بسم الله و الحمد لله و الصلاة و السلام على رسول الله، و بعد، فقد قرأنا ردا "في موقع موريتانيا الآن، على مقال كتبناه، لأحد التواصليين في كلمات متناثرة لم يعرف صاحبها كيف يجعلها في السياق المظنون بها، فظل يعوم كما يعوم أسياده من قادة فرع الإخوان المسلمين في موريتانيا في عالم السياسة، فبدأ الجاني على نفسه، المدعو "علي" بالحديث عن طلب
الإنصاف و هو يعلم تمام العلم أن الإنصاف لا يعطي لأمثاله أكثر من أن يحشروا في الزاوية الضيقة من هذا الذي يسمونه "منكبا برزخيا" و نسميه نحن وطنا نعتز به. إن التحليل الذي قدمناه له لو لا أن أعمته الحمية حمية الجاهلية عن الحق، لكان رآه قراءة منصفة متأنية لحال تواصل، و لما آل إليه منذ إنشاءه إلى يومنا هذا.
فلن ينسى القارئ الكريم، الذي تتهمنا بمحاولة تضليله، أنكم ساندتم النظام و سميتم أنفسكم "معارضة ناصحة" من أجل مكاسب كنتم طامحين إليه أو بالأحرى و الأصح طامعين فيها لدى رجل يعرف عنكم أكثر مما تعرفون عن أنفسكم، ففهم لغتكم و أسلوبكم، و عرف أنكم تريدون شيئا لما بعد تبلغوا السن التي تسمح لكم بالحصول عليه، نظرا لأنكم لا تزالون كما تعلمون في طور النمو الفكري و السياسي و تعيشون في مرحلة مراهقة سياسية، و لما يئستم منه هجرتموه و توجهتم إلى منسقية المعارضة لتجعلوا منها وسيلة تتيح لكم الفرصة في أن تحصدوا ما لم تحلموا يوما بالحصول عليه، و الكل يعلم أنكم لن تحصدوا مثل ما حصدتم لو كنتم شاركتم بحضرة الأحزاب التي خذلتم و تقاعستم عن نصرتها، رغم الحلف الذي بينكم و بينها، فقد أظهرت أنها أكثر وفاء للعهد منكم، بدليل انتظارها تجميدكم لعضويتكم معها، و لما أحسستم أن خروجها من الإنتخابات سيكون وسيلتكم المثلى لكسب رهان ما – ولو بطريقة غير شريفة و لا مرضية - و تخطي مراحل أنتم أحوج ما تكونون للمرور بها من أجل اثبات ذاتكم، و إقناع الناخب الموريتاني بأنكم الأجدر و الأحق بثقته.
فأين هي المبادئ التي كنتم تدعون إليها؟
ثم تعال و أخبرنا من قال لك أننا اتهمنا تواصل بشرف الإسلام الذي إن كنت تفهم جيدا و تعي ما كتب لكنت لاحظت أنه هنالك بعض الأشياء التي أصر الإسلام على ضرورة المحافظة عليها و لما تستطيعوا أن تحافظوا عليها على مر عمركم الفتي كحزب سياسي، فأين هو العهد المسؤول، و أين هي الكرامة و العزة و الإباء و الترفع عن استغفال الناس و التلاعب بحقوقهم، تطالبكم المنسقية اليوم بنسبة وافرة من مكسبكم الذي تحصلتم عليه ؟، الم تفهموا من خلال تحركها "مقاطعون" أنكم أنتم هم الهدف الخفي وراء ذلك التحرك؟
أليس من الواضح طمعكم حين ننظر لتصريحات قادتكم، حين يقول لنا جميل بأنه يرفض تأجيل الإنتخابات، ثم يعود بعد أن أجلت ليخرج علينا ببيان كبيانه الذي خرج علينا به إبان حرق الكتب التي تمثل مركزية أساسية في المذهب المالكي، ثم يبطن تهجما على المالكية كأنما قال أهل موريتانيا أنه لو قال مالك ما يخالف كلام رسول الله لأخذنا به، و العياذ بالله، فلا ننسى عبارتكم التي لها عدة مدلولات ربما أهمها استصغار المذهب الذي نعتنقه و نسير على نهجه نحن أهل هذا البلد الذين بلينا بأنكم منا و بليتم بأنكم لستم من مصر أو من تلك البلدان التي هاهي تعيش آلاما أنتم و امتدادكم الخارجي سببا رئيسا إن لم نقل وحيدا فيما تعيشه.
