تواصل .. صيد الإتحاد الثمين / محمد فاضل عبد الرحمن

altيعتبر المسلمون من أكثر الشعوب قدرة على إدارة المعارك و من أكثرهم ابتكارا لأساليب القتال و تجنب الكمائن، لدرايتهم التامة بمكامن الخطر و معرفتهم الكبيرة بأساليب الكر و الفر، و خطط الهزيمة المصطنعة التي يتبعها النصر الكاسح.

هذه المميزات التي يشهد عليها التاريخ جعلت المسلمين في شتى مجالات الحياة يستطيعون حصد النصر في كل جانب من جوانب الحياة، فهم في الطب و الفلك و علم الإجتماع و العلوم السياسية و الجغرافيا و غيرها من العلوم سباقون إلى النصر سباقون إلى الإكتشافات العظيمة التي لا تتكرر سوى مرة واحدة، حتى أن أقوى دول العالم اليوم حين نسمع باكتشافاتهم العظيمة التي تخدم الإنسان لا نندهش نحن المسلمون منها لأننا في كل مرة نتذكر أن سبب كل تلك الإكتشافات العظيمة سبق إكتشافي صنعي عالم مسلم.

اليوم في معركة بين المسلمين و محلها سباق انتخابي ثبت أن تواصل لا يعرف عن الإسلام سوى ما يعرفه عن مخاطر امتداده الخارجي الذي يتباهى به في المحافل الوطنية، و يجهز قوته و عتاده للود عنه كلما سنحت الفرصة له بذلك، حيث ثبت من خلال انتخابات 23 نوفمبر المنصرم أن حزب تواصل لا يعرف كيف يصنع المجد و لا كيف يحصد الإنتصارات، لا بل إنه يحسب أنه اكتسب نصرا بيد أنه وقع في فخ الطمع و الجشع حين ظن أن رصيده الإنتخابي سيزيد في حال ما إذا لم يتمكن حلفاؤه من دخول السباق معه.

يذكرني تواصل اليوم بأنه بحق حزب غريب الأطوار لما بعد يتخطى مراحل المراهقة السياسية، حين عمد على التخلي عن حلفاءه  في المنسقية و حسب أنه سيتقاسم الكعكة مع الإتحاد في معركة هي الأعنف و الاكثر جدية من بين المعارك الإنتخابية التي شهدتها موريتانيا منذ اعتماد "شبه الديمقراطية" كنظام للحكم في بداية التسعينات. و تحويلها إلى ديمقراطية حقيقية في هذا العهد.

الغريب في أمر تواصل أن معركته الإنتخابية لم تحسم و رغم أنه حصل على ما لم يكن يحلم به، إلا أن ما حصل عليه يذكرني بكثير من المال في يد صبي، كيف سينفقه و كيف سيستغله، ليضمن به مستقبلا مشرقا، لولا حكمة شرع الله في توكيل غيره على ماله حتى يبلغ أشده. فيا ترى من سنوكله على مكاسب تواصل حتى يخرج من طور المراهقة السياسية و ينضج و يرشد حتى تكون مكاسبه له خالدة.

خروج تواصل من المنسقية أو بالأحرى تجميده لعضويته فيها جعلت منه حزبا طماعا حيث جرد نفسه من حلفاء المعركة الحاسمة و جعل يتخبط مع بضع أحزاب محاورة في معركة المصالح لعله يجني من وراء الإنتخابات مكاسب لم يكن يحلم بها، و لكنه صدم بواقع مرير جعل منه أضحوكة انتخابات 23 نوفمبر، بطريقة مأساوية حيث لم يحصد سوى بضع بلديات و جاء في المرتبة الثانية مع الحزب الأقوى و الأكثر جاهزية و الأكثر حلفاء في الساحة السياسية على الأقل مقارنة بتواصل.

إن تواصل يقف في معركة بين جبلين محاطا بثلاث جيوش كلها تريد النيل منه، فأمامه الجيش الأقوى الذي سيحط من معنويات مقاتليه ذلك هو جيش الإتحاد من أجل الجمهورية، الذي يجابه تواصل بسلاحه و قوته و عتاده مجابهة شريفة لا يستخدم فيها سوى الأسلحة المسموح بها في عالم السياسية، مناضلون و هيآة قاعدية و شعبية عريضة و حلفاء يقفون في صفه كلما كان يجابه عدوا مشتركا بينهم مثل تواصل.

في الخلف من تواصل يجابهه جيش قادم بقوة إلى المعركة يريد النيل منه و يرى فيه كبش فداء ينتقم منه خذلان المنسقية إياه في معاركه الملحمية التي كان يريد لها أن تكون نصرا مبينا يجعل منه بطلا قوميا و حزبا وطنيا بالدرجة الأولى، فحالت المنسقية بينه و بين حلمه فصار ينقم عليها أكثر مما ينقم على ولد عبد العزيز نفسه، و لا ننسى مقولة زعيمه الخالدة، " محمد ولد عبد العزيز لا يتحمل المسؤولية عن الأزمة السياسية لوحده، فالمنسقية تتحمل جزءا كبيرا من تلك الأزمة" إنه حزب المحارب الصعلوك و القائد الوطني الفذ مسعود ولد بلخير يبحث بكل الوسائل عن طريقة يحاسب بها المنقسية على خذلانها إياه في فترة ربما كان فيها اقرب إلى النصر، و لربما كان ذلك حسدا منها لوزنه و حكمته، و رغبتها هي في أن يكون كل مكسب يتحقق لها و بها، لا به و لا له.

