الخطابات "الاستجدائية".. / الحاج ولد المصطفي

الخطاب الإنتخابي للحملات معطي سياسي في الممارسة الديمقراطية ، تنبع مصداقيته من قدرته علي تشخيص الواقع  وتقديم الحول المناسبة ، وقد يفقد الخطاب السياسي معناه وهدفه إذا حلق بعيدا في الخيال أو تبني أسلوب الدعاية والتزييف.

 و تنبع قوة الخطاب السياسي الموجه من عدة نقاط نوجزها فيما يلي:

ثقافة المتحدث: التي تعكس معارفه وقدراته السياسية. الوعي السياسي:  الذي يخول المتحدث شرح برنامجه بوضوح  الشفافية والواقعية : التي تقتضي عدم المغالطة والصدق في القول الثقة بين المتحدث والجمهور: التي يتطلب بناؤها معرفة سابقة بالمتحدث

 

إن المتتبع للحملة الإنتخابية الجارية يدرك مدي الإحباط الذي يشعر به المتلقي من جراء الإستماع لخطابات السياسيين ووعودهم وتعبيراتهم . فماهي أهم مميزات الخطاب السياسي للمتنافسين ؟ وماهي أبرز الفوارق في خطابات الحملة؟ وهل تستجيب لمعايير الخطاب الإنتخابي في الديمقراطية الحديثة؟

 

سنعتمد في قراءة خطابات الحملة الإنتخابية البلدية والبرلمانية الجارية علي التصنيف السياسي للأحزاب المترشحة قبل الحملة :

 

أحزاب الموالاة (حزب الإتحاد ، والأحزاب الداعمة لبرنامج الرئيس) أحزاب المعارضة المحاورة(أحزاب المعاهدة) حزب تواصل (المنضوي سابقا تحت لواء منسقية المعارضة الديمقراطية المقاطعة للإنتخابات)

 

أولا: مقومات مشتركة:

تتقاطع جميع خطابات الأحزاب المشاركة في انتخابات 23 نوفمبر في نقاط أهمها:

الدعوة للمشاركة :انطلاقا من الواجب الوطني الذي يملي علي الجميع ضرورة المشاركة في هذه الإنتخابات علي علاتها لأن ذلك هو التحدي الأبرز الذي تواجهه جميع الحملات نتيجة التراخي الملحوظ وعدم الرغبة والإحباط الذي يصيب المواطن من الإنتخابات ومخرجاتها ونتيجة تأثير حملة المقاطعين ودعواتهم المكثفة وحججهم القوية .

 

الدعاية والترويج:

وهو أسلوب بارز في جميع الحملات ويوظف مجموعة من الوسائل المعروفة( الأناشيد ، والشعارات والصور المكبرة للمرشحين والخيام المؤثثة في الساحات وعلي مفترق الطرق ) ولكنها أصبحت ضعيفة التأثير ومحدودة الفائدة خاصة مع تطابقها في المظاهر والأهداف والأساليب .

البرامج الإنتخابية:

 

هي أوراق ونشرات توزعها إدارة الحملات تكاد لا تميز الفرق بينها إلا إذا قرأت شعار الحملة التي تصدر عنها فهي تتشابه في المحتوي من حيث أنها تزعم كلها حل مشاكل هذه البلدية  أو تلك من خلال (توفير المياه الكهرباء، شق الطرق، بناء المدارس ، وتجهيز المستشفيات ، وتوفير جميع الإحتياجات الضرورية للمواطنين في كافة المجالات ...إلخ)

 

وعلي مستوي البرلمان تجمع برامج المترشحين علي (الدفاع عن حقوق المواطنين ، ومساندة المظلومين ،والدفع بمشاريع قوانين تخدم المواطنين) وإن كنت تختلف في بعض التفاصيل الأخري  بين مؤيد ومعارض.

 

ثانيا : خصوصيات الخطاب

أحزاب الموالاة:

تتنافس أحزب المولاة تنافسا شديدا ولافتا حول شخص رئيس الدولة وتدعي كلها القرب منه وتروج لتلك العلاقة "الخاصة" به وتستخدم لذلك تصريحات تدعي أنه أدلي بها مفادها أنه يراهن عليهم ويدعمهم ويقف وراءهم .وووووو....

 

ومن أبرز المتنافسين علي الرئيس أحزاب ( الإتحاد والحراك الشبابي ، والكرامة والتنمية ..) وقد وصل  الأمر بحزب الحراك إلي توجيه انتقادات لاذعة  لبعض الوزراء والشخصيات في حزب الإتحاد لأنهم صرحوا بأن الرئيس يساند حزب الإتحاد وحده (وزير الدفاع ورئيس حزب الرئيس...) وقد أصبح رفع صور ولد عبد العزيز مظهرا بارزا للصراع بين أحزاب المولاة وقد نسب مؤخرا لولد عبد العزيز قوله (إن كل من ترشح  من الموالين خارج حزب الإتحاد سوف يندم..) ونسب إليه في ذات الوقت أنه قال ( إن حزب الكرامة – في رواية – وحزب التنمية – في رواية-  وحزب الحراك - في رواية ثالثة-  يعول عليه الرئيس وينتظر منه فوزا كبيرا .... وكل رواية متواترة عند الحزب الذي يروجها ..) .

