لم يعد تماما من غير الوجيه التساؤل إن كان الرّبيع العربيّ أو ما سمِّي كذلك هو إعلان عن نهاية الدّول العربيّة الموروثة عمّا بعد الحرب العالمية الثانية من حيث هي كيانات مرتبطة بالمرحلة الّتي تُسمّى بَعْد الاِسْتعماريّة أو الاستعمارية الجديدة. بعبارة أخرى هل إنّ التراجع (الشبنغليري)
المتسارع راهنيا للمكانة الدّولية لقوى أوربا الغربيّة العتيقة تعني بالضّرورة مستوى ما من تقويض الكيانات السّياسيّة الموروثة عن هذه القوى، أي هل يعني ذلك أنّ النّموذج الأولي للدّولة المابَعْدَ اسْتِعماريّة أو الاستعماريّة الْمُحْدَثة كنموذج مهيمن فيما كان يعرف بدول العالم الثّالث قد وصل إلى نهايته واستُهْلِك أو هو قيد استكمال استهلاكه ؟
من السّهل الاعتراض على الخلفيّة الّتي تؤسّس لهذه الأسئلة. فيمكن مثلا أن ننظر إلى "الرّبيع العربيّ " على أساس أنّه من منظور معيّن يعلن عن عودة بالغة الضّجيج لمختلف الأنظمة والأنظمة البديلة في العالم العربيّ إلى الحاضنة الاستعماريّة الأوروبّيّة ووريثتها الأمريكيّة. وفق هذا الاعتبار يمكن أن ننظر إلى الرّبيع العربيّ كآخر محطّة من مسار انطلق على الأقلّ منذ نهاية الحرب الباردة وأخذ، خطوة بعد خطوة، يضع حدّا للأنظمة الّتي بدتْ وكأنّها قد تحرّرت جزئيّا من هيمنة الامبراطوريّات الاستعماريّة السّابقة واستمرارها الأمريكيّ؟
كلّ الأنظمة الّتي أبْدتْ رغبة جدّيّة في التّحديث وإنجاز جهاز دولة ناجع وقادر بشكل خاصّ على قطع خطوات سريعة في طريق عصرنة البِنْيات الاقتصاديّة ووضع أسس تصنيعيّة هي الأنظمة نفسها الّتي كانت بشكل عامّ خلال الحرب الباردة محسوبة على الاشتراكيّات العالَمْثَالِثِيَّة والّتي امتلكتْ نسبيّا مستوى من استقلال القرار السّياسيّ. لنصطلح على تسميتها هنا بالأنظمة العربية شبه الستالينية. وهي التسمية التي ستَتَحددُ ملامحها في الفقرات اللاحقة. واضح الآن أنّ مختلف هذه الأنظمة، إذا استثنينا الحالة الجزائريّة الخاصّة، تمّ القضاء عليها واحدا تلو الآخر. بل إنَّ الحالة الجزائريّة نفسَها يمكن القول إنّها تمّ القضاء عليها أيضا وإن بشكل مختلف عمّا حصل في العراق وليبيا وما يحصل الآن في سوريا. وفضلا عن القضاء مادّيا على هذه الأنظمة، فإنّه تمّ توظيف تَرسانات إيديولوجيّة ضخمة موازية للتّرسانات العسكريّة للقضاء عليها رمزيّا واعتباريّا.
