طالعت مقالا لأحد نشطاء الساحة التربوية الذين ألِفوا التدوين عن قضايا التعليم مؤخرا مشكورين.. ويبدو أن مطالعتي للمقال حصلت بعد يوم تام من نشره؛ ومع ذلك أجدني مدفوعا إلى التعليق على ما ورد فيه؛ إذ لم يصادف الحقيقة الصريحة عندي منه سوى الفقرة الأولى وجزئية من فقرة أخرى صرفت عن مقصدها، جهلا أو خطأ، الله أعلم؛ يسأل الكاتب عن ذلك!
وسأبين ذلك حتى يزول اللبس وتنكشف الحقيقة جلية؛ وما عليَّ بعدها إذا لم تفهم البقر..
إن حاجة بلادنا من الكتب حتى وإن وصل افتراضا إلى 6 ملايين كتاب كما تفضل كاتب المقال مع أنه أعاد نفس الكلمات التي قالها أحد ملاك الطابعات الخاصة في الورشة المعدة حول توزيع الكتاب المدرسي بداية الأسبوع الذي كتب فيه مقاله؛ وهي لم تصدر عن جهة رسمية معنية بالتصور ووضع الاستراتيجيات، بل هي صادرة عن مستفيد محتمل يبحث عن موطئ قدم في هذا المجال، وهنا ننبه تنبيها منطلقه الميدان؛ أن اقتناء الكتب والإقبال عليها مازال ضعيفا، وسنوضح ذلك بالمثال الواضح إزالة للبس والإشكال؛ ففي العام الدراسي الماضي تم ضخ ما يزيد على مليون وسبعمائة كتاب بالإضافة المخزون المتبقي من العام قبل ذلك؛ لكن الإشكال الذي ظل قائما ليس قلة هذه الكميات مع الحاجة الكبيرة؛ بل كان عدم اقتناء هذه الكتب والبحث عن بعض العناوين المفقودة أصلا أو القليلة بفعل عدم طباعة العدد الكافي منها الذي هو السمة الغالبة، ومع أننا نطالب دائما بتوفير الحاجة من الكتب بناء على إحصائيات التلاميذ المقدمة من طرف إدارة البرمجة و الاستراتيجيات فإن وزراء التهذيب في الفترات الماضية كانوا يُلزمون إدارة المعهد التربوي حينها بالتركيز على سنوات المدرسة الجمهورية قبل أي مستويات أخرى، فمثلا الكميات التي وزعت العام الماضي والتي تجاوزت مليون وسبعمائة كتاب كان ما يزيد على مليون كتاب منها للسنة الأولى والثانية فقط، نفس الحال تقريبا سيقع مع الكميات الموجودة في الهند والتي تتجاوز مليونين ومائتي ألف كتاب، إذ الكمية الكبيرة منها مخصصة للسنة الأولى والثانية والثالثة ابتدائية مع إشراك السنوات الأخرى بنسب أقل، إذن نحن أمام تنفيذ إلزامي لاستراتيجية حكومية تقتضي تركيز الجهود أولا على تغطية الحاجة من الكتب لسنوات المدرسة الجمهورية وننتقل بذلك رويدا رويدا إلى كل سنة تنضاف إلى سنوات المدرسة الجمهورية.
وعلى ذكر الهنود والطباعة والشهادة لله؛ وكلٌ ستكتب شهادته ويسأل، فإننا لم نشهد في السنوات الأخيرة في بلادنا طباعة أحسن من طباعتهم، مع دقتهم في المواعيد وتنظيمهم للتعبئة المحكم جدا، ولقد جربت قبلهم بسنة أي سنة 2021 الطباعة التونسية وكانت دون مستوى الطباعة الهندية بكثير، بالإضافة إلى عدم الدقة في المواعيد بل التأخر المخل، المفوت أحيانا لمسار سنة دراسية، أما عن الطباعة الخصوصية في بلادنا فإن الطاقة العملية لها لم تصل لحد الساعة إلى القدرة على الوفاء بطباعة الكتب بالجودة الكافية، وبالكميات المحددة؛ بدليل أن الصفقة الأخيرة قيد الإنجاز فاز بها أحد هؤلاء أولا ولم يستطع الوفاء بالمحدد فيها مما جعل الهنود يطعنون، وبالتالي هم فازوا بطباعة الكتب لهذه السنة بعد تقديم طعن حكم على إثره لصالحهم؛ إذن نحن لسنا أمام صفقة تراضي، ولا أخرى موجهة، بل نحن أمام شريك استطاع الوفاء بالمهام حسب الشروط المحددة وفي الوقت المتفق عليه، ولن يمنعنا اختلاف الملة ولا بعد الجغرافيا ولا أي عداوة سياسية إن وجدت من قول الحقيقة، والحقيقة فقط التي لن تحجب عندنا بمودة قريب أو محبة صديق..
وفي الأخير وتعليقا على جزئية وجود الكتاب المدرسي في السوق السوداء أو السوق الموازية كما نسميها؛ فقد سال حبر كثير في ذلك وانتعش السجال في الماضي بما فيه تبيان المقال حول كل الدلائل والملابسات، وكشفت كل الحيل سواء في الحال أو بعد استقرار المآل، ومن أراد الاستزادة من ذلك فليرجع إلى المقالات المنشورة حوله، وما عليه إلى أن يبحث من خلال الكلمات التي تعتبر مفاتيح الموضوع، أو يسأل ملاك الطابعات الخصوصية فمنهم من لا يخفي سرا حول طباعة هذه الكتب، وهم معروفون بالإسم والصفة وتموقع المخازن واستجلاب الماكينات الكبيرة والأجهزة الخاصة لذلك والاستثمار فيه..
ختاما: نؤكد مع كامل الإلحاح في الطلب أن موضوع توفر الكتب المدرسية لن يجد الحل النهائي قبل اقتناء طابعة عصرية للمعهد التربوي يتحكم فيها وتتعهدها الجهات المعنية بالصيانة، ومن خلالها تغرق الأكشاك بالكتب وينتهي تدافع التهم والتربح على حساب التلاميذ؛ ومن المؤكد أن الطابعة المذكورة يمكن اقتناءها بتكاليف ثلاث صفقات لاقتناء الكتب؛ تحصل أحيانا في سنتين متتاليتين..