إنّ الهدف الأساسي من تأسيس و إنشاء كليات الطبّ هو من أجل خلق جيل من الأطباء باستطاعته فهم الإنسان ومكنونه , والتفاعل إيجابا مع معاناته , ومصيريّا مع أمراضه وتطلّعاته , ثم العمل الصادق الدؤوب بعد ذلك في سبيل القضاء على الأمراض ومحاصرتها أيّا كان نوعها , ومهما بلغت خطورتها.
إلاّ أنّ تلك الكليات قد اقتصر دورها وللأسف على تدجين خرّيجيها , وتعليمهم بأنّ الناس أصحّاء و المرضى منهم وحدهم الذين عندهم شكوى وعلاجهم ينحصر فقط في المشرط والليزر والعلاج الكيميائي .
وهكذا بقت كليات الطب عاجزة عن فهم الإنسان وواقعه , ولم تستوعب أنّه بما وهبه الله تعالى من مقوّمات البقاء قادر أيضا على التغلّب على مجموع الأمراض الطارئة أو المكتسبة , وهو مايجعل من الواجب على الجهات المعنية أن تعكف على صياغة أسس جديدة , وخلق منهج مبتكر ومفيد لتدريس الطبّ وفق ضوابط تراعي التعريف بقدرة الإنسان على المقاومة والصمود في وجه الأمراض التي هي بدون شك ليست محصورة فحسب بالجراثيم والفيروسات ومايسمى خلل الجهاز المناعي وأمراضه .
لقدساعد سوء فهم الأطباء وكليات الطب للإنسان وأمراضه , وتجاهلهم لواقعه الذي يعيش فيه إلى تفشّي الأمراض المزمنة والخطيرة ومنها :
1 – المرض الخفي ( غير المحسوس ) :
ويعني الإصابة بتلف أو حصول خلل داخل الجسم دون أن يشعر الإنسان أو يشتكي من أية أعراض , وإنما يتمّ اكتشاف تلك الأمراض مع خطورتها عن طريق المصادفة وعند إجراء فحوص سريرية أو مخبرية ومن تلك الأمراض : التهاب الكبد الوبائي , الإيدز ( السيدا ) , ارتفاع ضغط الدم , الدهون الثلاثية , الأكياس المائية , معظم الأورام إلى غير ذلك .
2 – المرض الظاهر ( العلني ) :
وهو الذي يكون على شكل أعراض ومعاناة تصيب المريض فتدفع به إلى زيارة الطبيب لطلب الإستشارة أو للبحث عن العلاج , وتتمثّل تلك الأعراض في الآلام المستمرة , الحمى , السمنة , الوهن , الضعف العام , انخفاض الوزن , الصداع , الدوخة , الخفقان , الكحّة , القيئ والتبوّل الدمويّان إلخ .
يصاب الإنسان بالأمراض بفعل تلوّث المناخ , أو بسبب مايأكله من اللحوم المجمدة والأطعمة المحفوظة , والأغذية المخرّبة جينيا , والزيوت المصنعة , بالإضافة إلى الإنفعال , القلق السلبي , الغيظ , الحقد , الظلم , الكراهية , الكبت , ومجاراة الواقع كلّها عوامل تؤثّر سلبيا وبشكل كبير وخطير جدا على جميع أجهزة الجسم متسبّبة في حدوث خلل جسيم بالوظائف العصبيّة والهرمونية والمناعية .
وقد أظهرت جميع تقارير العلماء والباحثين الموثوقين والجمعيات وكل المنظمات المهتمة بالبيئة بأنّ الإنسان الحاضر يعيش في بيئة غير صحيّة تتناقض مع جسمه وهيئته التي خلقه الله تعالى عليها وارتضاها له .
فالإنسان الحالي يعيش في بيوت مغلقة تضيئها الفوتونات والأجهزة الكهرومغناطيسية , التي بدورها تبرّدها أو تحميها الأجهزة الكهربائية والغازية المغلقة المعروفة بهوائها الملوّث والمليئ بالموجات الراديوية والأغبرة الكيماوية , يضاف إلى ذلك كثرة الجلوس , وقلة الحركة , ومايصاحبها من تفاقم الأمراض كفقدان البصر , تورّم الأجفان والسيقان , اعوجاج الظهر . قلّة التركيز , تصلّب الشرايين ,إضعاف القلب , ارتفاع الضغط , انهيار المناعة , والإصابة بالسكري والنقرس , وكبر حجم البطن لدى الرجال والنساء على حدّ سواء , وإلى الضمور في الأجهزة التناسلية للجنسين .
