تشكلت موريتانيا – كليا أو جزئيا- من "سكان الإمبراطوريات التي احتضنتها الهوامش الجنوبية للصحراء الكبرى المعروفة اليوم بمنطقة الساحل " وضمها الإحتلال الفرنسي لمستعمراته في القارة الإفريقية وعمل علي ترسيم حدود كيانها وشكل سلطتها
وأطلق في الثامن والعشرين من نوفمبر عام 1960م مشروعها السياسي القائم علي تجاهل المعطيات الإجتماعية للشعب الموريتاني وتكريس نهج الإستبداد في الحكم وزرع بذور الأزمات والفتن والتخلف .فهل نجح المستعمر في جعل مشروع الإستقلال الوطني : مشروع جيش وليس مشروع دولة؟
الدولة في المفهوم السياسي هي:
الأرض التي تقوم عليها الدولة : وهي بالنسبة للدولة الموريتانية ، شاسعة وغير متلائمة مع جغرافية انتشار المجتمع ومواقع نفوذه التاريخي وحدودها متداخلة وغير محددة وهي موضوع شائك قابل للإثارة في كل وقت مع كل من مالي والسنغال والمغرب .
الشعب هو بالأساس :البيظان (بالمفهوم العام) ووجودهم ممتد تاريخيا من نهر صنهاجة ظل يمثل مرفقا حيويا لإمارة موريتانية معروفة وصل نفوذها التاريخي إلي مدينة اللوك في وسط دولة السنغال الحالية ومدينة تمبكتو بدولة مالي وهي عاصمة تراثية وتاريخية لأجداد الموريتانيين وأبرز قبائلهم في الحوضين وتكانت . والصحراء الغربية (المتنازع عليها بين المغرب والبوليزاريو) وهي أرض موريتانية بالمعايير الإجتماعية ، وسكانها يتكونون من ذات القبائل وجميع سكان تلك المناطق هم بالأساس من نفس الأعراق والأنساب ويمارسون نفس العادات والتقاليد والأعراف .أما بقية القوميات (البولار والسونونكي والولوف) فهم أعراق متأصلة في الأرض الموريتانية ويمثلون بقايا الإمبراطوريات التاريخية (الصونغاي ومالي وغيرها).
السلطة : وقد أخذت مفهوما استعماريا سلبيا يقوم علي الفوقية والتسلط والقوة ويبعث لدي المواطن الخوف والتهرب واستمرت الممارسات السلطوية القاسية وأسلوبها العنيف والفوقي مع نظام الحكم العسكري والذي وجد في هذا الأسلوب طريقة ناجعة في إخضاع المثقفين قبل الشعب وجعلهم يتراجعون عن معارضته ويستسلمون لأنظمة حكمه المتعاقبة .
لقد كان مشروع المستعمر لإخضاع البلاد لسلطته يعتمد اعتمادا كليا علي القوة المستمدة من الجيش التقليدي المدرب تدريبا جيدا علي قيم القوة ومفردات الطاعة العمياء (نفذ أبدا ولا تناقش أحدا) كانت هذه العقيدة العسكرية الصارمة هي ما تأسست عليه سلطة الدولة الحديثة ومشروعها وتمكن الجيش الذي تولي جميع شؤون البلاد بعد انقلاب 1978م من وضع البلاد علي الطريق الذي اختطته أيدي الأجنبي وعجز الحكم المدني المؤسس للدولة عن يغيره ربما نتيجة معطيات موضوعية أهمها الأمية والتخلف والضعف ، وقد طور مشروع الجيش فلسفة نظام حكمه مستندا إلي معطيات سياسية أهمها:
ضعف الوعي السياسي والتاريخي بالدولة لدي المواطن الموريتاني نتيجة انتشار الأمية الحضارية والجهل والفقر
فشل الطيف السياسي وتمزقه نتيجة الحصار المفروض عليه من أنظمة الحكم الرجعية
انتشار ظواهر التملق والإسترزاق السياسي من الأنظمة
الطبيعة البدوية والأعراف القبلية والنزعات الأنانية والعنصرية والفئوية والجهوية .
إن الظلم الذي يسلط على فرد واحد من المجتمع يصبح تهديدا : "موجّه ضد الجميع." .
لا يزال المواطن الموريتاني في العام 2013م يعاني الظلم داخل حدود الدولة التي أعلن عن استقلالها في 28من نوفمبر 1960م ويعاني ظلما أشد ضمن المجال العام للمفهوم الإجتماعي للدولة (من آزواد إلي الساقية الحمراء ومن أندر إلي تيارت) ولم يتحقق من مفهوم الدولة الموريتانية ومشروعها إلا :
النشيد الوطني: الذي لم يعبر عن معاني الوطن ومشروعه وإنما عالج مشاكل عقدية وفقهية
العلم الوطني: الذي لم يحمل صفات مميزة لشعب أو تاريخ أو مشروع
إننا لا نري في تخليد ذكري الإستقلال بعد 53 عاما سوي علما جاثما فوق رؤوسنا ونشيدا يتردد صداه في كل مكان .