لمست في مقالكم أخي الكريم حماسا زائدا و أحسست حرارة تتقد بين جوانحك و كأنك تحكي عن فتوحات عظيمة و نجاحات حقيقية تعزز بنيان الدولة و تحيطه بمقومات البقاء , لكنني لم أستطع الإستسلام لهذا التدفق العشوائي الذي حاولت من خلالها سردا من وحي الخيال لا يمكن أن يستوعبه إلا كتاب من الكتب القديمة المضمومة على قصص من قبيل ألف ليلة و ليلة .
إن من يعيش على هذه الأرض اليوم بشرط أن يكون غير معتل بعلة ما , يدرك جيدا أن ما يقوم به "برام ولد أعبيد" لا يختلف إلا من حيث الأسوء عن ما يقوم به كثير رؤساء الأحزاب السياسية في البلاد من بلادة المتاجرة و سوء التدبير و إنحطاط التفكير , فأروع التجليات التي يمكن أن يطالعنا بها بيرام لا تعدو كونها تدويرا لنفيات صناعة العبودية التي لا تختلف عن صناعة الموت التي يمتهنها الغرب الذي يستمد منه "بيرام" إلهامه في شكل من العبودية دأب الغرب على ممارسته ضد كل أخرق يستعد لمناصبة أهله العداء و وطنه و دينه الجفاء . إن ماضي "بيرام" معروف في وظيفته التي أشرت إليها و معروف ما كان عليه من ممارسات لا توحي بمصداقية في النضال الذي أردت أن تلصقه به على نحو البطولة و الصمود في وجه الظلم و الإستعباد على حد قولك .
أما عن مئات الآلاف من المستعبدين , فأعتقد أنك تتكلم بلغة التسويق و أنت تشد الحزام إلى وجهة مجهولة وضعت شروطا قاسية للسماح بالدخول لأراضيها , فعن أي نوع من الإستعباد اليوم تتحدث؟ و عن أية أرقام تتكلم , فالواقع يضحد كل هذه الشطحات , و إذا كنت تتسائل عن أية عائلة اليوم أكبر من عائلة بيرام فعليك أن تعلم بأن بيرام يتحرك على الأرضية التي يتحرك عليها الجميع بمعنى أن حظوظ "بيرام" في الرقي بمرتبته الإجتماعية هي نفسها الحظوظ التي يتمتع بها الجميع , لكن أمثال "بيرام" يعبرون بلغة لا يمكن أن تكون لبقة لأن ذلك لا يخدم السياق الذي يحتم عليه ممارسة الفعل الذي يرضي الأسياد في الغرب الذين يذكون نيران الطائفية و العرقية في كل أنحاء العالم و يمسكون بزمام الفتنة التي لا تتورع كائناتهم التي تحرضها الأضواء و الدولارات عن العزف على أوتارها أينما حلوا.
أما عن قوة القانون التي ذكرت بأن "بيرام" ينتزع بها , فالقانون يستمد قوته من صاحب القانون , و مادام صاحب القانون هو سيد "بيرام" على حد قولك فكيف ينتزع المسود حقه بالقانون من سيده صاحب القانون؟!
العائلة الكبيرة موجودة و ستظل موجودة لأن قوانين الطبيعة معروفة و ثابتة , و مهما تعالت الأصوات في الشرق و في الغرب , فإن موريتانيا اليوم قد تخطت حقبة العبودية و لم يبقى من مخلفاتها إلا علاقات ندية تتعلق بالمصالح المتبادلة من غير تعنيف و لا إجبار , تلك العلاقات التي تولدها الحاجة و الجوار و الاخوة.
أما عن الجوائز و الميداليات و غيرها من الأثمان الرخيصة على حساب الإنتماء فلا تشرف أي عاقل على وجه المعمورة , لأن العالم بأسره يعرف بأن الغرب لا يقلدها ألا لمن ثبت لديه أنه يسير في فلك التبعية المطلقة لما يخدم أكبر مستعبد في العالم المتمثل في دول الكفر و الظلم و الإحتلال و الإستعباد.
مؤسف جدا أن يختمر العجز في أذهان البشر , و أن يستسلم الإنسان لويلات التفكير , و يكون جسمه غربالا يرشح منه عقله في أكثر من موضع , لكن قدر وطننا أن تطل عليه المصائب و النكبات من أبنائه المسكونين بالجشع و الطمع متاجرة بكل ما يمكلون من أجل المال و الأضواء و مكبرات الصوت , , , , , ,