قبل ثلاثة أيام قرأت تحقيق نشرته صحيفة الإخبار الالكترونية نقلا عن أسبوعيتها المطبوعة، ورد في هذا التحقيق معلومات جد خطيرة تبين توزيع الجيش الموريتاني وعدد الناخبين فيه وعزى موقع الأخبار هذه المعلومات إلى موقع اللجنة الوطنية للانتخابات.
خطأ كبير وقعت فيه اللجنة الوطنية للانتخابات عندما نشرت هذه المعلومات الحساسة عن الجيش، فكيف تقدم هذا الكم الهائل من الإحصائيات ونقاط تواجد الجيش على طبق من ذهب إلى الأعداء والأصدقاء معا، في هذا النوع من المجالات ليست هناك شفافية ولا ديمقراطية فما حدث هو مجرد لعب بالنار.
إن دولة كموريتانيا هي في حالة دفاع دائم عن نفسها بإمكانياتها المتواضع ومساحتها الفسيحة الوعرة الصعبة التضاريس، وأكثر من نصف حدودها هو في مواجهة مع الجماعات المسلحة والتهريب... والتي لا شك أنها ستتخذ من هذه المعلومات كنزا ثمينا لتبني عليه خططها واستراتيجياتها والكل منشغل في الانتخابات مقاطعا أو مشاركا، ليست المرة الأولى التي تستغل فيها الجماعات التي هاجمتنا من قبل أخطائنا الفادحة في ظروف معينة .
هل قيمة "المشاركة أو المقاطعة" هي أكبر من الجيش الوطني الذي هو ملك للجميع؟ بالنسبة للمشاركين تبين هذا عندما تم عرض كل التفاصيل عن الجيش من طرف اللجنة ليطمئنوا على شفافية العملية الانتخابية في الجيش، أما بالنسبة للمقاطعين تبين عندما لم يحركوا ساكنا عندما تمت تعرية معلومات حساسة عن ركيزة الأمن الأولى في البلاد والأمر يعنيهم ويمسهم سواء شاركوا أو قاطعوا.
إن سؤال كيف ستشارك القوات المسلحة في العملية الانتخابية؟ مع الحفاظ على سرية وحساسية المعلومات وضمان شفافية تلك العملية وعرضها على العموم، هو بمثابة المستحيل كما يقول المثل الحساني "كلوة وفرسن ما يخلط" الحل الوحيد لهذه المشكلة هو عدم تصويت الجيش نهائيا وتفرغه لمهامه التي هي أسمى، أفراد الجيش كمواطنين لهم الحق في التصويت لكن مهمتهم تجعلهم أكبر من كونهم مواطنين عاديين.
وإذا كانت الضريبة التي سيدفعها مقابل تصويته هي أغلى ما يملك أي بنك المعلومات الذي أصبح متوفرا للقاصي والداني فمن الأحسن أو بالأحرى أن لا يصوت كما هو الحال في كثير من الدول ويحتفظ بسريته التامة ويبقى للانتخابات شفافيتها التي هي شرط أساسي في نجاحها.
أي مدني في العالم أصبحت معلوماته التالية في متناول الجميع بكل التأكيد فهو ليس في أمان أحرى أن يكون عسكريا " الجنس، والعمر، ومحل الميلاد، فضلا عن أماكن الانتشار، ونوعية الوجود في كل ولاية، وعدد الوحدات العسكرية في كل منطقة، وكل ذلك بعملية بحث بسيطة لا تتطلب سوى دقائق" منقول من صحيفة الأخبار الالكترونية بل وأورد الموقع إحصائيات وأرقام دقيقة ومحددة.
حقيقة لا يمكن تبرير تداول هذا النوع من المعلومات فهي ليست للنشر ولا للعموم لكن عندنا في زمن الحملات الانتخابية يمكن للقاتل أن يرقص بسكينه دون أن يثير انتباه أحد لكن اللجنة المستقلة للانتخابات تتحمل المسؤولية كاملة في ما قد ينتج عن نشر هذه المعلومات فقد عرضت كل أفراد الجيش وعائلاتهم وحتى من يعولون على حمايتهم للخطر.
أتمنى أن تكون هذه هي آخر زلة نقع فيها من هذا النوع وأن يتم اتخاذ قرار بعدم مشاركة الجيش في الانتخابات حتى يتفرغ لمهمته ويحافظ على سريته، لكن هذا لا يعني أن كل المعلومات عن الجيش لا يمكن إعلانها أو نشرها إلى العموم بل يمكن نشر كل المخالفات داخل القوى الأمنية من عمليات اختلاس ونهب وظلم هذا ما نحتاج أن نعرف عنه وتعتمد فيه الشفافية أما أن يتم حجب ما هو مهم بالنسبة للرأي العام وينشر ما هو خطر على الأمن القومي فهذه زلة لا تغتفر.
بقلم محمد عبد الرحمن الشيخ أحمدو طالب صحفي بالمعهد العالي للإعلام والاتصال بالرباط