عام 1996 شاركت المعارضة - المنسقية حاليا- ولأول مرة في انتخابات برلمانية وبلدية تحت وصاية وزارة الداخلية، ودون أي ضمانات من أي نوع، وفي غياب شبه كلي لإدارة مدنية، وانحياز واضح من الإدارة الإقليمية وجميع أجهزة الدولة لصالح الحزب الحاكم أنذاك..
كانت النتائج هزيلة، هزال المسلسل الديمقراطي برمته، لكن الجميع رضي بالنتيجة، بمن فيه المقاطعون اليوم..
خلال تلك الحملة وما سبقها من حملات رئاسية وبرلمانية أعوام 1992، 1997، 2001، 2006 ، 2007 - والشيئ بالشي يذكر- لم تجر في موريتانيا منذ استقلالها وإلى اليوم انتخابات تحت وصاية اللجنة المستقلة للانتخابات، والتحسين الوحيد الذي طرأ خلال هذه المسيرة كان في استحداث لجنة مستقلة بعد الإطاحة بالرئيس السابق معاوية ولد الطائع، وكان دورها في انتخابات 2006- 2007 دورا رقابيا ليس إلا، أما اليوم فإن اللجنة تمسك بمفاصل اللعبة بدءا من إيداع الملفات مرورا بالإشراف على الحملة وانتهاء بالتصويت وإعلان النتائج.. إلخ
كثيرون وصفوا الحملة الانتخابية الحالية بانها "باهتة"، وبعضهم حاول تبرير ذلك بمقاطعة بعض أحزاب المنسقية، ودون أن نقلل من أهمية مقاطعة حزبين عريقين كـ"التكتل" و"اتحاد قوى التقدم" إلا أننا في المقابل يجب أن نعترف أنها أول انتخابات تجري في موريتانيا بين هذا الكم غير المسبوق من المترشحين، وهذا ينفي فرضية عزوف الناخبين عن العملية.
كما أنها- وهذا هو الأهم- أول استحقاقات تنظم بعد سلسلة الإصلاحات التي أدت إلى مصادرة سيارات الدولة غير الضرورية، ووضع حد للنهب المنظم للمال العام، واستقلالية الحزب الحاكم ماليا وإداريا عن الدولة.. إلخ
كل هذه العوامل وغيرها ساهمت في الحد من التمظهرات الكرنفالية المصاحبة للحملات عادة والتي ينفق عليها بسخاء من المال العمومي..
ولم تعد الحكومة كما كانت تجبر الموظفين على المشاركة بقوة في الحملة لصالح مرشحي الحزب، وتمنحهم بالمقابل حرية التصرف في الأموال العمومية بحجة دعم الحزب.
وهكذا غابت سيارات الدولة العابرة للصحراء عن شوارع العاصمة ومدن البلاد، ومعها غابت مظاهر كانت مألوفة في مثل هذه المناسبات..
ولعل الكثيرين من سكان نواكشوط مازالوا يحتفظون بصورة أحد المرشحين في نيابيات 1996 وهو يدور بسيارته الفارهة كل صباح- برفقة أحد الصحفيين المقيمين حاليا في المهجر- على مقرات الصحف ومنازل الفنانين ووجهاء الأحياء الشعبية، يقدم "الهبات" و"العطايا" ويوزع ابتساماته العريضة على السابلة..
وحين انتهت الحملة الانتخابية و"فاز" بالمقعد النيابي، حمل الفاتورة بيديه إلى رئيس الجمهورية ولد الطائع أنذاك، وفي اليوم الموالي منحته الحكومة عقودا تجارية ضخمة عوضته "خسارته" المالية أضعافا مضاعفة.
تلك كانت هي حال الحملات الانتخابية، ينفق الجميع فيها مال الشعب دون رقيب أو حسيب، أما اليوم فإن كل المرشحين والأحزاب السياسية من ورائهم اضطروا لتمويل حملاتهم من مالهم الخاص، ولعل هذا ما يفسر وصف الحملة بأنها "باهتة"..