 

خطاب هذه الأحزاب يرتكز علي الإستقواء بالرئيس ودعمه وشعبيته وهو رهان يعبر عن عجز في الخطاب السياسي  لحملة تلك الأحزاب وافتقار لأبسط مقومات الخطاب الديمقراطي واحتقار  للمواطن واعتباره تابعا للرئيس وخاضعا لإرادته واختياره وقد استمعت لأحدهم يقول في تجمع انتخابي منقول عبر التلفزيون (إن اختيارنا لهؤلاء المرشحين نابع من الثقة التي وضعها فيهم رئيس الجمهورية..!).

 

لا يشذ عن قاعدة الولاء للرئيس من الموالين إلا حزب واحد هو حزب الفضيلة الذي يبتعد قليلا ليعطي لنفسه فرصة توظيف رموز أقوي في حملته وهي رموز الدين الإسلامي الحنيف من خلال حملة (صوتوا للعلماء ).

 

ورثة الأنبياء إذا يدخلون قاموس الخطاب الإنتخابي من باب حزب الفضيلة ومرشحيه من علماء "السلطة" الذين يبدوا أنهم تكفلوا باجتذاب بعض أنصار الحركة الإسلامية أو علي الأقل منافسة التواصليين .

 

أحزاب المعارضة المحاورة:

يتركز خطاب أحزاب المعاهدة حول إنجازها الكبير(المزعوم طبعا) المتمثل في تجنيب البلاد ثورات الربيع العربي واضطراباته من خلال مشاركتها في الحوار مع السلطة وهو الحوار الذي أفضي - في نظرهم-  إلي هذه الإنتخابات ولولي ذلك الحوار يقول أحدهم للمواطنين (لما كنا هنا الليلة) .

 

مع هذه الإشادة يبرز في خطاب أحزاب المعاهدة امتعاض كبير وتذمر واضح وانتقادات متواصلة للجنة الإنتخابية وحملة الضباط  وتصويت الجيش واستخدام الوزراء لنفوذهم والترهيب والترغيب الذي تباشره السلطات وكلها أمور جعلت خطاب تلك الأحزاب متناقضا وغير متجانس فهم من جهة أنجزوا حوارا فتح الباب لهذه الإنتخابات وأخرج البلاد من أزمة كبيرة وهم من جهة يهددون بالإنسحاب ويصفون الإنتخابات بغير النزيهة ويعتبرون شروط الشفافية والنزاهة لم تتحقق بعد ..إنهم يقفون علي أرض غير مستوية  ، نتيجة حرصهم علي الإبتعاد من موقف من منسقية المعارضة المقاطع للإنتخابات والرافض لأجندتها الأحادية  من جهة والنظام الذي يبحث عن نجاح ساحق في الإنتخابات ويحرص علي شعرة معاوية مع الأطراف المشاركة من جهة أخري .

 

حزب تواصل:  يقول الحزب  إنه دخل الإنتخابات "مكره أخاك لا بطل" لذلك يواجه تحديات حقيقية علي مستوي الخطاب :

 

 خطاب الحزب الرافض لهذه الإنتخابات لايزال  مسطورا علي ورقه وضمن أجندة خطابه المتداول والمعروف والتأويل الذي جاء به الحزب لايكفي لإقناع الكثيرين.

 

غموض استيراتيجية الحزب القادمة يربك خطاب مرشحيه فهو يرفع شعار (رهان التغيير ) ويجمد عضويته في منسقية المعارضة المقاطعة للإنتخابات وينسق بعض ترشحاته مع أحزاب المعاهدة ويطمح لمنصب زعيم المعارضة وللكتلة البرلمانية المعارضة الأكبر ، وفي نفس الوقت يعد بالمشاركة الفاعلة في رفع التحدي وإسقاط نظام العسكر وكلها معطيات تجعل الخطاب غير منسجم ويعتمد علي التأويل والتأرجح بين مسارين أصبحا أكثر تباعا وتباينا  وقد يفرقان  : فإما مهادنة ومشاركة ..........  وإما معارضة ومقاطعة ......!

 

إن خطابات الحملة الإنتخابية وإن كانت  تبدوا في ظاهرها متباينة ومختلفة إلا أنها في جوهرها متحدة وقائمة علي استجداء عاطفة المواطن واستدراجه بكل الطرق للتصويت لمرشحي ذلك الحزب بعيدا عن أساليب الخطاب الواعي والهادف والمنسجم مع خيارات واضحة وأطروحات متميزة ومحددة ووفق معايير استيراتيجية سياسية ثابتة في توجهات ذلك الحزب  .

16. نوفمبر 2013 - 14:58

أحدث المقالات

كتاب موريتانيا