قبل أن أدخل في سرد ما يدور بخلدي من ملاحظات، أود التنبيه إلى أني لا أستدرك على حاكم بعينه، ولا على حكم معين.. لكن ملاحظاتي على المجتمع كله، وفي مقدمة من أوجه إليه هذا العتب نخبة البلد من مثقفين وساسة وقادة ومربين، وإعلاميين، وكل من له دور في صياغة الرأي العام وتنوير المجتمع.
ولكي لا أطيل بالتقديم فسأدخل الموضوع مباشرة بادئا بمحاولة إجابة على السؤال الذي ورد في العنوان: بماذا نحتفل، ونحن نحيي الذكرى الثالثة والخمسين لعيد الإستقلال المجيد؟؟
- أنحتفل باسم البلاد الأعجمي (موريتانيا) والتي كان من حقها علينا أن نسهم عليها بين "دولة المرابطين" أو "بلاد شنقيط"، لا أن تولد لنا دولة فتية فنختار لها بعد أعوام من النضال السياسي اسما أعجميا تمجه ثقافتنا، ويعيبه علينا التاريخ؟؟
- أم نحتفل بأول خطاب وجهه الرئيس المختار ولد داداه رحمه الله لشعبه في 28 من نوفمبر 1960 باللغة الفرنسية، في إشارة واضحة مفادها: "أيها الشعب المرابطي الشنقيطي الأصيل، ذا الصيت الذائع والعلم النافع الشائع، ودع هويتك، وأصالتك إلى غير رجعة.. نحن وابتداء من هذه اللحظة سنكون دولة ناطقة باللغة الفرنسية؟؟
- أم بموافقتنا الطواعية للمستعمر على نهب خيرات البلاد وثرواتها بدأ بالصمغ العربي (العلك) وانتهاء بالثروات المعدنية والسمكية.. حتى إذا ما نفدت الثروات أو كادت جاءت الإحتفالات بـ: تأميم.. تحرير.. تدار بأيدي وطنية..؟
- أم بثلة من المسؤولين تترى كلما تولت حكم البلاد منها مجموعة سارعت الخطى نحو أكل المال العام، حتى إذا ما أصبحت من أثرى الأثرياء بدأت تتحدث عن إنجازات هشة، تنهار في معظمها قبل تجريد منجزها من منصبه؟.
- أم بدولة عصرية حديثة أنشئت في الثلث الأخيرة من القرن العشرين ذات بنى تحتية قوية من: مجار للصرف الصحي، وشوارع، وجسور، وعمارات، وحدائق عامة، ومنتزهات...؟
- أم بدولة مدنية حديثة ذات مؤسسات، تسود فيها العدالة ويحترم فيها القانون، وتذوب بين أفراد شعبها الفوارق، وتتساوى أمامهم الفرص بعيدا عن سلطان القبيلة والجهة، والمحسوبية؟
- أم بمؤسسات صحية رائدة، توفر للمواطن التوعية الصحية، والفحص والدواء مجانا أو بكلفة زهيدة؟
- أم بتعليم حديث ناجح كون علماء الطب والرياضيات والفيزيا والإقتصاد والمعلوماتية، فنور البلاد، وامتد إشعاعه إلى المؤسسات العلمية العالمية؟
- أم نحتفل بالوجه الماسونيي للتعليم الذي يهدف فيما يهدف إليه، إلى القضاء على الإشعاع العلمي والحضاري للمحظرة التي بفضلها عرف الشناقطة في مشارق الأرض ومغاربها سدنة للعلوم الإسلامية والعربية بلا منافس؟؟؟
- أم بالإنقلاب العنيف الذي وقع على المنظومة الأخلاقية التي كان المجتمع كله يتسنم ذراها ويحمي حماها بكل بسالة ، فقد كان الصدق والعفاف والكرم والشجاعة والتكافل..... أبرز السمات التي تميز هذا المجتمع، والتي أبدلت كلها اليوم بأضدادها، مما لا أحب التلفظ به؟
- أم بـ:.......... أم بـ:.......... أم بـ:.......... أم بـ:.......... أم
- بماذا نحتفل إذن؟ اللهم إلا إذا كانت مفردات: الإستقلال - العصرنة – التقدم... تعني: وجود علم أخضر يتوسطه نجم وهلال، كما تغني بذلك المرحومة ديمي:
موريتان اتعصر
واتقدم شوف أمال
فوك راية خظره
والنجم والهلال
لا أعتقد أن لدينا من معالم الدولة الحديثة يستحق أن نحتفي به ونحتفل سوى كلمات النشيد الوطني الرائعة.
هذه قضية وطنية أرجو أن تجد من المثقفين ما تحتاجه من نقاش .