بعد أيام معدودات سنحتفل بالذكرى 53 لعيد الاستقلال الوطني، سنحتفل، ونحن لا نعرف بالضبط ما الذي يمكننا أن نحتفل به خلال تخليدنا لهذه الذكرى. فهل نحتفل بتعليمنا المنهار؟ أم بالوطنية الغائبة من نفوسنا؟ أم بالعدالة المفقودة؟ أم بالنعرات القبلية والجهوية والعرقية المتنامية والتي وصلت في العام 2013 إلى
مستويات مخيفة؟ أم بديمقراطيتنا المشوهة؟ أم نحتفل بتربع دولتنا في كل عام على "قمة" الجهل والتخلف والفقر والبطالة في كل المؤشرات الدولية؟ أم نحتفل بشوارع مقعرة وبعاصمة بلا صرف صحي؟ أم نحتفل بالقيم المنهارة وبالأمن الغائب؟ أم نحتفل بيسر التنقل بين أحياء العاصمة؟ أم نحتفل بانخفاض الأسعار وبصعود الرواتب؟ أم نحتفل لأن هناك حربا واحدة من حروبنا الكثيرة انتصرنا فيها؟ فهل انتصرنا في حربنا على الأمية أم أن الأمية هزمتنا شر هزيمة؟ وهل انتصرنا في حربنا على الفساد؟ وهل نحتفل لأننا نجحنا، خلال كل العقود الماضية، في وضع لبنة واحدة من موريتانيا التي نحلم بها؟ وهل نحتفل لأننا تمكنا من تجديد الطبقة السياسية؟ أم أنه علينا أن نحتفل بمهزلة 23 من نوفمبر، والتي ستسبق ذكرى الاستقلال بأسبوع واحد؟
لنقلها بصراحة : إننا لم ننجز على هذه الأرض شيئا يستحق أن نحتفل به، ولكن تلك ليست هي مصيبتنا الكبرى، بل إن مصيبتنا الكبرى هي أنه لا يلوح في الأفق بأننا سننجز غدا ما يستحق أن نحتفل به، إذا ما ظلت الأمور تسير وتُسير وفق نفس العقلية التي أوصلتنا إلى ما أوصلتنا إليه من انحطاط وتخلف.
إن الغد لا يبشر بخير، ويكفي لتأكيد ذلك أن نتأمل حاضر شبابنا وواقعه المرير.
إن المتأمل في واقع الشباب الموريتاني سيجد نفسه أمام ثلاث اتجاهات كبرى:
1 ـ اتجاه تطبعه السلبية وعدم الاكتراث بما يجري في البلد، ويعتقد أصحاب هذا الاتجاه بأن مسؤولية إصلاح واقع البلد قد أوكلت لغيرهم، وإنه على الآخرين في السلطة والمعارضة أن يخوضوا نيابة عنهم معركة الإصلاح والتغيير.
ويرى هؤلاء بأنه على السلطة وعلى الأحزاب السياسية أن تقود باسمهم حروبا بالوكالة، وأن السلطة هي المعنية أصلا بالحرب على الفساد، وهي المعنية بالحرب على البطالة، والتي هي بالأساس مشكلة شبابية.
على هذه الطائفة من الشباب، وهي كثيرة بالمناسبة، أن تعلم بأنه لا يمكن أن نتوقع من سلطة ومن أحزاب سياسية ومن نخب مستفيدة من الفساد خوض حرب بالوكالة ضد الفساد، وذلك في وقت يغط فيه ضحايا الفساد (الشباب) في نوم عميق..لا يمكن أن نتوقع ذلك، وحتى وإن افترضنا جدلا بأن القائمين على السلطة يسعون فعلا لمحاربة الفساد.
ثم إن مصطلح الحرب على الفساد، كان مصطلحا خاطئا، كغيره من المصطلحات التي تم استخدامها من طرف الأنظمة المتعاقبة.
إن الحرب على الفساد، كأي حرب، تحتاج إلى أسلحة، وتلك الأسلحة قد لا تكون متوفرة لدى الشباب، لذلك فإن المصطلح السليم الذي يجب علينا أن نرفعه كضحايا، هو الانتفاضة الشعبية أو الشبابية ضد الفساد. ومن المعلوم بأنه في الانتفاضات الشعبية يمكن أن تَستخدم كل ما هو متاح كسلاح، حتى ولو كان المتاح لك في لحظة ما، لا يتعدى مجرد نظرة استهزاء واستحقار تصوبها إلى كل مفسد تقابله بشكل عابر، على قارعة الطريق.
2 ـ اتجاه شبابي فاعل، أو مفعول به، على الأصح، وذلك لأنه كثيرا ما يخطئ في ترتيب الأولويات والاهتمامات، والمقصود بهذا الاتجاه هو الشباب المؤدلج.
لا شك أن الحركات الإيديولوجية وبمختلف فصائلها قد قدمت جهودا كبيرة وتضحيات عظيمة، ولا شك أنها في مجملها قد تعرضت، وفي فترات متفاوتة، لكثير من أشكال التعذيب والتنكيل، بدءا بالكادحين، وانتهاءً بالإسلاميين، ومرورا بالبعثيين والناصريين. لا شك في ذلك، ولكن تصوروا معي كيف كان سيكون حال هذا البلد، لو أن كل تلك الحركات كان اهتمامها منصبا في الأساس على محاربة العبودية، والأمية، والفقر، وعلى زرع قيم المواطنة في نفوس المواطنين.
