يعتبر تشكيل حكومة جديدة فرصة مهمة لرسم وتطبيق استراتيجيات فعالة تعالج الاحتياجات الحيوية للبلد. فالتخطيط الاستراتيجي في هذا السياق يتجاوز كونه مجرد إجراء بيروقراطي، ليصبح نهجًا شاملًا يهدف إلى مواءمة المبادرات السياسية مع تطلعات المواطنين. يتناول هذا المقال المكونات الأساسية والمطلوبة للتخطيط الاستراتيجي للحكومة الجديدة، مع التركيز على أهمية إشراك أصحاب المصلحة، وصنع القرارات المبني على البيانات، وتحديد الأولويات، والحوكمة القابلة للتكيف.
إشراك أصحاب المصلحة
يُعد إشراك أصحاب المصلحة من العناصر الأساسية للتخطيط الاستراتيجي الفعّال. فينبغي على الحكومة الجديدة أن تضمن مشاركة نشطة لمجموعة متنوعة من الفئات، تشمل منظمات المجتمع المدني، والقطاع الخاص، والخبراء. ويمكن أن تأخذ هذه المشاركة أشكالاً متعددة مثل الاستشارات العامة، والاستطلاعات، والاجتماعات المجتمعية. ومن خلال دمج ملاحظات أصحاب المصلحة، يمكن للحكومة أن تضمن أن تعكس استراتيجياتها آراء واحتياجات المجتمع المتنوعة.
تشير تجربة مبادرات الموازنة التشاركية في عدة بلدان إلى كيف يمكن لإشراك المواطنين في اتخاذ القرارات المالية أن يعزز من الشفافية والمساءلة. لذا، ينبغي على الحكومة الجديدة أن تركز على إنشاء منصات للحوار المستمر مع أصحاب المصلحة لتعزيز الثقة والتعاون، وهما عنصران حاسمان لتحقيق الحوكمة الفعالة.
صنع القرار القائم على البيانات
في عصر يتميز بتوفر المعلومات، تصبح الاستفادة من البيانات بشكل فعّال ضرورة ملحة لصنع قرارات مستنيرة. و يجب على الحكومة الجديدة في هذا المجال تطوير أنظمة لجمع وتحليل واستخدام البيانات لتوجيه استراتيجياتها. يتضمن ذلك جمع البيانات الديموغرافية، والمؤشرات الاقتصادية، والمقاييس الاجتماعية التي تعكس احتياجات السكان وأولوياتهم.و سيساهم اتخاذ القرارات المبنية على البيانات في تحديد القضايا الملحة، وتخصيص الموارد بشكل فعّال، وقياس تأثير السياسات. فعلى سبيل المثال، قامت دولة مثل إستونيا بتوظيف تحليل البيانات لتحسين الخدمات العامة وتعزيز مشاركة المواطنين. فمن خلال الاستثمار في بنية تحتية قوية للبيانات وقدرات التحليل، يمكن للحكومة الجديدة تطوير استراتيجيات قائمة على الأدلة تستجيب للتغيرات المجتمعية.
تحديد أولويات الأهداف
يعتبر تحديد الأولويات بوضوح أمرًا أساسيًا لأي حكومة جديدة تسعى لتحقيق تأثير فعّال. فمع توافر موارد محدودة ، يصبح من الضروري تحديد الأهداف الرئيسية التي تتماشى مع رؤية الحكومة. تشمل هذه العملية تقييم الأهداف القصيرة والطويلة الأجل، مع مراعاة الجدوى والتأثير المتوقع.
يمكن ان توجه معايير مثل
SMART
(محددة، قابلة للقياس، قابلة للتحقيق، ذات صلة، ومحددة زمنياً) عملية تحديد الأولويات. فقد تركز الحكومة الجديدة على التعافي الاقتصادي، وتحسين الوصول إلى الرعاية الصحية، وإصلاح التعليم كأهداف فورية، مع وضع أسس التنمية المستدامة على المدى الطويل.
علاوة على ذلك، يجب أن يأخذ التخطيط الاستراتيجي في الاعتبار الترابط بين القطاعات المختلفة، حيث إن تحسين جودة التعليم لا يساهم فقط في تعزيز الفرص الفردية، بل يعزز أيضًا النمو الاقتصادي والاستقرار الاجتماعي. فمع اعتماد نهج شامل، ستكون الحكومة الجديدة قادرة على ضمان تماسك استراتيجياتها وتكاملها.
الحوكمة القابلة للتكيف
في عالم سريع التغير، تحتاج الحكومة الناجحة إلى تبني الحوكمة القابلة للتكيف، وهو نهج يسمح بالمرونة والاستجابة للتحديات الجديدة. يجب أن يتضمن التخطيط الاستراتيجي آليات للمراجعة المستمرة وتعديل السياسات بناءً على ردود الفعل الفورية والظروف المتغيرة.
يمكن تحقيق ذلك من خلال إنشاء مقاييس للأداء وتقييمات دورية، بالإضافة إلى قنوات اتصال مفتوحة مع أصحاب المصلحة. فالحكومات التي تظل مستجيبة لاحتياجات المواطنين وقادرة على التكيف مع المعلومات الجديدة تكون أكثر قدرة على مواجهة الأزمات واغتنام الفرص. على سبيل المثال، أظهرت استجابة نيوزيلندا لوباء كوفيد-19 أهمية القدرة على التكيف، حيث قامت الحكومة بتعديل استراتيجياتها بسرعة استجابة للبيانات الصحية وردود الفعل العامة.
في الختام ، يعد التخطيط الاستراتيجي ركيزة أساسية للحكم الفعّال للحكومة الجديدة. فمن خلال إعطاء الأولوية لإشراك أصحاب المصلحة، والاستفادة من صنع القرار القائم على البيانات، وتحديد أهداف واضحة، وتبني الحوكمة القابلة للتكيف، يمكن للحكومة الجديدة وضع أسس متينة للتنمية المستدامة. ومع مواجهة الحكومة للتحديات المعقدة، سيسهم تنفيذ هذه الاستراتيجيات في تعزيز شرعيتها وفعاليتها، وبناء الثقة والمرونة . وفي نهاية المطاف، سيمكن النهج الاستراتيجي الحكومة الجديدة من الوفاء بمسؤولياتها والاستجابة بفاعلية لتطلعات مواطنيها.
د. نعيم ولد لبات مختص في إدارة الموارد البشرية الإستيراتيجية