يلزمنا في مقابل هذا الطّرح الأخير أن نتساءل على مستويين. من جهة، هل تختلف أنظمة الدّول العربيّة شبه الستالينية الّتي سُمّيتْ اشتراكيّة عالمثالثية جذريّا عن بقيّة الدّول العربيّة فيما يتعلّق بعلاقتها مع الامبراطوريّات الاستعماريّة السّابقة؟ أمّا الثّاني، فيتعلّق بالدّلالة العامّة لمسار الرّبيع العربيّ: هل هو نهاية الدّولة الْمَابعد استعماريّة كمسار محايِث لتراجع دور القوى التّقليديّة الأوروبّيّة والأمريكيّة على الصّعيد الجيوستراتيجيّ أم يعني تَقَوِّي وتعزّز حضور الامبراطوريّات القديمة في العالم العربي والإسلامي وتقويض بؤر مقاومة هذا الحضور ؟
النّمط العامّ الّذي اتّبعته الدّول العربيّة شبه الستالينية هو بلا شكّ نموذج تلفيقي يستلهم، عن وعي أو بدونه، نموذجين مرتبطين تاريخيا وأيديولوجيا. أولهما نموذج لدّولة القوميّة الممركَزَة الّذي وُلِد في أوروبّا الغربيّة في القرن التّاسع عشر، في نسخته الفرنسية اليعاقبية. أما النموذج الثاني والأكثر جلاء فهو نموذج الدولة السوفيتية السْتالينيّة. وقد ساعدتْ على ذلك عدة عوامل أحدها الاعتقاد السّائد حينها بأنّ المركزيّة المطلقة الّتي تَجمع بين اليعاقبيّة الفرنسيّة والستالينيّة السّوفياتيّة هي السّبيل الوحيد لحرق المراحل وتجاوز التّأخّر التّقنيّ الصّناعيّ. وهي عقيدة موروثة مباشرة عن الدّول القوميّة الأوروبيّة في القرن التّاسع عشر كما هي موروثة عن الامبراطوريّة السّوفياتيّة وعن الأيديولوجيا والثقافة السياسية المؤسِّستين لها. فقد اعتمدتْ فرنسا النّابليونيّة نمطا بالغ المركزيّة وشبه بوليسيّ من أجل تجاوز التأخّر التّقنيّ الصّناعيّ تجاه بريطانيا الّتي كانت عرفتْ انطلاق الثّورة الصّناعيّة خمسين سنة قبل انقلاب نابليون على الثورة الفرنسية. وهو تماما ما استلهمَتْه بشكل متغوّل وبالغ التّطرّف الدّولة الستالينيّة في الاتّحاد السّوفياتيّ.
بمعنى آخر، فإنّ الّذي يميّز الدّول العربيّة الّتي سمّيت اشتراكيّة في نموذجها الدّولتيّ لم يكن في مستوى قطيعتها مع نموذج الدّولة الأوروبيّة وإنّما في محاولتها تجاوز النّمط التّركيبيّ للدّولة الْكُمْبْرادورِيَّة كما سادت في بقيّة الدّول العربيّة وفي أغلب دول العالم الثّالث. أي أنّها حاولت أن تتجاوز البِنية السّياسيّة الموروثة عن الاستعمار ليس لاستبدالها ببنية مغايرة أو أكثر انسجاما مع المسار التّاريخيّ لشعوبها وإنّما لتستلهم الدولةَ الأوربيةَ عبر صياغةً تراها أقرب إلى نموذج الدّولة المركزيّة القادرة على تحديث وتصنيع المجتمع في وقت قياسي.
غير أنّنا حين نقارن الدول العربية شبه الستالينية مع الدول "الاشتراكية" الأخرى سنلاحظ أنّ الأولى أنظمة وُلدتْ متأخّرة بالنسبة للأنظمة الستالينيّة الّتي تَشَكَّل أغلبُها غداة الحرب العالميّة الثّانيّة. أما الأنظمة العربيّة الّتي سُمّيت اشتراكيّة فقد ظهرتْ في نهاية السّتينيّات وبداية السّبعينيّات أي في أوج المدّ العالمثالثي. فقد كانت بشكل أو بآخر استمرارا للتّجربة النّاصريّة. انتقال الدّولة النّاصريّة نفسها إلى ما سمّي بالاشتراكيّة كان في بداية السّتينيّات. صحيح أن المرتكزات الأيديولوجية التي انبت عليها أنظمة هذه الدول تعود في بعضها بشكل مباشر إلى مناخ الثمانينات والأربعينات من القرن الماضي (وهو بشكل خاص حال حزب البعث). إلا إنّ السياقات التعبوية والدّعائيّة الّتي سترتكز عليها الأنظمة العربية شبه الستالينية، أيا تكن مرتكزاتها الأيديولوجية والحزبية المعلُنة، هي سياقات تشكلتْ أوجيا من خلال صدمة الوعي العامّ الّتي أحدثتها هزيمة 1967. فقد أصبح حينها خلقُ جهاز دولتيّ مركزيّ يُفتَرض أنه قادر على تجاوز التّأخّر التّقنيّ الصّناعيّ والعسكري مبرّرا كافيّا لتبنِّي النّموذج الأمنيّ الستالينيّ بطريقة يتمّ تعميدها شعبيا ـ خصوصا إذ ذاك ـ باعتبارها أنجع أداة لمواجهة كلّ اختراق أمنيّ أو تصنيعيّ من الدّول الغربيّة.
