نصر للسلطة أم مسرح "هزلي" .."مأساة" رجل أم "فتح" إسلامي؟ / الشيخ بكاي

altأسدل الستار على الفصل الأول من ما تصفه المعارضة الراديكالية الموريتانية بــ "المسرحية الهزلية"، وتعتبره السلطة وأنصارها "تشييعا لجثمان" المعارضة "الرافضة"، و"نصرا مؤزرا" لها هي. ويعتبره محللون "فتحا" لجماعة الإخوان المسلمين، و"مأساة" لــ "العربي الأسمر" مسعود ولد بلخير و"الإخوان الناصريين" الباقين معه.

ربما كان في كل تلك النعوت والآراء جزء من حقيقة الجولة الأولى من انتخابات نفمبر 2013

وسأبدأ بـ "المسرحية الهزلية":

لن أتبنى مع المعارضة "الراديكالية" وصفها للانتخابات بـ "المسرحية الهزلية" رغم أن ذلك يسهل علي مثلا القول إن إخراجها كان سيئا، وإن بعض الممثلين الكبار فيها و" الكومبارس" أدوا أدوارهم في شكل فج وغير احترافي، مثل هذا المرشح على قائمة الحزب الحاكم الذي يدعو أنصاره إلى التصويت له هو على قائمة الحزب، والتصويت لشخص آخر على قائمة حزب آخر ضد مرشح من حزبه على قائمة أخرى.

ومثل هذا " الكومبارس" الذي يأتي وفي يده بطاقة شخص آخر ويسمح له بالتصويت نيابة عنه أو بالدخول معه خلف العازل..

ومثل هذا الشخص العامل في مكتب انتخابي الذي يخاطب الناخب وهو يقدم إليه البطاقات: ( هذه بطاقة فلان، وتلك بطاقة الرمز الفلاني، وهذه للرمز كذا، ويترك البطاقة الرابعة) في إشارة واضحة إلى عدم التصويت لها. والغريب أن البطاقة المغضوب عليها مرشح صاحبها على إحدى قوائم الحزب الذي يوجه هذا الشخص الناخب إلى التصويت له...

ومثل هذه الشخصية القيادية التي تقول في المهرجانات: " نحن حزبيون..." وتكلف بعض المقربين إليها بتنظيم حملة سرية ضد مرشح على إحدى قوائم حزبها لصالح حزب آخر..

وما دمنا في موضوع المسرح وإخراجه السيئ أميل إلى إدخال الطريقة التي قسطت بها " اللجنة الوطنية المستقلة للانتخابات النتائج" في إطار "الكوميديا السوداء"، لكن ليست لدي الإثباتات الكافية، ولا أريد أن أزيد هموم طيبة الذكر صاحبة العفة والفضيلة، فيكفيها ما هي فيه... سأقول فقط إنه لا يزعجني وضع الآخرين لها بين خانتي العجز والتزوير، أو اتهامها بهما معا..

"تشييع لجثمان المعارضة"؟

هذا ما يقول القريبون من السلطة، وهو غير دقيق. فالمعارضة حية ترزق وبياناتها تنعى إلى الموريتانيين "نظام محمد ولد عبد العزيز"، وتعتبر الانتخابات آخر مسمار في نعشه. وهذا أيضا غير دقيق.

الواقع أنه لبعض أحزاب المعارضة المقاطعة تجربة سابقة في عزل نفسه خارج المؤسسات المنتخبة ولم يمت هذا البعض بفعل ذلك وإن عرف مؤقتا انحسار مد، وداخلت الحيرة بعض أنصاره لبعض الوقت. ونقاط قوة اثنين من أحزابها أنهما يقومان على أسس صلبة أيديولوجية بالنسبة إلى أحدهما، وانسجاما خاصا يقوم على الوفاء بالنسبة إلى الآخر.. في الأزمات ينسحب "الجدد"، و"الهوامش"، ومتحينوا الفرص. ويبقى اللب... وحينما تستجد ظروف يعود الراحلون الذين لم يجدوا في رحلة الانتجاع ما حلموا به، أويحل منتجعون جدد يجهلون أن أرض المعارضة يباب، وآخرون منسحبون إليها "تكتيكيا" في انتظار رحلة انتجاع جديدة.