لقد أكدت لنا من خلال هذه الفقرة أننا كنا على صواب حين قلت (أن تواصل كان على وعي تام بخياره) و نضع لك محل النقاط "خيار التخلي عن الحلفاء" الذين فتحوا صدورهم لكم حين سدت عليكم الأبواب و بقيتم في منتصف الطريق لا أنتم حصدتم مبتغاكم لدى "السلطة" و لا أنتم نجحتم في مسعاكم كي تكونوا معارضة ناصحة بكل ما تعنيه الكلمة من معنى.
بأي برهان و دليل تريد أن نصدق أن من يخون العهد و يطمع فيما لا يستحق بطرق غير مشروعة على حد الشرع الذي تستأثرون به لأنفسكم رغم أن محمدا ابن عبد الله صلى الله عليه و سلم بعث رسولا للعالمين لا للتواصليين لوحدهم.
ثم تأتي في ضعف في الفهم لتقول أن الإسلام مفخرة لتواصل فكأنما تحاول أن توجه ما كتبنا لك إلى مبتغى ابتغيته لنفسك و لحزبك، فما كتب إنما هو تذكير لكم أن المسلمين في حروبهم لم يتخلوا بتاتا عن حليف من حلفائهم و لم ينقضوا عهدا و لم يطمعوا في حيلة توصلهم لمبتغاهم و تظهرهم على أنهم خونة أو ما شابه، فهاهنا أضطررنا لتوضيح لك ما لم يصل إليه عقلك الفارغ من التصور و الفهم و المملوء بالأفكار السامة التي تكاد تقضي على هويتك كمسلم.
إن مجرد التفكير بأن الإسلام ملك لشخص أو لجهة أو حزب فذلك يجعل ممن كان هكذا تفكيره جاهلا تماما بمقاصد الشرع و ناقصا في الفهم الصحيح للإسلام.
إن الإسلام دين دولتنا و هو مصدر شرائعها فلا تجد في هذا البلد قانونا ينافي لشرع الله، و لا يغيب جزءا من حقيقة هويتنا كمسلمين مؤمنين بالله و برسله و ملائكته و كتبه و القدر خيره و شره.
فأين المفر يا أصحاب الفكر المستورد و أصحاب التبعية العمياء لدراهم تمدكم بها أياد خفية جعلت منكم أداة لها بين ظهرانينا و جعلتنا كأنما نحن على عداوة معكم، بيد أننا إنما نحاول أن نقربكم أكثر من وطنكم و نبعدكم عن تلك المزاعم التي جاءكم بها طماعون يحكمونكم و يسيرونكم حتى التبس عليكم الفرق بين حمل الفكر التنويري للدين الإسلامي و بين حمل مشعل التبعية لأصحاب فكر هم أنفسهم في عقر دارهم لم يستطيعوا أن يجعلوا منه سوى نار موقدة في شعوبهم حتى صارت الكلاب تنهش في لحمهم.
فلا نحن سيدي الكريم، نقبل منكم هذا الإمتداد الذي لا يعبر عن وطن نحن و إياكم فيه كراكبي السفينة إن غرقت غرق الجميع و إن نجت نجا الجميع.
أما عن صياح المنسقية ففعلا أنتم أو على الأقل قادتكم كانوا هم أكثر قادة المنسقية صراخا و صياحا حتى وصل بهم الأمر إلى قسم اليمين المغلظة على أن أقداما قد عجزت عن حمل جسم رجل ما أراد بكم إلا الخير حين أعطاكم الفرصة لتكونوا مواطنين من الدرجة الأولى بعدما أن عشتم في الدرجة العاشرة تحت الأشجار و بين السيارات الواقفة هنا و هناك، و تحت ظلال الجدران، و بين سهول و هضاب و جبال موريتانيا الحبيبة، تتربصكم أيادي الظلام و الجهل، تعتقلكم تارة و تعذبكم أخرى تجعل منكم كبش فداء عند استشعار أي خطر يحدق بهذا البلد أو بالأحرى يحدق بمنظومة الظلم و الجبروت التي عشتم تحت رايتها ردحا من الزمن.