غير أنّ هذا الطّابع الأمنيّ الأوتوقراطي المُرَكّز سَيسْمح، في اتجاه أولي، بمستوى ما من الدّمج الثّقافيّ الاجتماعيّ على الطّريقتين اليعاقبيّة والستالينيّة. وسيدفعُ في الإتّجاه المقابل إلى توظيف البنيات القديمة أمنيّا من حيث رفضُه الجذري لكلّ البنيات السّياسيّة الحديثة كبنيات منافسة ومتَّهَمة تبعا لذلك بشكل تلقائي. وهو ما سيجعل هذه الأنظمة من جهة تعمل على عسْكرة المجتمع واستتْباعه عسكريا ومن جهة ثانية تَعكفُ على إنشاء دولة تشكل جهازا كليانيا دمجيّا يستفزّ تلقائيّا، كما هو الأمر في دول عديدة أخرى، المنظومات التّقليديّة السّابقة عليها كمنظومات معياريّة. وسيجعلها من جهة ثالثة، تُقوّي هذه المنظومات والكيانات التّقليديّة من حيث اعتمادها التّدريجيّ عليها أمنيّا ( مَنْحُ امتيازات لبعضها في مواجهة البعض الآخر وتقريب أو خلْق قيادات لمواجهة قيادات تقليديّة أخرى، واعتماد الولاء الأمنيّ كمعيار محوري وتكوين أجهزة أمنيّة مرتبطة جزئيّا أو كلّيّا بولاءات تقيلديّة طائفيّة أو قبليّة أو عرقيّة أو جهويّة بحسب الدّول، إلخ.)
هذا العنصر الأخير قد بدا لمختلف الأنظمة العربية شبه الستالينية كعنصر بالغ النّجاعة بشكل مزدوج : بالغ النّجاعة في مواجهة أيّ اختراق أجنبيّ، وبالغ النّجاعة في مواجهة أي منافس سياسيّ محلّيّ بما في ذلك المنظومات والكيانات التّقليديّة الّتي لم تقبل طواعيّة بالانخراط في المنظومة المعياريّة الرّسميّة المهيمنة. وهو ما يفسّر أنّ موجة سقوط الأنظمة الستالينيّة في أواخر الثّمانينيّات لم تشمل تلقائيا الأنظمة العربيّة المحسوبة على الستالينيّة. فبدتْ أنظمة بالغة الصّلابة بالمقارنة مع الأنظمة المماثلة في العالم. إلاّ أنّ هذه النّقطة بالذّات هي الّتي ستقوّض المشروعيّة الوطنيّة لهذه الأنظمة العربية شبه الستالينية حيث ستعتمد الأخيرة تدريجيّا على الجانب الأمنيّ والامتيازيّ ليصبح الاستقلالُ النّسبيّ لقرارها عن الخارج محض مرادف لتغوّل أوتوقراطيّة القرار وفرديته. وهو ما مثَّلَ انتكاسة لكلِّ طموح محلي للحصول على مستوى ما من مستويات السيّادة الشّعبيّة. لم يكن مفاجئا إذا أن يؤول الوضع إلى نوع من الشّعور بالغربة لدى شرائح واسعة من الشّعوب الّتي تحكمها هذه الأنظمة، أي إلى فقدان أيّ مستوى من مستويات التّضامن الوطنيّ مع الأنظمة الّتي تحكمها أيّا تكون مواقفها وأيديولوجيّاتها السّياسيّة. مع ذلك، فهذا لم يعنِ أنّ هذه الأنظمة قد تحوّلت تماما إلى أنظمة طائفيّة أو قبليّة أو عرقية حتّى وإن وَظَّـَّـفتْ هذه الانتماءات أمنيّا. فاستقراء الأحداث في العراق وليبيا والجزائر وحاليّا في سوريا يدلّ على أنّ المرتكزات الأيديولوجيّة لهذه الأنظمة ظلّتْ، بمعنى ما، تتجاوز في مستوى التّماهي معها الانتماءات الجزئيّة وأنّ شرائح لا يستهان بها من الشّعوب المعنية، بما في ذلك فئات من ضحايا التّغوّل الأمنيّ، لم تفتأ بشكل أو بآخر تحتفظ بنوع من الولاء لهذه الأنظمة كمشاريع دول قويّة.
