الانتخابات الجارية: تمرين عبثي في السياسة أم منافسة جادة؟! / اعل ولد البكاي

اعل ولد بكايالمتتبع البسيط لمجريات الحملة الانتخابية الممهدة لاقتراع 23 نوفمبر يلاحظ فتورا غير مفهوم للدعاية التي كثيرا ما تكون ساخنة ترافقا مع الزخم الانتخابي في مجتمع لا يحسن فن التناوب، ولا يتقن أدبيات السجال، ولا يؤمن بتعدد الآراء؛ أحرى أن يتقبل تناقضها في بعض الأحيان؛ خاصة إذا تعلق الأمر بانتخابات حساسة سترسم؛ إن تمت؛ ملامح مشهد سياسي  مضطرب وغامض المعالم.

هذا فضلا عن غياب مهرجانات التحسيس والتعبئة التي  تملأ حياة الساسة وتمكنهم من استعراض فتوحاتهم المزعومة في شتى مناحي الحياة لدغدغة العواطف وتخدير العقول.

يرجع الكثيرون أسباب الفتور الملاحظ بهذه الحملة إلى القناعة التامة لشركائها الأساسين بأن العودة  إلى مربع البداية أو نقطة الانطلاق قد تكون ممكنة في أية لحظة؛ وبتالي يجب حساب المسافة بدقة وحذر خاصة مع وجود سوابق مماثلة عرفتها البلاد في مناسبات سياسية عديدة.

والثابت المتفق عليه بين الجميع أن هذه الانتخابات ليست هي الانتخابات التي ستجعل طريق النظام مفروشا بالورود والياسمين إلى الانتخابات الرئاسية التي هي مربط الفرس؛ وبتالي فإن الانتخابات الحالية تظل في أحسن حالاتها مجرد "تمرين سياسي وتكتيك ظرفي للمقايضة على طاولة التفاوض مستقبلا".

إن الانتخابات الجارية هي بضاعة الأنظمة البائدة التي لا يشبع نهمها سوى أن تأتي على المائدة كاملة؛ فيصبح الجميع بياديق في لعبة شطرنج تخضع لمزاج صاحب السيادة.

القادمون الجدد (إن كتبت لهم محطة الوصول) لن يخرجوا عن سنة أسلافهم في البرلمانات السابقة التي تغرق في النوم حتى السبات العميق؛ فتصنع القرارات الكبرى وهي تغط في نومها ولا تستيقظ إلا عند التصفيق فتتماهى معه إلى حد الرقص!! وعلى المتنافسين أن يفهموا أن النظام إن لم يكن على علم مسبق بأنه سيربح المعركة عن طريق حزبه أو توابعه الكثيرة؛ فلن يكون هناك اقتراع أصلا؛ لأنه بمنطق الحساب البسيط ما هدف النظام من خوض انتخابات أحادية ولا تحظى برضا شركائه الدوليين إن كان سيخسرها في النهاية وهو تحت المراقبة المجهرية لخصومه الكثر؟؟

أم أن النظام دخل الانتخابات لوحده منفردا دون خصومه التقليديين كي يسلمها هدية مجانية لشركائه الجدد؟

لماذا يجاهر المقربون من النظام باستخدام وسائل الدولة  التي هي ملك للجميع ويستعرضونها في حركاتهم البهلوانية  في أماكن عديدة من البلاد؟

أليست هذه التصرفات مدعاة للاستفزاز، وحركة مريبة في وقت ينافس فيه النظام شركاء يحسبهم أشداء ويحسنون استغلال الفرص ويجيدون فنون المعارك؟

ما السر في إقرار اللجنة الوطنية المستقلة للانتخابات جهارا على رؤوس الأشهاد عن عجزها  التام في مواجهة سيل الشكاوى الواردة إليها من استغلال بعض المقربين من الحكومة لوسائل الدولة؟

ألم ترتكب اللجنة الوطنية المستقلة للانتخابات ذاتها أخطاء تقنية قاتلة بدء بجهة طباعة البطاقة الانتخابية التي هي مثار جدل، مرورا بصغر الشعارات المميزة للأحزاب المتنافسة في خانة البطاقة، وانتهاء بتداخل الشعارات الخاصة بالمتنافسين؟! ولم يسلم من هذه الأخطاء مجتمعة إلا حزب الاتحاد من أجل الجمهورية؛ فهو إما أن يتصدر البطاقة أو ينتهي بها، ولعل ذالك يكون علامته الفاصلة عند الناخبين الأميين!!

وهل من علامات الشفافية وتكافؤ الفرص أن وزراء في الحكومة يتجولون بين المدن؛ فيغرقون الناخب البريء بالوعود العرقوبية ويهددونه بأمر من الرئيس أن النزال حقيقي وأن رزقه وعيشه؛ بل أكسجين تنفسه مربوط  اتوماتكيا بالتصويت  للحزب الحاكم دون غيره!! ألم تكن هذه مبررات كافية للمقاطعين للتدليل على صواب رأيهم ومتانة حجتهم ورجاحة خيارهم؟

يظن كثير من شركاء هذه الانتخابات أن الفرصة أصبحت سانحة للانقضاض على المقاعد الفارغة للشركاء الغائبين؛ ناسين أو متناسين أن تلك المقاعد أوجدتها ظروف سياسية وانتخابية مختلفة عن تلك التي نشاهدها اليوم، وأن المعارضة التقليدية في تلك الفترة زجت بأسماء كبيرة ووزانه تملك صدى وتأثيرا سياسيا قد لا يتوفر لغيرها، ومع ذالك حولت سلطة الأنظمة مع مرور الوقت أرباحها  في السباق الانتخابي إلى خسائر عندما تم شراء نوابها في مزاد علني بمال وافر من خزينة الشعب الفقير..!!

إننا نحن بسطاء هذا الشعب المقهور لا نأمل خيرا في مؤسساتنا الدستورية؛ فهي المسئولة دائما عن كل مآسينا؛ وبالتالي قد لا يهمنا إن ولد برلمان جديد أم ظل سلفه يمسك بمقاليد التشريع.. أليس البرلمان هو حامي الشرعية الدستورية في العالم، وعندنا هو المنقلب عليها؟

أهناك ظروف أكثر ديمقراطية وشفافية وتوافقا وانسجاما بين مختلف فرقاء اللعبة  كتلك التي أنتجت البرلمان الحالي، ومع ذالك انقلب على الديمقراطية التي أنتجته ومدد لنفسه ردحا طويلا من الزمن، لكنه؛ رغم ذلك؛ شكل تنوعا ديمقراطيا أضفى مزيدا من الشرعية على بلد يتوفر على الكثير من الحرية إلى درجة الفوضى والقليل من الديمقراطية إلى درجة الأحادية!

إن البرلمان القادم إن تمت ولادته لن يتجاوز في عمره الافتراضي بضع ساعات؛ لأنه يحمل بذور فنائه بالمطلق؛ فآلة النظام الإعلامية غير قادرة على تسويقه للمظلة الدولية الممثلة بالأوربيين، وفى الداخل لا يمكن احتضانه سياسيا لغياب طرف سياسي معتبر تم تهميشه عمدا من مفاصل اللعبة خاصة في زمن الربيع أو الحريق الذي بات يقض مضاجع دول وأنظمة كانت واحة في الأمن والاستقرار؛ فأصبحت بركانا ثائرا لا تصحو إلا على حرب ولاتنام إلا على مجاعة.. أعاذنا الله من كل سوء، وحفظ بلادنا من كل شر.  

18. نوفمبر 2013 - 9:54

أحدث المقالات

كتاب موريتانيا