فأنتم سواء في المنسقية أو المعارضة الناصحة، أو حتى و أنتم الآن تتوددون للمعارضة المحاورة، تزعزعون وحدة و استقرار الكتل السياسية في هذا البلد، و تجعلون منها وسيلة أو بالأحرى مطية إلى مطامعكم التي لو كانت بطرق مشروعة لكانت بحق حقكم الثابت، إلا أنه بأساليبكم المخادعة تارة و المراوغة تارة أخرى، جعلتم من أنفسكم شبحا يخشاه كل من يمد يده إليكم أو تستعطفونه بأساليبكم التي ربما فهمتها كل الأقطاب الموجودة في ساحتنا السياسية.
أما عن تواصل المتواصل مع كل أطياف الشعب الموريتاني فهذه حقيقة لا مراء فيها و لكن الهدف منها ليس ربط تلك الأوصال بل تقطيعها فلما رأيناكم تنحازون لقلة من الزنوج يطالبون بأن تبقى موريتانيا فوضى لكل داخل إليها و خارج منها، ماذا عسانا نقول عنكم؟ و حين نراكم تنادون بإسقاط النظام و أنتم تعلمون أن الشعوب العربية التي سقطت أنظمتها لا تزال الزلازل و الكوارث الأمنية تحدق بها إلى يومنا هذا، و لا أدل على ذلك مما يحدث في مصر و سورية و كذلك في العراق و اليمن و ليبيا و حتى تونس التي هي على شفا أزمة سياسية كله بسبب إسقاط الأنظمة و محاولة قلب نظام الحكم عن طريق الشارع، فما عسانا نقول فيكم و هذه حالكم؟
أما و أنت تعود بنا للكعكة الحلوة و القاموس المادي الضيق، فهنا دعنا نذكرك بأنات هذا الشعب الذي خدعتموه بنظام علاقاتكم الواسع التي أدت إلى حرمان كل الضعفاء من حقوقهم في صدقات المسلمين التي جعلتم منها وسيلة كسب تنفقونها على حزبكم و طلابكم و مساجدكم رغم الفقر المتقع الذي يعيشه أبناء هذا الوطن و رغم أن تلك الصدقات كانت تقسم عليهم فينتفعون بها و تزيدهم سعادة، فحرموا على أيديكم و أيدي علمائكم بإجتهادات جعلتم منها مطية للتكسب الغير مشروع، فأنت تحدثنا عن المادة و الكعكة أتعجب كيف أنك لا تدرك أن الكعكة الكبرى لا تأتي إلا من خليج الذهب الأسود الذي تسعف صدقات أهله الفقراء و المساكين و المولفة قلوبهم و في الرقاب و الغارمين و غيرهم، فمن ألئك بنظرك، هل هم طلاب و مريدي جمعية المستقبل و مركز تكوين العلماء ؟ أم هم سكان لمغيطي، الترحيل، الحي الساكن، الفلوجة، علك شربه، أمورات، توجنين، السبخة، البصرة، تيارت، و غيرهم من فقراء هذا البلد الذين تصل نسبتهم إلى ما يزيد عن 40% من السكان ؟
و ها أنت مرة أخرى تعود لتزيد على نفسك الطين بله، حين تقول بفصلنا نحن المسلمون الدين عن الدولة بيد أن الوطن يعلم قاصيه و دانيه أن موريتانيا لا تضع شعار الجمهورية الإسلامية الموريتانية بل إنها تجسده على أرض الواقع من خلال كل تلك المؤسسات الدينية التي تنفق عليها الدولة مليارات الأوقية و كل ألئك العلماء الذين لهم رأي في الدين و السياسة و لهم نصح يقدموه لأولياء الأمر في هذا البلد، كما كان الحال في أزمنة متعاقبة من تاريخ الأمة الإسلامية بدأ بالأمويين و نهاية إلى العباسيين حيث كان للأمة ذات الدور الذي لهم في وطنك، و ليتنا نعرف من أي منظار تنظر لهذا الوطن و هل يا ترى تعرف حقوقه عليك و تلتزم بها ؟
في الأخير أتمنى لك أن تفهم الأمور قبل الخوض فيها، و أن تعي الواقع قبل الغوص في الدفاع عن متهم لا تدري ما تهمته و لا ما ينتظره من عقاب، أما الكعكة و الشطحات الصبيانية، فتلك نتركها لك تزيد بها رصيد "الأخلاق" لديك، إن كانت من الأخلاق أصلا. و مثلها فيما كتبت كثير.
السلام عليكم.