على هامش الانتخابات .. / محمد عبد الرحمن ولد الحسن

altإنها المرأة الأولى التي أقرر فيها الكتابة، و أحضر و رقة و قلما ، و تهرب مني الكلمات، ربما لأن الكلمات هذه المرة تشعر أن استعمالها للتعبير عن هذا الموضوع فيه إهانة لكبريائها، أو هتكا لعرضها لكني كموريتاني ولدت في حقبة الانقلابات أعرف كيف أسلب الآخرين كرامتهم.

لن أكتب عن الفساد ، أو الجوع ، أو الحزن ، أو اليأس رغم أنها كلها مواضيع مكتوبة على جبين كل موريتاني ، و رغم أنها مواضيع غنية لو كان البحر مدادا للكاتب الذي يجرد قلمه للحديث عنها لنفد البحر قبل أن تكتمل الصورة ، بل سأكتب عن الانتخابات ، ليس من منظور الموالاة و لا المعارضة ، ليس من منظور المقاطع أو المشارك ، بل من منظور شخص يحاول فهم ماهية هذه الانتخابات ، و يحاول الوقوف على حقيقة السياسي في موريتانيا .

قال لي ذات مرة رجل عجوز إن الشباب الموريتاني لا يمكنه أن يحمل لواء التغيير لأنه غير مؤهل ، و لأنه غير متعلم ، و غير ملتزم ، فسألت نفسي لماذا الشباب ليس متعلما ؟ و لماذا ليس ملتزما ؟ ليكون مؤهلا ؟

و إلى حد الآن لم أجد أجوبة لتلك الأسئلة ، و بقية عالقة في ذهني تهدم ، و تبني ، تصوراتي للقضية و فلسفتي السطحية ، فأنا أصلا غير متعلم ، و غير ملتزم ، و غير مؤهل ، هذا فقط لأني شاب ، و لأن الشاب حسب ذلك العجوز هكذا .

و مع انطلاق الحملة اتضح لي أن كلام ذلك العجوز هو عين الصدق إلا أنه ينطبق على عامة الشعب الموريتاني ، فحين ترى إحدى تلك الخيام السياسية ، و ترى من فيها ، و ماذا يجري فيها يتأكد لك ما قاله الرجل العجوز ، فالخيام بحد ذاتها مظهر من مظاهر البداوة العتيقة كنت قد ظننت أننا تخلصنا منه على الأقل في العاصمة ، و الحقيقة أن هذا ما كنت أوهم نفسي به لأن العاصمة لا ينقصها عن أن تصير بادية كبيرة سوى الخيام .

في كل واحدة من هذه الخيام يوجد جهاز داعم للأقراص المدمجة مع مكبرات صوت يصدع بالأغاني الشعبية أحيانا ، و أحايين أخرى بالأغاني الهندية ، و الحقيقة أن هذه الأغاني ليست لحزب عن حزب بل هي مشاعة بين كل الأحزاب باستثناء بعض الأحزاب طبعا التي تعتمد على الأناشيد ، الأناشيد و الأغاني لا علاقة لها بالسياسية حسب ظني ، بل لها علاقة بالحماس و زيادة تدفق الادرنالين في جسد المواطن البسيط الذي أنهكه الفقر ، و أعياه البأس ، هل الموسيقى من وسائل الاقناع السياسي ؟

في العالم الآخر ربما ليست كذلك ، لأن السياسيين لديهم فكر ، و برامج ، أما بالنسبة لنا فنعم ، فحين لا يملك السياسي فكرا يميزه عن غيره ، أو برنامجا اصلاحيا فيمكنه اقناع المواطنين بالموسيقى ، و لأن المواطن أصلا يجيد التمايل على الموسيقى أكثر مما يجيد استيعاب الأمور الكبيرة كالخطابات السياسية السامية ، و كالتنظير السياسي ، و لأن السياسي أيضا لن يقول إلا الكذب ، فبدل أن نضيع وقت السياسي في الكلام عن أشياء هو أصلا ليس مؤمنا بها ، و نحن لن نصدقه لأنه عودنا على الكذب فالندع الموسيقى تختصر الأمر . هذا بالنسبة للموسيقى ، داخل هذه الخيام هناك جمهور ، يتكون عادة من الفئة الشابة ، يضم الجنسين ، و بعابرة أخرى هناك اختلاط ، ففترة الحملة يرفع الآباء حظر التجول عن بناتهم بحجة الحملة الانتخابية ، مع الإشارة إلى أن أغلب هؤلاء ليسوا معنيون بالعملية الانتخابية فجلهم قصر ، لكني حين أقول أن الأمر لا يعنيهم أكون قد ظلمتهم صراحة لأن الموسيقى و الضحك و المرح أمور تعنيهم حتما ، فهم لن يتذكروا أنهم في حملة انتخابية ما لم يقع بصر الواحد منهم على الصور الكبيرة التي يقف فيها عادة شخص يرفع يده ، و كأنه يتوعد الشعب بالمزيد من الذل و الحزن .

ذات مرة في سيارة التاكسي كانت هناك امرأة في حدود الأربعين من العمر ، قامت بدعاية لأحد المرشحين ، و تحديث عنه طويلا ، و مدحته بأنه صادق ، و أمين و نزيه ، فقاطعها أحد الركاب قائلا أنه لا يوجد سياسي صادق ، فغضبت و بدأت تشتم فحاولت امتصاص غضبها ، فسألتها عن برنامجه الانتخابي ؟ بدى أن السيدة المسكينة لا تعرف شيء عن برنامج مرشحها ، فقلت لها أن الشعب الموريتاني مشكلته أنه يعاني من انفصام في الشخصية ، فهو زمن الحملة الانتخابية لا يبالي ببرامج المترشحين ، و حين يتقلدون مناصبهم في ما بعد يقول أنهم لم ينجزوا أي شيء و كأنه اكترث لماذا سينجزونه مستقبلا ، فحين صوت لهم كان بسبب مصلحة أو قرابة ، و لم يكن لأجل برنامج معين ، مع أنه مرشحك سيدتي يملك أحسن برنامج و هو الصق و الأمانة .

الآن فقط بعد كل هذا تجلى لي أننا نحن معشر الموريتانيين لسنا متعلمين بحجة أن المتعلمين عادة لا يفعلون ما نفعل أو يقولون ما نقول أو يقتنعون بما نقتنع ، و لسنا ملتزمين ، لأن الالتزام يتناقض مع الموسيقى و الرقص و الكذب و كل ذلك المجون ، و أننا كذلك لسنا مؤهلين لأن نحمل لواء التغيير لأننا لسنا متعلمين و لسنا ملتزمين .

22. نوفمبر 2013 - 10:46

أحدث المقالات

كتاب موريتانيا