عاد فخامة رئيس الجمهورية محمد ولد الشيخ الغزواني من رحلته الأخيرة، وقد حمل معه مكاسب عظيمة رفعت من شأن موريتانيا وجعلتها في قلب الساحة العالمية. وأنا هنا لا أستطيع إلا أن أشيد بما حققه من إنجازات تُعَدُّ مكاسب وطنية وإفريقية على حد سواء.
لقد وقف فخامة رئيس الجمهورية في الأمم المتحدة، وجعل صوت إفريقيا مسموعًا وعلم موريتانيا خفاقًا. دعوته الصريحة لإصلاح مجلس الأمن كانت تعبيرًا عن رغبة صادقة في تحقيق العدالة على المستوى الدولي. فقد قال في خطابه: "إن بلدنا الذي يتولى حاليا الرئاسة الدورية للاتحاد الأفريقي، ليرحب بميثاق المستقبل الذي نحن بصدد اعتماده، ويجدد، من هذا المنبر، مطالبته بإصلاح منظومة الأمم المتحدة، وبخاصة مجلس الأمن الدولي، بنحو يتيح لقارتنا إيصال صوتها بالقوة التي تضمن مراعاة أولوياتها في الأجندات الدولية."
هذا المطلب هو جزء من رؤية أوسع لتحقيق تمثيل عادل للقارة الإفريقية في المنظمات الدولية.
فخامة رئيس الجمهورية تحدث بصوت الحكمة والوعي حين دعا إلى إنهاء الحروب والعنف في العالم. وكان محقًا عندما شدد على أهمية توحيد الجهود الدولية لتحقيق سلام دائم وشامل، خاصة في القارة الإفريقية التي عانت طويلًا من الصراعات.
وفي قمة المستقبل، أظهر فخامة رئيس الجمهورية وعيًا عميقًا بالتحديات التي يواجهها العالم. فقد قال في خطابه: "وإن ما تعرض له عالمنا في الآونة الأخيرة من صدمات عنيفة وما يجتاحه من أزمات حادة لمدعاة للقلق الشديد على المستقبل المشترك."
هذا التشخيص الدقيق للأوضاع العالمية يعكس التزامه الواضح بضرورة اتخاذ خطوات جدية لمواجهة تلك الأزمات.
وفيما يخص جائحة جدري القردة، فقد لعب فخامة رئيس الجمهورية دورًا فعالًا في احتواء انتشار هذا الوباء على مستوى القارة الإفريقية. من خلال لقائه مع مدير منظمة الصحة العالمية على هامش الجمعية العمومية للأمم المتحدة، تم تحقيق مكاسب كبيرة لصالح القارة، حيث نجح في الحصول على دعم دولي لتعزيز الجهود الصحية الإقليمية لمكافحة الوباء. وقد أعاد فخامة رئيس الجمهورية التأكيد على التزامه السابق بمحاربة هذا التحدي الصحي، مسلطًا الضوء على أهمية التنسيق الدولي لضمان حماية الشعوب الإفريقية والحفاظ على الصحة العامة.
وفيما يتعلق بالتغيرات المناخية، فإنني أشاطر فخامة رئيس الجمهورية قلقه العميق تجاه هذه القضية العالمية الكبرى. دعوته إلى حماية الكوكب والاستثمار في الطاقة المتجددة تُبرز رؤية واضحة نحو مستقبل أفضل. في منتدى إفريقيا وتمويلات سوق الكربون، عبّر عن هذا بشكل قوي قائلاً: "أود أن أشير إلى أن أفريقيا تعاني من مفارقة مزدوجة ملفتة للنظر، فهي القارة الأقل مساهمة في إنتاج الغازات المسببة للاحتباس الحراري والأكثر معاناة من آثاره المدمرة."
هذا التأكيد على العدالة المناخية يعزز مطالب إفريقيا بالحصول على دعم دولي أكبر لمواجهة تداعيات التغير المناخي.
وفي سياق الحديث عن الإمكانيات، أضاف فخامة رئيس الجمهورية أن "بلادي موريتانيا، على سبيل المثال، لديها إمكانات طاقة متجددة تزيد عن 4000 جيجاوات، بما في ذلك 500 جيجاوات من الإمكانات التجارية التي يمكن استخدامها اليوم دون أي قيود تقنية أو بيئية كبيرة، مع تكامل استثنائي بين الطاقة الشمسية وطاقة الرياح. وطموحنا على المدى الطويل هو الاستحواذ على 1% من سوق الهيدروجين العالمي، و1.5% من سوق الصلب الأخضر بحلول عام 2050."
هذه الطموحات تجعل موريتانيا في طليعة الدول التي تسعى للاستفادة من إمكاناتها الطبيعية لتحقيق تنمية مستدامة.
ولا يمكنني إلا أن أكون فخورًا بعمل فخامة رئيس الجمهورية على بناء جسور قوية مع دول جديدة، والتعريف بفرص الاستثمار الهائلة في موريتانيا. إنني أرى في هذه الجهود خطوة نحو توطيد مكانة بلادنا كوجهة جاذبة للاستثمارات والمشاريع الكبيرة.
فخامة رئيس الجمهورية كان أيضًا نصيرًا للقضايا العادلة حول العالم، وعلى رأسها القضية الفلسطينية. لم يكن حضوره مجرد مشاركة شكلية، بل كان صوتًا قويًا للدفاع عن حقوق الشعوب المظلومة، وهو ما يجعلني أزداد فخرًا وإعجابًا بهذا الدور القيادي.
ولعل أكثر ما يعجبني هو ذلك التنسيق الرائع بين الدول الإفريقية. لقد حقق فخامة رئيس الجمهورية انسجامًا غير مسبوق بين خطابات القادة الأفارقة، وجعل مطالبهم واحدة ومتسقة، ما أظهر إفريقيا كقوة متماسكة تسعى لنيل حقوقها المستحقة على الساحة الدولية.
لقد كان تمثيل موريتانيا بقيادة فخامة رئيس الجمهورية لافتًا في كل الورشات والأنشطة الجانبية للجمعية العامة. فالدبلوماسية الموريتانية أثبتت حضورها بقوة، وأصبحت موريتانيا اليوم، بفضل تلك الجهود، في موقع ريادي ومؤثر على المستوى الدولي.
عودة فخامة رئيس الجمهورية إلى أرض الوطن كانت عودة الظفر والانتصار. لقد أثبتت هذه المشاركة أن موريتانيا قادرة على أن تكون في قلب الأحداث العالمية، تدافع عن مصالحها ومصالح إفريقيا بشجاعة وحكمة. تلك المكاسب التي حققها فخامة رئيس الجمهورية لا تقتصر فقط على تعزيز حضور بلادنا، بل تمثل أيضًا إنجازات عظيمة تعزز مكانتنا الدولية وتجعلنا نفتخر بما تحقق.
وكمراقب ومهتم، لا أستطيع إلا أن أرفع القبعة احترامًا لهذه الجهود، التي وضعت موريتانيا في مصاف الدول المؤثرة، وأعادت تعريف دورنا على الساحة العالمية.