وإذا كان يمكن أن نتفهم في الماضي تلك الأخطاء في ترتيب الأولويات النضالية، فإنه لم يعد بالإمكان أن نتفهمها في العام 2013، ولم يعد من المقبول إطلاقا أن تعيش طائفة من شبابنا على أمجاد وتراث حروب إيديولوجية حدثت في الخمسينات والستينات على أرض غير أرضنا. ولم يعد من المقبول استحضار كل تلك الحروب والخصومات في يومياتنا، وكأنها دارت يوم أمس على بطحاء انبيكت لحواش أو في سهول الشامي.
المؤسف أنه كلما نشأ خلاف بين القوميين والإسلاميين مثلا، في مكان ما، ظهرت هنا عشرات الأقلام الشبابية تنبش أرشيف خلافات الإخوان والناصريين في مصر وفي غيرها، وذلك في الوقت الذي تختفي فيه تلك الأقلام عندما نحتاجها في قضايا وطنية كبرى. والمؤسف أيضا أن بعض الموريتانيين يدخل في سبات عميق ولا يستيقظ أبدا إلا على ضجيج الاحتفالات المخلدة لثورة عبد الناصر، أو تلك المخلدة لاستشهاد السيد قطب، أو لاستشهاد الرئيس صدام حسين. فهل من المقبول، ونحن نعيش في العام 2013، أن تظل هموم طائفة هامة من الشباب الموريتاني محصورة في معرفة ما إن كان صدام قد عاش مستبدا أو مات شهيدا؟ أو أن تظل محصورة في معرفة هل كان عبد الناصر قائد ثورة أم قائد انقلاب؟ وهل كان القذافي مفكرا صاحب نظرية عالمية ثالثة، أم أنه كان مجنونا تسكنه ثلاث شياطين؟ ليس من حق أي كان أن يقف ضد انخراط بعض الشباب في حركات إديلوجية، ولكن يبقى من حقنا أن نذكر أولئك الشباب بأن هناك أولويات، وبأن هناك هموما تهدد مستقبل هذا البلد، على أولئك الشباب أن يهتموا بها، وهي بالمناسبة لن تفرق بين الشاب الموريتاني الاخواني أو البعثي أو الناصري أو الكادح، إنها ستجرف الجميع، إذا لم تتكاتف جهود الجميع في مواجهتها.
3 ـ اتجاه شبابي فاعل، أو مفعول به، ولكنه أيضا مشتت بين الأحزاب السياسية، والمبادرات المستقلة، وهذه الطائفة تعاني أيضا من مشاكل عويصة، وهي أنها لم تستطع أن تقود الكيانات السياسية التي تنتمي إليها، ولم تستطع أن تترك بصمة شبابية، بل بالعكس فقد تمكنت تلك الكيانات السياسية من أن تخبز كل من جاءها من الشباب يحمل أفكارا ثورية وشبابية، وأن تعجنه حتى أصبح لا يتميز عنها في أي شيء.
فعلى مستوى الأغلبية، فقد ضاع الشباب، وتبدد حلم تجديد الطبقة السياسية، وأصبحت الأحزاب "الشبابية" تمارس أساليب أكثر بؤسا من تلك الأساليب التي كانت تمارسها عجائز أحزاب الأغلبية، وزاد نقص الخبرة من بؤس أولئك الشباب، وكانت المحصلة النهائية، أن ظهرت طبقة سياسية شبابية مشوهة، وأكثر تعاسة من الطبقة السياسية التقليدية.
وبالنسبة لأحزاب المعارضة، فإن الأمر لم يختلف كثيرا، ويكفي كمثال أن نتذكر بأن الشباب المنخرط في أحزاب المعارضة، لم يتمكن من جر أحزابه إلى الاحتجاجات الشبابية التي بدأت قوية في ساحة "أبلوكات"، والتي أطلقها شباب 25 فبراير في التوقيت المناسب. ولكن بعد أن فشلت تلك الاحتجاجات، وبعد أن خف بريق الثورات العربية، قررت أحزاب المعارضة أن تبدأ ثورتها في وقت متأخر، وبأساليبها التقليدية، ورغم ذلك فقد تمكنت من جر الشباب المنخرط في أحزابها إلى تلك الثورة الخاسرة، وذلك رغم أن ذلك الشباب كان قد فشل سابقا في جر أحزابه إلى ثورة 25 فبراير الشبابية، والتي كان احتمال نجاحها أكبر.
وفي المحصلة، فإن واقع الشباب، وباتجاهاته الثلاث، لا يبشر بخير، ولذلك فقد آن الأوان لعمل شبابي غير تقليدي، يخرج البلاد من واقعها البائس الذي تتخبط فيه.
ونقطة الانطلاق لابد أن تكون من خلال تجمع شبابي، أدعوكم إليه من خلال هذا المقال، يتشكل استجابة لرغبة شبابية خالصة من كل الشوائب، وبإمكانيات ووسائل ذاتية، تبعده عن كل وصاية، وتكون له القدرة على ابتداع أساليب نضالية فعالة، وعلى توجيه بوصلته النضالية في الاتجاه السليم.
وفي اعتقادي فإن البوصلة يجب أن توجه الآن إلى إفشال انتخابات 23 من نوفمبر، ومن بعد ذلك العمل بجد على خلق وفرض مناخ سياسي سليم، يشجع الشباب على المشاركة السياسية دون الحاجة لاستنفار القبائل، ولا إلى سرقة المال العام من أجل أن تكون مشاركتهم فعالة. حفظ الله موريتانيا..