عيد الاستقلال..لا عيد الاستغلال(2) / شيخن ولد البان

شيخن ولد البانيمثل يوم الثامن والعشرين من نوفمبر من كل سنة يوما للفخر والاعتزاز، لأنه اليوم الذي تحرر فيه الشعب الموريتاني من نير الاستعمار، وأماط فيه الأذى عن وجه المنارة والرباط، وكتب فيه الأجداد الثائرون على الطغيان والاستبداد بمداد بندقيهم، لحظة التحول الفاصلة من تاريخ الشعب الموريتاني المجاهد.

لم يأت ذلك اليوم فجأة بل جاء بعد أن ارتوت أرضنا الطاهرة من دماء أبنائها البررة..جاء بعد نضال طويل استمر ردحا من الزمن، تخللته معارك بطولية خالدة سطرها التاريخ وستحفظها الذاكرة الجمعوية ما بقيت مآذن شنقيط  تصدح بالأذان والدعاء.

"الاستقلال"المنتظر ينتظر الموريتانيون على اختلافهم حلول ذكرى عيد الاستقلال الوطني التي تطل عليهم كل سنة حاملة معها استغلالا جديدا لاستقلالا فريدا. ينتظرونها كي يرفعوا العلم الوطني خفاقا في سموات الشموخ والكبرياء، وليعبروا عن الفرحة التي تغمرهم يوم"عيد استقلالهم" الوطني ويالها من فرحة!.

يظل الشعب ينتظر تلك الذكرى سنة بعد سنة علٌها تسعفه باستقلال حقيقي لا يخالطه استغلال مشؤوم ولا تعكره شعارات المستعمرين الكاذبة التي ولدت مع ميلاد عيد"استقلال ناقص"لا يزال الشعب ينتظره استقلالا تاما..لا استغلالا عاما.

الثامن والعشرين من نوفمبر ذكرى عظيمة أشرقت فيها شمس الاستقلال والحرية على ربوع الوطن الموريتاني، بعد غروب طويل وكفاح مستميت قاده الآباء والأجداد على رمالنا الطاهرة بوسائل متواضعة حفاظا على قدسية الأرض وكرامة الشعب والوطن.

الثامن والعشرين من نوفمبر بداية لعهد استقلال وطني وخاتمة لكفاح جهادي خاضه أبناء المنارة والرباط على جبال ووديان بلاد شنقيط الأبية التي  لم يبخل المستعمر بنفوس أبنائه من أجل احتلال عقول أبنائها والسيطرة على أرضها، فظل طوال سني عمره-وما زال-حريصا على أن يحتلها ليسلبها إرادتها وكرامتها وقدسيتها ولو برهة من الزمن..وقد خاب من حمل ظلما!.

ميلاد الاستغلال لم يكن يوم الثامن والعشرين من نوفمبر سوى يوم للإعلان عن بداية عهد جديد مفعم بالفساد والطغيان والرشوة والاستغلال..لا الاستقلال كما يزعمون، وإن كان في اليوم نفسه تم أيضا الإعلان-بطريقة ما-عن استقلال بلاد السيبة عن بلاد المستعمر فرنسا، لتبدأ مرحلة تاريخية جديدة عنوانها الأكبر:"الاستقلال" ومضمونها الخفي"الاستغلال"..فهل يتم استقلال وطن يتوارثه المستعمرون؟؟.

إن المتتبع لأوضاع الدولة الموريتانية منذ العهد المسمى بــ"الاستقلال"، وأسلوب من نصبوا أنفسهم قادة لشعبها-في يوم من أيام الاستغلال-يعلم علم اليقين أن عهد ذلك"الاستقلال"عن المستعمر الخارجي الذي أعلن عنه لم يعمر طويلا، حيث بدأ عهد الاستغلال من المستبد الداخلي ينمو سريعا في وطن تم استعماره من طرف أبناء غير مباركين عليه.

المستعمرون الجدد تعاقب على كرسي الدولة الموريتانية منذ عهد الاستقلال رؤساء لم يخلفوا للشعب سوى ظلم بواح وفساد ورشوة في غدو ورواح، بعد أن عمقون فكرة الاستغلال والاسبتداد في قلوب المواطنين كي يستمروا في سباتهم العميق وفي غفلة من أمرهم بعيــدا عن فكرة الاستقلال.

ظل المستعمرون الجدد بوطننا الغالي يعمقون فكرة الاستغلال والاستبداد من خلال الانقلابات العسكرية التي تتناقض وخيار الشعب الذي كافح من أجل أن يقيم السلطة التي يختارها لتحكمه بدون استعمار واستبداد إلى يومنا هذا.  حكم العسكريين أو المستعمرين الجدد لا يختلف كثيرا عن المستعمرين القداماء الذين خرجوا من أرضنا يجرون أذيال هزيمة نكراء وتلك سنة المستعمرين الأولين والآخرين.

في يوم الأحد28 نوفمبر أعلن استقلال الجمهورية الإسلامية الموريتانية عن المستعمر الفرنسي الذي جثم على رمالها ردحا من الزمن، لكن حكم الاستعمار ظل ساري المفعول في دولة مستعمرة ومستغلة من قبل بعض أبنائها في أيامنا هذه.

أعلن الاستقلال فعلا لكن المستعمر ترك بذور استعمار آخر،  ولم يرحل عن الدولة حتى قام على سوقه، سواء أعجب سكان الأرض أم لم يعجبهم..كانت ثمرته واضحة وجلية-بالنسبة للمستعمر-، حيث ولد مستعمرون جدد ينطلقون من تصورات المستعمر الأول ولا يحيدون قيد شبر عن أوامره وزواجره.

كفى المسعتمرون الجدد من قيم الاستقلال حفظ تاريخه ورفع شعاراته في يوم الثامن والعشرين من نوفمبر على أعمدة الكهرباء والطرق الرئيسية بالعاصمة، وتوشيح بعض العسكريين الذين بدأوا يفقهون سياسية المستعمر ومشروعه الاستغلالي الاستعماري..وباستمرار المشروع الاستغلالي يستمر المشوار الاستعماري.

                                      ******

رغم كل شيء سنظل نبارك للشعب الموريتاني نسبة الاستقلال التي حصل عليها ونردد قول القائل:

موريتان اعليك ... انبارك الاستقلال

انبور واعر فيك...ووعر منو كزوال

رغم كل شيء سيأتي اليوم الذي يرفع فيه العلم الموريتاني على هامات الرجال ومنارات المساجد، يجلله دوي تكبير الرجال..حتما سيأتي يوم الاستقلال الحقيقي لا الاستقلال الزائف..وإن غدا لناظره قريب!!.

28. نوفمبر 2013 - 16:31

أحدث المقالات

كتاب موريتانيا