برغم اعتماد طبقات شعبنا الأكثر فقرا وهشاشة علي الزراعة المطرية ،التي نمتلك نحو ربع مليون هكتار مناسبة لها , لا يزال هذا القطاع بالكامل خارج الأساليب العلمية في الزراعة .وهو متروك للممارسات البدائية التي لا تقطع أرضا , ولا تبقي ظهرا.
فما مظاهر التخلف المزري في هذا القطاع ؟ وما سبل انتشاله من وضعيته ؟
لا تتجاوز مرد ودية الهكتار من الحبوب في الزراعة المطرية نحو 300كيلو غرام . وهو ما قيمته نحو 70000 اوقية قديمة.
وإذا ماعرفنا ان المزرعة في هذه الزراعة تتراوح غالبا بين نصف هكتار وهكتار ،لصعوبة التعشيب (الكجي )اليدوي ,فإننا سندرك ان الدخل الذي ينتظره مزارع المطرية ,بعد أربعة أشهر من العمل الشاق لا يتجاوز، في احسن الحالات، 70000اوقية قديمة..!
وهذا مايفسر العزوف الجماعي لأبناء هؤلاء المزارعين التقليديين عن هذه المهنة،واندفاع موجاتهم نحو المدن الكبري، بحثا عن فرص عمل يدوي أكثر مرد ودية .
ويكمن سبب تردي مرد ودية الزراعة المطرية ،في استقالة الدولة من وظيفتها في هذا القطاع، وتركه للأساليب البدائية ،المطابقة تماما لأساليب زراعة الهنود الحمر،في حضارة المايا، قبل 2000سنة .(راجع للمقارنة بين الزراعتين مقالنا علي جوجل : موريتانيا : الزراعة علي طريقة الهنود الحمر .
فمن ذا ،في هذا العصر، يستطيع ان يصدق ان زراعة في القرن الواحد والعشرين تتم بالكامل بالعضلات البشرية ،وببذور بدائية مجهولة التراكيب الوراثية ،ومن دون حرث ،ولا تسميد ، ولا دورة زراعية ..!
إن الدولة تقترض مبالغ ضخمة لبناء سدود ،ينهار ثلثها في المواسم الأولي ،لرداءة التنفيذ ،ويهجر ثلثها الأخر لتترك ارضه بورا ، بينما يستغل الثلث الباقي بهذه الأساليب البدائية .
والإجراء الوحيد الذي اتخذته الحكومة في الاتجاه الصحيح هو شراء عشرات الجرارات، العام الماضي،للزراعة المطرية .لكن خطأين قاتلين صاحبا تنفيذ هذا الإجراء ،هما رداءة النوعية ،ووضع الجرارات تحت أيدي المجالس الجهوية.
فماذا سيبقي من دخل مزارع في (تمبه )في اقصي جنوب تكانت ،إذا سار الى تجكجه عبر صنكرافه ،ليطلب جرارا من المجلس الجهوي ،يدفع هو نفسه محروقا ته ذهابا وإيابا؟
ولماذا لا توزع الجرارات علي سدود كبري ،تضم اكبر تجمعات للمزارعين ،مع آلية تسمح للمزارعين الآخرين، القريبين من موقع الجرار ،بالاستفادة منه ؟
وبرغم الوضع المزري الذي بينا ملامحه في ماسبق ،فإنه يمكن ،في فترة وجيزة ،مضاعفة الإنتاج عدة مرات من زراعتنا المطرية ،وانتشال مئات الآلاف من مواطنينا من الفقر المدقع، إذا حكمنا الأساليب العلمية في السياسات التي نضعها لهذا القطاع،واتخذنا سلسلة من الإجراءات العاجلة التي نذكر منها :
1- التواصل مع المراكز البحثية المتخصصة في المنطقة لتأمين بذور حديثة، ذات صفات وراثية متفوقة ،نكثرها ،ونوزعها علي مزارعينا البؤساء .
وهذه الخطوة وحدها كفيلة بمضاعفة الإنتاج .
2- توزيع جرارات صغيرة ومتوسطة ،ذات نوعية جيدة علي التجمعات الكبري للمزارعين ،مع وضع آلية لتسييرها وصيانتها.
3- وضع برنامج ذي مراحل للحرث العميق (لابور ) لأراضي التجمعات الكبري ، وذلك لدفن الطبقة العليا من الأرض،التي أفقرت علي مر العصور ،ورفع الطبقة تحت السطحية الأكثر خصوبة .
4- إدخال الري التكميلي في أراضي السدود الكبري ،بالإعتماد علي مياه تلك السدود ، وهو ما يستدعي استصلاحها لهذا الغرض ،وتزويد المزارعين بمضخات لرفع المياه.
ومن شأن هذا الإجراء أن يسمح بإدخال أصناف الحبوب المروية ،التي يصل انتاج بعضها إلي ثمانية أطنان من الحبوب ،مع نحو ثلاثين طنا من المادة الخضراء بعد الحصاد .
5- تجربة التسميد بكميات ضئيلة ،في أماكن محددة ،اعتمادا علي توقعات الأرصاد الجوية .
6- إدخال الميكنة الزراعية الصغيرة ، الآلية أو نصف الآلية ،في عمليات البذر والعزيق (الكجي)والحصاد ،للتخفيف من الجهد العضلي المنفر في هذه الزراعة.
7- تشجيع المزارعين علي اتباع دورة زراعية ،تخفف من إفقار الارض وإنهاكها (مثلا: لوبيا –ذرة-فول سوداني).
8- إعطاء عناية خاصة للمناطق الأكثر تساقطات مطرية ،في أقصي ولايات الجنوب الأربع .
9- وضع برنامج عملي لتسييج المناطق الأهم من حيث الإنتاج ،بعيدا عن تدخلات الوجهاء وذوي النفوذ، الذين يحتكرون نسبة كبيرة من برامج التسييج ،ويضعونها علي أراضي لا تنبت زرعا ،ولا تغذي ضرعا ،وذلك لمجرد حيازتها .
رئيس رابطة التطوير والتنويع الزراعي