمَى بالقوانين والتحفيزات، من قبيل إلزام أصحاب المحلات التجارية بالكتابة باللغة العربية أولا، وبالحرف الأكبر، وفي أعلى سطر...عندما تذهب إلى حي شعبيّ متواضع في عمق منطقة  أقرب إلى الريف منها إلى المدنية، حيث لا يمكن أن يمر أجنبيّ ولو احتمالا مرة في القرن، تجد كلمة"اكوافور" عوض كلمة"حلاق". وهذا يدل على أننا لدينا مشكلة ثقافية حقيقية، فالإشكال الثقافيّ حالة من الهزيمة النفسية كرّستها سياسة تعليمية فاشلة طوال العقود السابقة...".

ويقول المختار بنعبدلاوي، رئيس مركز الدراسات والأبحاث الإنسانية: " إنّ الدعوة إلى الدارجة ليست إلا محطة استراحة في انتظار خوض معركة ترسيم الفرنسية. وسوف تكون المبررات وافرة ومقنعة آنذاك بسبب غياب المصطلح، وانعدام البرامج العلمية، والبرمجيات المعلوماتية....عندما يُظهِر بعضهم غيرته على الدارجة المغربية، فاعلم أنه يصوب سهامه إلى العربية المعيارية(وليس الكلاسيكية كما يروج لذلك المتفرنسون)...".

ولعل في هذه الآراء الصادرة عن أهل الاختصاص، ما يغنينا عن أيّ تعليق.

10. نوفمبر 2013 - 15:51

أحدث المقالات

كتاب موريتانيا