عطلة رسمية ، و يوم مميز هو يوم 28 من شهر نوفمبر بالنسبة للشعب الموريتاني ، فهو اليوم الذي نخلد فيه استقلالنا ، إنه اليوم الذي نستحضر فيه بلاء مجاهدينا الحسن ، الذين قدموا أعمارهم في سبيل هذه الصحاري الشاسعة ، و رفضوا الاستعمار رفضا باتا ، و واجهوه بالرصاص و منارة المسجد ، وصوت تلاوة الأطفال في المحظرة .
في 28 من نوفمبر رحلت فرنسا ، و حصلنا على استقلالنا لتبدأ بذلك الإرهاصات الأولى لقيام الدولة الفعلية التي تقوم على أساس قانوني و تنظيمي عصري ، و الحقيقة أن هذه كانت مهمة صعبة تحمل منها أبو الأمة الرئيس المختار ولد داداه الجزء الأصعب ، فتكييف أهل البدو ليصبحوا أهل حضر مسألة صعبة كانت تحتاج إلى إرادة قوية و الكثير من الوقت ، و الحقيقة أن بداية تكوين الدولة كانت بداية خاطئة بدءا بإعلان الاستقلال بالفرنسية الذي كتب علينا تبعية ثقافية لفرنسا و يقدح في عروبتنا انتهاء بالموقع الجغرافي غير المناسب ، هذا الخطأ الذي ندفع نحن الآن ضريبته .
رحلت فرنسا ، و بقي الاستعمار هذه هي الحقيقة فلربما تحرر البسطاء من وهم الاستعمار برحيل فرنسا التي نهبت خيرات هذا الشعب ، و داست كرامته ، لكني أقول أن الاستعمار مازال قائما فخيرات هذا الشعب مازالت تنهب ، و كرامته مازالت تسلب ، النتيجة هي نفسها و إن اختلف الفاعل ، و إذا ما قارنا فرنسا بالمستعمر الجديد للاحظنا أن المستعمر الفرنسي أخف وطأة من المستعمر الجديد بحجة أنه لولا فرنسا لما قامت ارهاصات قيام الدولة التي لم تتمخض عنها بعد فكرة الدولة المدنية ، و إن كانت فرنسا قتلت بالسلاح فالمستعمر الجديد قتل بالجوع و الفقر و البطالة ، و إن كانت فرنسا حاولت طمس هويتنا العربية فالمستعمر الجديد نجح في ذلك ، و إن كانت فرنسا كانت تخدم أجندتها فإن المستعمر الجديد هو الآخر يخدم أجندته الخاصة .
مشكلة هذا الشعب هي أنه لا يستوعب ما يجري لا في ما مضى و لا في الحال ، فهو شعب طيب ينخدع بالدعاوي البراقة و يمشي في ظل الحبل ، و يتوهم وجود ما يسمى بالدولة ، و ما يسمى بالديمقراطية ، و كأننا أصلا مؤهلون لتشكيل دولة ، و لو افترضنا أنه يمكن أن يطلق على تجمعنا البشري هذا بالإضافة إلى الحكومات البوليسية لفظ دولة فكيف يمكننا أن ندعي قيام ديمقراطية في مجتمع لا توجد به طبقة وسطى ، في مجتمع لا يعرف نخبته الديمقراطية كي يطبقونها على قاعدته .
الديمقراطية تقوم على التعددية الحزبية ، و التناوب السلمي على السلطة ، و تصادم الايديولوجيات الفكرية ، و أظن أننا بلغنا و الحمد لله سقف الكفاية في التعدد الحزبي ، فلدينا الكثير من أشباه الأحزاب ، والتمس العذر حين أقول أشباه الحزب ، ففي نظري الحزب الذي لا يملك فكرا أو طرحا سياسيا مختلفا ، و تصورا خاصا غير جدير بأن يسمى حزب ، ثم إن الحزب الذي ينشأ من أجل أن يحصل بموجبه شخص على مبلغ مالي يتمثل في مساعدة تقدمها الدولة للأحزاب ليس حزب ، و الحزب الذي يمارس فيه شخص الديكتاتورية ليس حزب . أما التناوب السلمي على السلطة فهذا شيء لم نراه أو نسمع به أبدا ، ففوهات الدبابات أقرب لتصورنا لأن الكلمة كانت دائما لأصحاب القبعات أما السياسي فهو يتكلم فقط ، فلا أحد يسمعه ، و ربما لأن الجزاء من جنس العمل فهو لم يسمع ما يقوله واقع وطنه ، أما الايديولوجيات الفكرية فهي مسألة لا نجد لها مصوغات في مجتمع أمي لا يكتب و لا يقرأ ، و ربما هذا ما يبرر استيراد بعض الأحزاب لفكر آخر وجد في زمان و مكان مختلفين ، و لا نعيب هذا الفعل على هذه الأحزاب لأننا تعودنا استيراد كل شيء فربما يصوغ استيراد الفكر أيضا ، لكن سيكون من المستحيل تطبيقه هنا لأنه لم ينشأ ليعكس واقعنا ، فكيف يعالج دواء مرض آخر غير الذي وصف له هنا يتجلى لنا كيف نستغل نحن معشر المواطنين .
الغريب في هذا الشعب أن يستغل بعضه بتراتبية متناسقة و غريبة ، فهو يشكل هرم قمته أصحاب النفوذ الذي يستغلوه أموال هذا الشعب المغلوب على أمره و يبددونها في سبيل رفاهيتهم مستغلين بذلك قصر حيلتنا ، و قاعدته بعض المتسولون الذين يملكون قدرة على العمل لكنهم يفضلون التسول مستغلين بذلك عاطفتنا الدينية .