هناك لحظات تاريخية لا يمكن تجاوز تجاذباتها الهابطة، والاستعلاء عليها بدون هبة وطنية عامة تعبأ فيها كل طاقات الأمة ويستنهض فيها الوعي الجمعي لمواجهة التحديات، وبلادنا اليوم على الصعيد الاجتماعي تمر بلحظة تشنج استثنائية من هذه اللحظات مما يستدعي ابتكار حلول غير تقليدية تستجيب لحاجات الوقت ومتطلباته، وتؤسس لنظام اجتماعي قوي يمول ذاته، ويكمل مجهود الدولة، ويجسد معاني الأخوة، والروح الوطنية الجامعة، ويجعل الحاضنة الاجتماعية مؤهلة لأداء وظائفها الإيجابية في التنمية والتضامن والتكافل والتكامل سبيلا إلى تحقيق النهضة المنشودة إسنادا لدور الدولة، وتقبلا له، واستجابة لمقتضياته، وانتظاما في نسقه، وسيرا في سياقاته، وفي هذا الصدد، قد يكون من المفيد:
1- بعث وإحياء "نظام الوقف" لجذب التمويلات الخاصة للإسهام في تحقيق ردم الهوة بين الفقراء والأغنياء وذلك بتفعيل ودعم إقامة نظام وقفي على أساس رؤية جديدة تجعل لكل مال خاص إسهاما ومشاركة طوعية دائمة لاستدراك أخطاء الماضي وتحقيق تطلعات المستقبل للجميع، ولا بد لإنجاز "هبة وطنية" في هذا الاتجاه من توجيه رسمي ونخبوي جامع لأن الله )قد يزع بالسلطان ما لا يزع بالقرآن(، ولابد لإقامة وحسن تسيير ذلك النظام الوقفي من أيد تتسم بـ "الكفاءة" والأمانة وامتلاك الرؤية.
2- بعث نظام الزكاة في شكل مؤسسي فاعل تمكن الاستفادة فيه من عدة تجارب عربية وإسلامية ناجحة في تحويل نظامي الوقف والزكاة إلى شكل مؤسسي عصري يشكل رافعة تنموية ومنهجا لإعادة توزيع الثروة ووسيلة من وسائل إعلاء آصرة الأخوة والتضامن والمحبة في الحقل الاجتماعي.
3- توجيه رسمي وعلمي لرجال الأعمال لإقامة منظمة، أو منظمات خيرية فاعلة بشكل استثنائي "وآتوهم من مال الله الذي آتاكم"، "وأنفقوا من ما جعلكم مستخلفين فيه"، فنظام الأوقاف وثقافة العمل الخيري الطوعي صيغ لتوظيف رأس المال الوطني الخاص في تحقيق العدل والمساواة والتنمية الشاملة، وتحويله من صيغة كنز واستعلاء إلى أداة خدمة وإغناء.
4- تعميم التعليم الأهلي المكفول والمدعوم من طرف مؤسسات الزكاة والأوقاف ليؤازر ويسند التعليم النظامي في بناء بئة علمية راسخة والقضاء على الأمية.
5- إقامة مؤسسة ثقافية توجيهية ك "منبر للمشتركات الناظمة" لتربية الأمة على المشتركات وتوعيتها على عمقها وأهميتها.
6- إقامة منظمة أهلية مهمتها العمل على "التواشج" الاجتماعي ونشر ثقافة القيم الإسلامية الصحيحة فيما يخص التواشج الاجتماعي ومعايير الكفاءة الزوجية ،وتنظيم وتمويل حفلات زواج جماعي مزدوج قائم على الأسس الإسلامية الصحيحة عن طريق التوجيه والإقناع وتفعيل الحقائق الشرعية التي أماتتها العادات والأعراف الفاسدة.
وبالنظر إلى أن العديد من الأسر الموريتانية تفتقد "الأهلية"، و"الإمكانية" للإشراف على تربية النشء تربية سوية، وبما أن التربية والتعليم هما مفتاح الإصلاح، فإن من المهم إقامة نظام شامل لرياض الأطفال يستوعب على الأقل كافة الأطفال المنحدرين من عوائل تفتقد الأهلية، والإمكانية، وتعميم الكفالات المدرسية على مستوى التعليم الأساسي، والعودة إلى نظام السكن الداخلي بالنسبة لكافة منتسبي العينة السابقة، فنظام الكفالة وتوفير الكفاية والرعاية التربوية أمور لا بد منها بصورة استثنائية لكل الأطفال المنحدرين من العائلات القاصرة على مستوى مختلف مراحل التعليم، على الأقل من الروضة إلى الجامعة، وكذلك الأمر على مستوى التعليم الأصلي، فأي تعليم لا تصحبه كفالة وكفاية ورعاية ستكون نتائجه محدودة مما سيكرس الواقع الحالي ويمنحه عمرا أطول.
وبشيء من التنظيم والتخطيط وتوظيف كافة الطاقات العامة والخاصة يمكن الوصول إلى هذا الهدف المركزي الهام، فهذه مبادئ عامة، وروح سياسة، ورؤية يمكن استثمارها، والسير في ضوئها بصيغ تفصيلية تستجيب لكل حاجة.
إعداد الأستاذ: أبوبكر أحمد المختار