لقد قادتني تأملاتي في سلوك النظام القائم إلى استنتاج غريب جدا مفاده أن الرئيس عزيز يعارض عزيزا، وكنتُ قد تحدثتُ عن هذا الاستنتاج من خلال سلسلة من المقالات نشرتها منذ عام ونصف، وهذه فقرة من واحد من تلك المقالات:
"لقد جاءت نظرية عزيز يعارض عزيزا كمحاولة جريئة لفك العديد من الطلاسم التي تأتي تباعا من القصر الرئاسي، تلك الطلاسم التي لا يمكن فكها إلا بالعودة لهذه النظرية. ولقد أصبح مما لاشك فيه بالنسبة لي، على الأقل، بأن الرئيس "عزيز" يخطط ويسهر ـ بوعي أو بغير وعي ـ على مصلحة المعارضة أكثر من حرص المعارضة نفسها على تلك المصلحة."
اليوم ازددتُ قناعة بهذه النظرية، وإذا ما أردتم أنتم أن تقتنعوا بها، فما عليكم إلا أن تتأملوا تسلسل الأحداث منذ يوم أمس.
ففي يوم الأربعاء 27 نوفمبر 2013، نشر موقع "ديلول" خبرا يقول : "عقد رؤساء أحزاب المعارضة المشاركة في الانتخابات اجتماعا في منزل الرئيس مسعود ولد بلخير للنظر في نتائج الانتخابات، واعتبر قادة المعارضة المشاركة أن هذه الانتخابات هي الأسوأ في تاريخ موريتانيا واحتجاجهم علي ما شابها من خروقات ومن عدم الشفافية وتدخل النظام بكافة وسائله في التأثير علي الناخبين وفي تزوير النتائج.
وقرروا عقد مؤتمر صحفي منتصف يوم غد الخميس بفندق أميرة لإعلان موقفهم من هذه الانتخابات."
والآن دعونا نتابع رد النظام القائم على هذا الاجتماع:
فبعد ساعات من اجتماع الأربعاء، وقبل ساعات من اجتماع الخميس، قرر النظام وبشكل مفاجئ أن يصعد الأمور مع المعارضة المشاركة، فتعامل بعنف مع بعض أنصار التحالف في أزويرات ونواذيبو، واقتاد النائب "بداهية" بطريقة مهينة إلى الاعتقال، وضربه أمام مناضلي الحزب، وتعامل أيضا بعنف مع عمدة أزويرات ، هذا مع التنكيل بعدد كبير من مناضلي التحالف واعتقال بعضهم.
وبالنسبة لتواصل فقد تم التنكيل بأنصاره في بومديد، وتزامن ذلك التنكيل مع "تصحيح" نتيجة واد الناقة، وهو ما يعني أن الدائرة الوحيدة التي أعلن تواصل على أنه كان قد حسمها على مستوى النيابيات في الشوط الأول، بأنها لم تحسم بعد.
المهم أن قادة المعارضة المشاركة في الانتخابات سيجتمعون اليوم، وذلك بعد ليلة استخدم فيها النظام كافة أشكال الاستفزاز( ضرب عمدة، إهانة نائب، استخدام العنف المفرط ضد أنصار الحزبين، اعتقال العشرات، تصحيح نتائج....).
سيجتمع أولئك القادة في منتصف نهار اليوم، ولم يعد أمامهم إلا أن يقرروا الانسحاب قبل الشوط الثاني، هذا هو ما أجبرهم عليه الرئيس عزيز، ولم يترك لهم خيارا آخر رغم ما بذلوا هم من "تضحيات" كبيرة لإضفاء شرعية على ما يعرفون هم من قبل غيرهم بأنه مجرد مهزلة انتخابية. وكم تمنى أولئك القادة لو أن الرئيس ترك لهم القليل من الاعتبار مما يحفظون به ماء وجوههم حتى لا ينسحبوا اضطرارا من هذه الانتخابات؟ ورغم أن احتمال بقاء المعارضة المشاركة في هذه المهزلة يظل قائما، رغم كل الذي حدث، إلا أن ما يمكن قوله هنا هو أن الرئيس عزيز بذل كل ما في وسعه من أجل إجبار تلك الأحزاب على الانسحاب من قبل الشوط الثاني.
والآن لنتصور العكس، أي لنتصور أن الرئيس لم يكن يعارض الرئيس، فما الذي كان سيحدث في هذه الحالة؟
إن الذي كان يجب أن يحدث هو أن يزور النظام القائم من خلال مصيبته المستقلة للانتخابات النتائج لصالح أحزاب المعارضة المشاركة، وذلك حتى تحصل هذه المعارضة المشاركة على 30 نائبا ـ على الأقل ـ في البرلمان القادم، هذا إذا لم تتمكن تلك المعارضة من الفوز بذلك العدد من النواب في حالة اعتماد الشفافية في انتخابات 23 من نوفمبر.
هذا هو ما كان على الرئيس عزيز أن يفعله لو لم يكن معارضا لنظامه، وذلك بدلا من استخدام التزوير وسلطة الدولة ضد المعارضة المشاركة، حتى ينتزع منها المقاعد القليلة التي تحصلت عليها في الشوط الأول، أو تلك التي كان يمكن أن تتحصل عليها في الشوط الثاني.
فما الذي يضر الرئيس عزيز لو كان في البرلمان القادم 30 مقعدا للمعارضة المشاركة من أصل من 147مقعدا، خاصة أن تلك المعارضة قد قدمت تضحيات كبيرة، وبذلت جهودا جبارة في سبيل تشريع مهزلة الثالث والعشرين من نوفمبر؟
ولو أن المعارضة المقاطعة كانت تقدر الجهود لوشحت الرئيس عزيز في هذا اليوم بأعلى وسام وذلك لجهوده العظيمة التي يبذلها في معارضة نظام الرئيس عزيز.
حفظ الله موريتانيا..