لقد ظل المشكل الثقافي منذ الاستقلال الى تاريخ قريب مثار جدل كبير على المستويين السياسي والتربوي.
فإذا كان قد شكل جانبا من المشكل الوطني أو المسألة القومية الى جانب بعديها السياسي المتعلق بصيغ واليات تقاسم السلطة داخل مؤسسات وأجهزة الدولة والاقتصادي المرتبط بتوزيع الثروة الوطنية والحصول على القروض والتسهيلات التي تمنحها الدولة وملكية العقارات في المدن والارياف، فإن البعد الثقافي لحيويته وعلاقته المباشرة بالنظام التربوي خاصة ما يترتب عن مخرجات هذا الأخير من مصالح في مجالي التشغيل والتوظيف ظل دوما هو الطابع الرئيسي للمشكل القومي و المحرك الأول للساحة الذي تتحدد به مواقف كل القوي السياسية و الاجتماعية.
فمنذ مطالبة نقابة المعلمين العرب بترسيم اللغة العربية وردة فعل بيان تسعة عشر شخصية وإطارا من الاخوة الزنوج الافارقة ضد قرار إدخال عدد من الساعات لتدريس اللغة العربية، وبعد تعميم o2 المعروف ب( la circulaire 02( la C02 الذي اتخذه وزير التهذيب الوطني 1979 وماترتب عنه من التوتر والاضطرابات ذات الطابع العرقي، استمرت النخب السياسية عبر الحركات السياسية وغيرها تتقاسم التاثير على مراكز القرار بحيث شهدت البلاد العديد من الإصلاحات التربوية لكنها ظلت دوما الرماد الذي يخفي الجمر لسببين :
أولا: لأن هذه الاصلاحات لم تكتس أي طابع استراتجي يخطط لمستقبل التكوين والتعليم ويفضي إلى بناء نموذج للمواطنة يوحد أبناء الأمة ويهيؤهم للعب أدوار واعية في مجالي الوحدة والتنمية.
وظلت التناقضات على أشدها لأن الغرض من تلك الإصلاحات هو إخماد التوتر وخروج الأحكام من الازمات التي تواجهها وبقاء أسباب المشاكل تراوح مكانها.
ثانيا: في الوقت الذي يتصارع أبناء النخب من الأسر النافذة في المجتمع من العرب والزنوج و بعض أبناء الطبقة الوسطى حول أي نظام تربوي يضمن مستقبل أبنائها وبالتالي يحقق لها التحكم لاحقا في مفاصيل الدولة وامتيازات السلطة تبقيى فئات عريضة وهي الأغلبية بعيدة عن التمدرس والولوج الي التعليم الذي يفترض أنه الرافعة الطبيعية للترقية الاجتماعية والسياسية.فابناء تلك الفيئات لا تحظي بترف هل انه ينبغي أن تدرس اللغة العربية او الفرنسية لان احتياجها الاساسي الولوج إلى التمدرس بصرف النظر عن اللغة عربية كانت ام فرنسية.
وهذا يعني أن هذا البعد من المشكل الثقافي لم يتناوله أي طرف من الأطراف المتصارعة التي لم تولي أي اهتمام لولوج أبناء تلك الفيئات الى المعرفة ودمقرطة التعليم.
وهذا مايفسر في مرحلة ما غياب تلك الفيئات عن المسؤوليات السياسية والإدارية التي مازال البعض يعمل علي تغييبها بغية الأبقاء علي ماهو كائن.
إذا كنا في الماضي القريب واجهنا الإشكالات المذكورة اعلاه فاننا لم نصل بعد الي نهاية النفق.
عقد الكثيرون خاصة من القوي والشخصيات الوطنية المتشبثة بوحدة مكونات شعبنا كشرط أساسي للعملية التنموية الأمل علي المشروع الذي أطلقه الرئيس محمد ولد الشيخ الغزواني في إطار برنامجه الانتخابي والمتمثل في المدرسة الجمهورية وما تضمنه من إصلاحات ترسخ الهوية العربية الإسلامية والافريقية للبلاد باعتماد تدريس اللغة العربية و اللغات الوطنية الأخري البولارية والسوننكية والولفية، كما أن الإصلاحات اقرت الانفتاح علي الثقافة الكونية من خلال تدريس اللغات الحية عالميا خاصة اللغة الفرنسية لارتباطها بتاريخنا القريب.
إن إصلاح المدرسة الجمهورية القاضي بتعلم كل أبناء الوطن اللغة العربية وكل أبناء العرب المورياتنيين تعلم احدي اللغات الوطنية الأخرى يشكل قطيعة مع كل السياسات السابقة في مجال التعليم ويفتح الباب واسعا لارساء وتطوير مواطنة حقيقية قائمة في المحصلة علي ردم الهوة في المجالين الهوياتي والاجتماعي بين مختلف الاعراق والشرائح الاجتماعية.
غير ان هذا الإصلاح الذي استبشر به الجميع خيرا لايمكن تطبيقه الا بتوفر مجموعة من الشروط من اهمها مضمون مناهج يتلاءم مع الاهداف المرسومة للمدرسة الجمهورية،طواقم تدريس كافية، مقاعد كافية في كل المدارس قادرة علي استعاب واكتتاب التلاميذ.
لكن الأهم من كل ذلك حتى لايتم إجهاض الإصلاح من مضامينه صرامة الجهات المشرفة على تطبيقه واحترامها للمشروع باعتباره مشروعا وطنيا يتوقف عليه مستقبل البلاد و أبنائها.
إن غياب هذا الشعور واستسهال اتخاذ قرارات مخالفة بشكل صريح لمضمونه لا يفرغ الإصلاح من محتواه فحسب وإنما يتسبب في خيبة أمل الجميع بتبديد الرهان المعقود علي هذا الاصلاح المصيري،خاصة أن القائمين عليه ينبغي ان يكونوا اكثر الناس حرصا علي قدسيته ونجاحه.
لذلك من البديهي أن قرارا بالترخيض لمدارس تدرس مناهج أجنبية ينافي نص وروح المدرسة الجمهورية.
الوزير السابق الشيخ أحمد ولد الزحاف