إنّ ماتقدّم شرحه وبيانه يؤدّي حتما إلى الخلل الواسع في أجهزة التّحكّم الرئيسية المتمثلة في الجهاز العصبي , والجهاز الهرموني, والجهاز الإنزيمي , وهو مايساعد في خلق عدم توازن في عمل الخلايا والأنسجة داخل جسم الإنسان ويساهم في ضعف مناعة الجسم التي بدونها لا يمكن للطب الحيوي ( الحديث ) أن يعالج المريض , ولا أن يقدّم له المساعدة , فضعف المناعة هو السلّم المؤدّي مباشرة إلى العجز الكلي أو القبر .
إنّ الأمانة الأخلاقية والمسؤولية الطبيّة تتطلّب منّا دراسة جميع الجوانب الدقيقة في حياة الإنسان المعاصر , دراسة علمية مستمدّة من واقعه , ومعتمدة على حصيلة الأبحاث العلمية والتجارب البشرية , والتحاليل المخبرية لكي نستطيع القضاء على الامراض المزمنة والقاتلة إن شاء الله تعالى .
وحتى نستطيع تحقيق ذلك علينا أوّلا إعادة التوافق والإنسجام بين جسم الإنسان وروحه مع بيئته الخارجية من بشر وحيوان وشجر وهواء نقي وهو ما يسمّى الطب الأصيل ( الطب الطبيعي ) , الذي لاتعني الدعوة إليه الإستغناء عن المفاهيم الأخرى التي تعتمد معالجة الأعراض المرضية وإطالة عمر الإنسان قدر المستطاع باستعمال الأدوية الكيميائية والمشرط والليزر .
كانت الأمم بخير وعلى خير وتمارس الطب بنجاح منقطع النظير , وفي كلّ المجالات والتخصصات الطبية ولم تكن هناك كلية للطب , وإنما كان اعتماد الأطباء حينذاك على أطباء الجسد الموجودين داخله والذين يمثّلون القوّة الشفائية الحقيقية المنظمة و هم جهاز المناعة , جهاز مضادّات الأكسدة . الجهاز الهرموني , الجهاز الإنزيمي , منظومة الإنقسام الخلوي والقدرة على التعويض , منظومة الحوامض الأمينية , المنظومة العصبية اللاّ إرادية والأفعال الإنعكاسية , منظومة الحواس الستة , المنظومة النفسية والروحية , ومنظومة التكيّف .
إنهم الأطباء المقتدرون الأوفيّاء الذين يعرفهم الناس والعلماء وهم يعملون بجدّ وإخلاص من أجل استمرار الحياة والمحافظة على الإنسان , ومع ذلك لم يستطع العلم والطب الحديث الإعتماد عليهم لمساعدة الجسم في التخلّص من المرض والحماية منه . وأمّا حاليا وعلى الرغم من وجود الآلاف من كليات الطب فإن الوضع يسير من سيّئ إلى أسوأ , وهكذا ظلّت الأمراض في ازدياد كالفشل الكلوي والكبدي , انتشار أورام سرطان الثدي وغيرها , ارتفاع نسبة الإصابة بالسكري والضغط ومجموع أمراض الدورة الدموية عموما , الزيادة المذهلة في أمراض العقم , تزايد الأمراض الوراثية ………….. والحديث يطول.
لقد تحوّل الإنسان في زمن الكليات الطبية إلى صورة مشوّهة يظهر فيها الإنسان :
1 – قصير القامة , وقصير اليدين والرجلين وطويل الأصابع والأذنين .
2 – أسود الدم والرئتين .
3 – كبير البطن والفم واللسان .
4 – هزيل القلب , ضيّق الشرايين , و قصير العمر .
5 – ضعيف الإنجاب .
لن تستطيع جميع وزارات الصحة على مستوى العالم العربي إقناع الشعوب في الوطن العربي بأنّ كليات الصحة جدا على مستوى عال وأنّ خرّيجيها في أعلى المستويات والناس تشاهد يوميا سادتها وأعيانها وأثرياءها يذهبون إلى أوربا وغيرها للبحث عن العلاج , والذين لا يستطيعون الذهاب إلى الخارج ملّوا من المستشفيات العامة والخاصة واستمرّت معاناتهم كما هي , بل وتفاقمت أكثر على الرغم من أنّ وزارات الصحة العربية تصرف عليها المبالغ الخيالية وتمتلك أحدث الأجهزة والتقنيات .
بقت الإشارة إلى أنه هناك بالفعل طب وعلم يدرّس وبمنهجية متقدمة في بعض كلّيات الطب وبنجاح ،
ولكن تبقى كليات الطب مع ذلك لا تفقه ومعظم الأطباء منشغلون ببناء القصور وجمع الأموال.
والله تعالى أعلم وهو الموفّق الشافي.