بدءا دعونا نلقي نظرة سريعة على الوضعية التي تعيشها المعارضة بشقيها المقاطع والمشارك في انتخابات 23 من نوفمبر:
1 ـ هناك منسقية المعارضة، وهي تمثل أغلبية أحزاب المعارضة. وقد قاطعت المنسقية باستثناء حزب "تواصل" انتخابات 23 من نوفمبر، تلك الانتخابات التي قد أصبح من الواضح جدا بأنها لم تكن إلا مجرد مهزلة انتخابية تشرف عليها لجنة ليست مؤهلة إطلاقا لتنظيم أي انتخابات.
ومشكلة المنسقية ليست في صواب موقفها، وإنما مشكلتها تكمن في عجزها عن القيام بأنشطة ميدانية للاحتجاج ضد هذه الانتخابات، ويجب أن أشير هنا بأن هناك ثلاثة أحزاب معارضة هي التي تمتلك القدرة على القيام بأنشطة ميدانية، وهي تواصل، والتكتل، والتحالف، ولذلك فإن المنسقية تبدو اليوم عاجزة عن القيام بنضال مؤثر وفعال نظرا لغياب تواصل والتحالف.
2 ـ هناك حزبان معارضان شاركا في انتخابات 23 من نوفمبر، ولا شك أنهما الآن يعانيان من خيبة كبيرة لأنهما لم يجدا في السلطة من يقدر لهما موقفهما، ولأنهما أيضا كانا ضحية لعملية تزوير واسعة.
وهنا لابد أن أشير أيضا إلى أن أي انتخابات لا يشارك فيها حزب التكتل لن تأتي للمعارضة بنتائج مؤثرة.
3 ـ هناك أحزاب معارضة أخرى لم أذكرها، لاشك أن لها أدوارا لا يمكن تجاهلها، ولعل من أهم تلك الأحزاب اتحاد قوى التقدم الذي كان وسيظل هو دماغ المعارضة الذي لا يمكن أن تشتغل دونه.
بالمختصر فإن المشهد هو كالتالي : منسقية قاطعت الانتخابات ولكنها تعاني من ارتباك كبير لأنها لا تعرف ما ذا تفعل بعد المقاطعة. ومعارضة شاركت في الانتخابات، ولكنها أيضا تعيش ارتباكا كبيرا، فلا هي قادرة على الاستمرار في أن تكون شريكا لنظام كلما قدمت له تنازلات، كلما احتقرها أكثر. ولا هي أيضا تمتلك من الشجاعة والجرأة ما يكفي لإعلان انسحابها، وفوق ذلك كله، فعنادها مع المعارضة المقاطعة قد يمنعها من الانسحاب.
وقبل أن انتقل إلى مسودة الاتفاق، والتي هي مجرد صياغة جديدة لمسودة قديمة، تم تقديمها في وقت سابق، أود هنا أن ألفت الانتباه إلى نقطتين هامتين:
أولهما : أننا لا نستطيع أن نستورد معارضة من الخارج، ولذلك فإنه لابد لنا من أن نعلق الآمال على المعارضة الحالية رغم أخطائها الكثيرة، وذلك لأنها هي وحدها التي تستطيع في الوقت الحالي أن تقود التغيير.
ثانيهما: صحيح أن مستوى الثقة بين بعض أحزاب المعارضة قد وصل إلى مستويات متدنية جدا، ولكن مع ذلك فإن الحل لن يكون إلا في العمل من أجل بناء ثقة جديدة بين تلك الأحزاب.
مسودة المقترح:
هذه مسودة مقترحة لمشروع اتفاق بين منسقية المعارضة وأحزاب المعارضة المشاركة في انتخابات 23 من نفمبر.
بنود الاتفاق:
أولا : تلتزم منسقية المعارضة بأنها ستعلن، وفي بيان صريح، بأنها لن تقبل بأن تشارك في أي انتخابات إلا إذا كانت على أساس التطبيق الكامل لنص مبادرة الرئيس مسعود.
ثانيا: وفي المقابل، يعلن حزبا تواصل و التحالف عن انسحابهما الفوري من انتخابات 23 من نوفمبر، وذلك بعد أن تأكدا من أنها لم تحترم أبسط قواعد الشفافية.
ثالثا : ترفض هذه الأحزاب مجتمعة أن تشارك في أي انتخابات لم يسبقها تطبيق كامل لنص مبادرة الرئيس مسعود، وتتعهد معا بالعمل على إفشال انتخابات 23 من نوفمبر، و أي انتخابات أحادية أخرى تنظمها السلطة القائمة بدون العودة إلى مبادرة الرئيس مسعود.
رابعا: في حالة قبول السلطة القائمة لمبادرة الرئيس مسعود، فإن الكتل السياسية الموقعة على هذه الاتفاقية تلتزم بما يلي:
1 ـ العمل بقوة وحزم من أجل فرض انتخابات شفافة.
2 ـ تلتزم هذه الأحزاب الموقعة على هذا الاتفاق أن تدعم أي مترشح من أحزابها يصل إلى الشوط الثاني في الانتخابات التشريعية القادمة، إذا ما واجه ذلك المترشح منافسا من خارج الأحزاب الموقعة على هذا الاتفاق. وهنا أود أن ألفت الانتباه إلى أن انتخابات 23 من نوفمبر قد أثبتت بأن هناك أمكانية كبيرة لأن تحقق المعارضة أغلبية برلمانية مريحة في أي انتخابات تتوفر على الحد الأدنى من الشفافية.
3 ـ يُحْرم أي حزب أخل بهذا الشرط من حصته في الحكومة التوافقية التي سيتم تشكيلها في حالة فوز الأحزاب الموقعة على هذا الاتفاق.
4 ـ وفي حالة الفوز في الانتخابات التشريعية فإن الكتل الموقعة على هذا الاتفاق تتعهد بما يلي:
ـ ترشيح الرئيس مسعود لرئاسة البرلمان القادم.
ـ تشكيل حكومة توافقية تشارك فيها كل الأحزاب على أن يكون اختيار الوزير الأول لها من نصيب حزب التكتل، في حين يُمنح لحزب تواصل وزيرين بالإضافة إلى نصيبه، على أن توزع بقية الحقائب الوزارية على الأحزاب حسب النسب التي حصلت عليها تلك الأحزاب في الانتخابات التشريعية.
ـ يجب أن يتوفر في الوزراء المقترحين للحكومة التوافقية التي سيتم تشكيلها بعد الانتخابات ما يلي : الكفاءة ـ الخبرة ـ عدم وجود أي شبهة أو تهمة تتعلق باختلاس المال العام، ولا يقبل أي وزير مقترح لا تتوفر فيه هذه الشروط.
5 ـ تلتزم هذه الأحزاب بتقديم مرشح توافقي من خارج أحزابها للانتخابات الرئاسية القادمة، على أن يكون ذلك المرشح شخصية وطنية مستقلة يشهد لها بالكفاءة والاستقامة، وتتمتع بعمق اجتماعي ووزن شعبي كبير.
في اعتقادي أن اتفاقا من هذا النوع سيمنح لديمقراطيتنا المتعثرة جرعة قوية، وسيبقى مثل هذا الاتفاق هو الوصفة الوحيدة التي يمكن لها أن تنقذ المعارضة بشقيها (المشارك والمقاطع) من هذا الضعف الذي تعاني منه. هذا فضلا عن كونه سيمكن هذه المعارضة إن عملت به من أن تأتي بأول رئيس موريتاني يصل إلى الرئاسة، من خارج القصر، ودون أن يكون مدعوما من السلطة الحاكمة. حفظ الله موريتانيا..