أما من أعلى الجبل فإن الجيش الثالث هو ذلك الجيش الذي خطف الأضواء سريعا و احتل مكانة في الساحة السياسية ربما تجعل تواصل يشعر بالغيرة منه حين أصبح أمامه في كل المحافل و أثبت على علاته أنه الاجدر بمنصب رئيس البرلمان الموريتاني، و يصارعه كذلك على منصب زعيم المعارضة الذي لم تشأ الأقدار أن يكون من نصيب "الزعيم".

بيد أن تواصل يهاتف من خارج المعركة حلفاء الأمس الذين لم يهدأ لهم بال بمشاركته فشنوا حملة في ظاهرها ضد الإنتخابات و في باطنها لعبة سياسية محكمة كان هدفها منع أنصارهم من التصويت للحزب "الخائن" في نظرهم، فهم أدرى بالسياسة من تواصل و أعلم بها من كل أحزاب اليوم صغيرها و كبيرها.

تلك الحملة التي سموها حملة "مقاطعون" أو ما شابه، كان النظام ينظر لها على أنها حملة ضد الإنتخابات لكنها في الحقيقة حملة هدفها الأول و الوحيد جعل تواصل يندم على خذلانه للمنسقية كما جعلوا القائد مسعود يندم على محاولته التعالي عليهم و الظهور بصورة الوطني، و إن كان كذلك، فقد أصروا هذه المرة على أن يحرموا تواصل من سلاحهم الإنتخابي و يجعلوا منه أضحوكة في معركة انتخابية يبدوا أنها كانت شفافة لولا حملتهم التي شنوها من خلال مواقعهم لتشويه صورة اللجنة المستقلة للإنتخابات و تقديمهم لنتائج مصدرها اساسا "تسريبات" "مصادر خاصة" "المصدر أحزاب سياسية مشاركة" و سلاحها الأساس الإعلام الألكتروني، الجهاز الأكثر تحررا من الرقابة و الأقل دقة في تقديم الأخبار.

و الآن بعد فرز النتائج و مواجهة تواصل لخصم عنيد يبدوا أنه لم يستخدم أسلحة غير مشروعة و يبدوا أنه الحزب الحاكم الأول في موريتانيا الذي يخرج من الدور الأول بأقل من 50 في المئة من المكاسب، و يضطر للدخول في دور ثاني ضد أكثر الأحزاب خطورة في نظره على المصلحة العامة نظرا لامتداده الخارجي و نظرا لخطورة الوتر الحساس الذي يلعب عليه، الآن فهم تواصل في هذه الأيام بالذات، من خلال التنسيق الذي جرى بينه و بين أحزاب المعارضة المحاورة و من خلال محاولته التحالف مع بعض أحزاب الأغلبية عن طريق مقايضة أراد هو منها أن تكون تلك الأحزاب ضد الحزب الحاكم حيث يتنافس معه، و أن يكون هو مع تلك الأحزاب حيث تتنافس ضد الحزب الحاكم، ثبت فيما يقطع الشك باليقين لحزب تواصل أن المعركة غير متكافئة و أن 90 في المئة من الشوط الثاني أو أكثر بين تواصل و الحزب الحاكم، و أن الباقي بين الحزب الحاكم و أحزاب المعارضة المحاورة، تلك الأحزاب التي تفضل أن تمسح من وجه البسيطة على أن تدعم تواصل.

و هذا بالضبط ما جعل حزب تواصل نفسه اليوم يقع في فخ خذلان الحلفاء، حيث تجرع طعم عاقبة الخذلان في الحملة الإنتخابية و تجرعها في الشوط الأول و لا تزال الضربة القاضية في الشوط الثاني، حين يتأكد أن تواصل في كل الدوائر سواء كان في المرتبة الأولى أو في الثانية و سواء كان الفارق في الحالة الاولى بينه و بين الإتحاد عشرات النقاط و في الحالة الثانية لا فرق يذكر، فإن مصير تواصل أن لا يحصد أكثر مما حصد في الدور الأول و أن مصير الإتحاد أن يطمئن في الدور الثاني على أن له حلفاء بغض النظر عن الأسباب التي تجعلهم يدعمونه فإنهم سيفعلون، مهما كان بينهم من خصومة أو تنافس في بعض الدوائر القليلة الأخرى.

فهل يستطيع تواصل أن يخلق لنفسه حلفاء من امتداده الخارجي ؟ أم أن المعركة محسومة سلفا بدليل أن لا حلفاء لتواصل، و لا إمكانية لاستجلاب حلفاء من الخارج.

و الأدهى و الأمر من كل هذا أن انسحاب تواصل من المعركة أمر مستحيل نظرا لسبب بسيط، هو أن الطمع الذي جاء به إلى الإنتخابات نفسه الطمع الذي يمنعه من الإنسحاب.

السلام عليكم.  

2. ديسمبر 2013 - 13:06

أحدث المقالات

كتاب موريتانيا