رأي قانوني حول الخروقات التي شابت الانتخابات الأخيرة في موريتانيا / محمد سدينا ولد الشيخ

altفي البداية أهنئ الشعب الموريتاني بمناسبة ذكرى الاستقلال التي مرت هذه السنة وهو يئن  تحت نمط جديد من الاحتيال على إرادته والانقلاب عليها .

ومع أنه يلاحظ تحسن في سلوك العسكريين نحو احترام إرادة الشعب نجد أن الجهات المنقلبة ليس بينها عسكري ولا عسكري سابق وإنما تشكلت من أحزاب وهيئات مدنية مثل ما يسمى بلجنة الانتخابات مع قطاعات غير عسكرية في الدولة.

ومسلسل التآمر المذكور بدأ منذ أشهر خلال تشاور بين الأغلبية والوسط تخلله تعديل للدستور ونصوص قانونية ممهدة صادق عليها برلمان منتهي الصلاحية، وتقدموا إلى الشعب كلجنة إنقاذ تعهدت بإخراج البلاد من أزمتها السياسية المحتدمة، وبشرت بتعديل دستوري يضمن الاستقرار مادام لم يعلق العمل بالدستور ونعني ما تضمنته المادة 2 من الدستور التي نص تعديلها على : ( تعتبر الانقلابات وغيرها من أشكال تغيير السلطة المنافي للدستور جرائم لا تقبل التقادم.)

ونعتقد أن أول انقلاب في ظل سلطان تلك المادة هو الاقتراع الأخير، ما دامت تنص على أن (الشعب هو مصدر كل سلطة)، وتجلى ذلك فيما يلي:

تم تغييب جزء كبير من المواطنين  المتمتعين بحقوقهم المدنية والسياسية وحرمانهم من الاقتراع لأنهم لا يتوفرون على بطاقة تعريف جديدة وبالتالي لم يشملهم الاحصاء الاداري ذي الطابع الانتخابي  الذي يذاد عنه من لم يتمكن من الحصول على بطاقة تعريف من وكالة تسجيل المواطنين والوثائق المؤمنة والتي بدورها تضع عراقيل  ومكوس  على التقييد  لديها، وليس كل مواطن في متناوله تجاوز تلك العقبات، هذا في وقت لا يستطيع فيه استصدار وثائق هوية لنفسه بنفسه، ولأنه عاجز ومهمش لم يسمح له بالتسجيل والاقتراع ببطاقاته القديمة رغم حماية ذلك الحق له دستوريا والاعتراف به له في مواثيق دولية اسمى من القانون الوطني.

وتم كذلك تغييب جزء من المواطنين المتمتعين بحقوقهم المدنية والسياسية وخاصة حق الترشح ومنعوا من ممارسة ذلك الحق حين اشترطت حزمة من نصوص التشاور -المخالفة للدستور والمواثيق الدولية لحقوق الإنسان -  تبني حزب سياسي لكل مرشح ولو لم يكن المرشح منتميا لمرجعية ذلك الحزب فكريا، ما يتناقض وضمانات حرية المعتقد السياسي لأنه يفرض على الإنسان التلون والنفاق على حساب كرامته.

وهو انقلاب كذلك مادامت لجنة الانتخابات التي اشرفت على عملية  إيداع الترشحات والاقتراع، أشرفت أيضا على الإحصاء الإداري ذي الطابع الانتخابي دون أن تكون لها صفة في ذلك، لأن المادة 3 من القانون المنشئ لها تقول إنها تراقب فقط ذلك الإحصاء وتقول المادة 2 منه إن عملها يبدأ من إيداع الترشيحات ويعني هذا أن ما يسبق ذلك لا يعنيها، ومن الواضح الاختلاف الكبير بين الإحصاء واعداد اللائحة الانتخابية، والأخير يدخل في صلاحياتها.

وبذلك تكون تجاوزت اختصاصها وأقدمت على ذلك الاحصاء الذي ساهم  بدور ريادي في الانقلاب المذكور. 

وهو انقلاب مادام تعيين أعضاء اللجنة المشرفة عليه يتم حسب المادة 6 من القانون المنشئ لها إثر مقترح مشترك بين المعارضة والأغلبية، وكل من الفريقين محددة صفته قانونا ولا يمكن انتحال تمثيله خاصة وأن مؤسسة المعارضة الديمقراطية منظمة بموجب قانون والمشرفون على إدارتها في حقبة زمانية معينة لهم وحدهم شرعية التعبير عن موقفها، بينما لم يقم المتشاورون بعد تشاورهم بتغيير في إدارة تلك المؤسسة رغم أنهم استحدثوا بموجب تشاورهم معارضة وسطية .

وهو انقلاب لأن اللجنة فوتت على العازم على الطعن بين الأطراف المشاركة في الانتخابات فترة الطعن أمام لجنة الولاية لأنها لم تسلمهم أغلب المحاضر رغم اعتماد تلك لنتائج مشكوك في مصداقية بعضها.

وهو انقلاب لأن تشكيل و هيكلة فروع اللجنة الانتخابية في الولايات تدخل في مجال التنظيم الممنوح دستوريا للحكومة. ومن دون تشكيلها على أساس قانوني سليم  كيف لها أن تستمد  صلاحية اعداد المحاضر.

ذلك أن طبيعة وظيفة اللجنة تمنعها من أي صلاحيات في مجال سن النصوص التنظيمية لأنها ليست من الحكومة، وإذا منحت لها تلك الصلاحية أصبحت من الحكومة بقوة الدستور وفقدت استقلاليتها .

وتشكيل تلك الفروع يدخل في هيكله ولا يمكن أن يدرج في النظام الداخلي.

-وهو انقلاب لأن الدائرة الانتخابية التي يمثلها نائب ينبغي أن يصل تعداد المقترعين المسجلين فيها زهاء  31000 نسمة  حسب القانون النظامي الصادر عن التشاور في موضوع انتخاب الجمعية الوطنية والذي ابطل تلك القاعدة بملحق تضمن جدول محاصصة يحدد لكل مقاطعة نصيبها، وفي نهاية المطاف استحق مركز نائب تبعا لذلك الاقتراع مترشحون لم يزيد مؤيدوهم على 1000 صوت. فهل ذلك يعبر عن أغلبية تلك الدائرة ؟ وهل تم تمثيل الشعب انطلاقا من ذلك المنظور ؟

ونستغرب  كون الزيادة في عدد أعضاء الجمعية الوطنية لم تكن عن دراسة احصائية لتعداد الناخبين في البلاد أو تعداد السكان وإنما كانت بصفة عشوائية. 

لكل هذا نرى أن الانتخابات الأخيرة ما هي إلا صعقة قاتلة للديمقراطية، وعليه نلتمس من المعنيين بالأمر إنقاذ البلاد من تبعاتها الخطيرة والقيام بخطوة شجاعة كما عودونا دائما تؤدي إلى حل ما يسمى باللجنة الوطنية (المستقلة)  للانتخابات فورا ودون سابق إنذار وإلغاء جميع آثار تصرفاتها الباطلة قانونا.

 

*ذ/ محمد سدينا ولد الشيخ/ محامي معتمد لدى المحاكم الموريتانية

30. نوفمبر 2013 - 10:57

أحدث المقالات

كتاب موريتانيا