لا يبدو أنّ نموذج الدّول العربيّة شبه الستالينية قد أُخْضِع بَعْدُ لتحليل كافٍ بما هو نمط خاصّ يجمع بين النموذجين اليعاقبيّ والستالينيّ وبين توظيف البنى التّقليديّة والطموح إلى خلق اقتصاد صناعيّ وشبه صناعيّ. فالمطابقة في هته الدّول بين قوّة الدّولة وقوّة النّظام بل والمطابقة بين قوّة النّظام وقوّة الحاكم، والتّوظيف الأمنيّ للانتماءات التّقليديّة آلت إلى أن تكون الانتماءات التّقليديّة لشخص الحاكم نفسه ـ انتماؤه الطّائفيّ أو القبليّ أو الجهويّ أو العرقيّ ـ أحد مرتكزات معادلة القوى السّلطويّة دون أن يعني ذلك طبعا أنّ هذه المعادلة يمكن أن تُختزل في هذا العامل. إلاّ أنّ التّرهّل التّدريجيّ لدولة المؤسّسات في صالح دولة الأفراد بل دولة الفرد قد مَنحَ شيئا فشيئا الانتماءات التّقليديّة مكانةً منافسة للمؤسّسات الدَّوْلَتِيَّة الحديثة إن لم تكن أصبحتْ بديلا عنها في بعض المستويات. وهو ما حوّل تدريجيّا سلطةَ الحزب ومؤسّساته أو سلطة الإيديولوجيا ومؤسّساتها إلى سلطة العائلة والقبيلة والطّائفة إلى آخره. وكما يحدث عادة فقد أنجبتْ هذه الأنظمة معارضاتٍ تشتركُ معها في البَنْيَنَة الذّهنيّة نفسها بما في ذلك ما يتعلق بتوظّيف الانتماءات التّقليديّة القبَليّة والطّائفيّة والعرقيّة والجهويّة في مواجهة النّظام الحاكم، ممّا حوّل شيئا فشيئا هذه الأُطُر إلى نوع من البُنى المُطْلَقِيَّة الّتي يتعامل انسجاما مع أسسها صراحة أو ضمنا النّظام ومعارضتُه التقليدية.
وبقدر ما أنجبتْ هذه البِنية التّركيبيّة أنظمةً بالغة الشَّخْصَنَة فإنّها أنجبت أنظمة بوليسيّة عسيرة على المقاومة بالعمل السّياسيّ المدنيّ بما الأخير كذلك. بل إنّه لم يحدث أن تمّ إسقاط أيّ من الأنظمة العربية شبه الستالينيّة دون عاملين: أحدهما التّدخّل الأجنبيّ وثانيهما تدمير بُنى الدّولة. بمعنى آخر فإنّ هذه الأنظمة تماهتْ مع دولها حتّى أصبحت الدّولة الستالينيّة العربيّة مطابقة من جهة للنّظام الذي يحكمُها ومن جهة ثانية للحاكم الذي يصدر عن ـ أو يصدر عنْه ـ هذا النظام. فكاد يصبح مستحيلا إسقاط النّظام دون تدمير الدّولة أو هذا على الأقلّ ما حدث في العراق وفي ليبيا وبمستوى ما في الجزائر وهو ما يحدث الآن في سوريا. غير أن إسقاط الدّولة يعني بداهة تدخّل القوى العالميّة الّتي لها مصلحة ليس فقط في إسقاط النّظام وإنّما كذلك في تقويض بُنى الدّولة وهو ما يجعل قوى التّغيير في داخل هذه الدّول في مواجهة محنة سياسيّة وأخلاقيّة مغلقة المنافذ. ذلك أنّها في مواجهة أنظمتها تجد نفسها غير قادرة على فصل الدّولة عن النّظام وبالتّالي غير قادرة على مقاومة النّظام والدّفاع عن الدّولة تزامنيا. وتجد نفسها بشكل خاصّ أمام خيار التّدخّل "الغربيّ" المباشر أو غير المباشر أو الإصرار على الدفاع عن دولة تماهت بمستوى كبير مع الحاكم ونظامه. وفضلا عن ذلك فإنّ قوى التّغيير الثورية العضويّة تجد نفسها مضطرّة إلى التّعامل مع معارضات تقليديّة هلامية تشترك مع النّظام في المنطلقات نفسها وفي الآليات المستنفرَة وفي نمط توظيف الانتماءات الجزئية. فالّذين يتمتّعون بحدّ أدنى من التّجربة داخل مؤسّسات الدّولة هم بطبيعة الأنظمة الأوتوقراطيّة مَن كانوا في مرحلة مِن المراحل جزءً من النّظام فتخلّى عنهم أو تخلوا عنه أو هما معا لأسباب لا تتعلّق غالبا بتناقض مبدئيّ أو مصلحي جذري وإنّما باصطدام منفعي عرضيّ. وحين تكون المعارضة التقليدية تحمل نفس القدرة على توظيف الانتماءات التّقليديّة القبَليّة والطّائفيّة والعرقيّة والجهويّة وتشترك مع النّظام في المنطلقات نفسها مثل الاستسهال الأخلاقي لاستخدام العنف والرّغبة في الاستفراد بالعلاقات الأجنبيّة أي بخوصصة السّيادة فإنّ أيّ مواجهة مع السّلطة تؤول غالبا إلى مواجهة مسلّحة حيث تمتنع طرق المواجهة السّلميّة وتؤول المواجهة المسلّحة نفسها إلى شكل من أشكال الحرب الأهليّة بين الانتماءات الجزئية التقليدية الّتي يوظّفُها كلّ من الطّرفين. كما تؤول في مستوى ثالث إلى صراع بين قوى أجنبيّة كلّ منها يستتبع أحد الطّرفين.
هل هنالك إمكانيّة تصوّر سيناريو مغاير خصوصا في مثل الحالة السّوريّة الراهنة، أي سيناريو يُمَكِّن من تغيير النّظام دون تدمير الدّولة ويمكّن باسم الشّرعيّة الشّعبيّة المستقلة عن كل انتماء جزئي من محاصرة الحاكم الأتوقراطي المتغول ويمكّن من التّضامن الوطنيّ في مواجهة التّدخّل الأجنبيّ ويمكن بشكل خاص من تقليص الثمن الإنساني الباهظ لما يجري راهنيا؟
الإكراهات السّياسيّة الدّاخليّة والدّوليّة تبدي مثل هذا السّؤال "ساذجا" ولا يتحلّى بالحدّ الأدنى من مستويات "الواقعيّة". ومع ذلك فإنّ عدم القبول بمثل هذه المساءلة وعدم محاولة إيجاد إجابات بديلة يعنيان بداهةً أن تكون الاختيارات في مثل هذه الدّول هي فقط بين تأبيد الأنظمة الأوتوقراطيّة المتغوّلة أمنيّا والمدمِّرة حتّى لبنيتها ومشاريعها الذّاتيّة وبين تدمير الدّولة وتفتيتها بما يعنيه هدا التفتيت من عودة مرعبة للأطر الما قبل دّولتيّة ومن حرب دموية أهليّة كارثية محلّيّا وإقليميّا ومن هيمنة أجنبيّة تؤول إلى أَفْغَنَةِ المنطقة أو طلْبنتِها.