هي إذن لم تمت يقينا، لكنها تعرضت للكمات قاسية بأقدام الناخبين الذين اندفعوا في شكل فاجأ المراقبين إلى صناديق الاقتراع ، وداسوا شعارات الدعوة إلى المقاطعة التي راهنت عليها. ثم إنني أخشى ألا تكون تجربة "العزلة" الحالية مثل سابقاتها، فظروف البلد لم تعد هي، والمعارضة نفسها لم تعد هي؛. وتغيب عن فعلها الآن شخصيات لها ألقها وتاريخها النضالي.

و"النظام"؟

لا يستطيع أعتى مؤيدي النظام (بينه وبين نفسه) ادعاء أن الأمور جرت على ما يرام... فقد كان أجدى للبلد ولنظام حكمه إجراء انتخابات "توافقية" ولا أبرئ المقاطعين من نصيبهم من التعنت، والتعلق بشعارات "طوباوية" غيرأن النظام أيضا لم يبد القدر الكافي من المرونة بالدرجة التي تزيل أي ذرائع يستند إليها المقاطعون.

ليس دقيقا – كما أسلفت - أن الانتخابات كانت آخر مسمار في نعش النظام .. الصورة عكس ذلك. فبغض النظر عن أي "خروقات"، و "نواقص"، مكنت الانتخابات النظام من تحقيق الغلبة في البرلمان والمجالس المحلية، مع حضور للأحزاب الصغيرة الدائرة في فلكه، وحضور ملموس لأحزاب معارضة وازنة، لا يمكن الغمز في نسبها. قد تحالف هنا، وتخالف هناك، وهذه طبيعة السياسة.. ومن دون شك يضفي حضورها صدقية على المؤسسات المنتخبة، ويجرد "المعارضة الراديكالية" والمراهنين على "الشركاء في التنمية" - فرنسا خصوصا- من سلاح "الإقصاء".

ووضعية النظام نفسه داخليا ليست بذلك السوء الذي يصوره خصومه في العلن، وبعض اللاهثين خلفه في مجالسهم الخاصة.. ولست هنا معنيا بالدفاع عنه، فلا شيء يلزمني ببتبني سياساته، بل يمكنني القول إنني من ضحايا الطريقة التي يسير بها البلاد.. لكن شئنا أم أبينا للرئيس محمد ولد عبد العزيز – وليس نظامه – تقدير كبير في أوساط شعبية عادية ممتنة لبعض السياسات الاجتماعية التي تلمسها في حياتها اليومية.. هو انطباع ارتسم في ذهني خلال الرحلات المتكررة إلى البوادي والقرى الموريتانية التي "أعتكف" مع سكانها في بعض المناطق لفترات تتجاوز أحيانا ثلاثة أشهر متتالية.

ومواقف الانسان العادي الذي لا يوصله مستواه الفكري والسياسي إلى حيث ينافق مثلما ينافق معظم أطرنا ووجهائنا هي المهمة والصادقة.

أما عوامل القوة الأخرى فهي بارزة إلى درجة أصابت بعضنا باليأس حد اللجوء إلى جريمة الدعوة إلى الانقلابات العسكرية بوصفها الطريقة الوحيدة للتغيير.. جريمة لا يدعو إليها من يؤمن حقا بالتغيير.. وبالمناسبة لن يبكي أطفالي إذا حدث انقلاب... سأقلق أنا فقط لساعات خوفا على استقرار البلد، قبل أن تؤيد الأحزاب المعارضة "التغيير"، ويتسابق مؤيدو النظام إلى لعنه، ويتحول "الاتحاد من أجل الجمهورية" إلى حزب " داعل"، أو اي اسم آخر، وننطلق في مغامرة جديدة، تغير الشكل وتبقى على ما يؤرقنا.

نصر للإخوان المسلمين؟

من دون شك حققت جماعة الإخوان المسلمين في حزب "تواصل" نتائج مشرفة وفرضت نفسها شريكا سياسيا لا يمكن تجاهله.. وخلال الحملة الانتخابية اتسم فعلها باحترافية كبيرة وذكاء.. ولكي لا أترك القارئ يحلل هذه المقدمة "الغزلية"، أقول إني لم أصوت لحزب "تواصل"، فقد استخدمت بطاقتي ضد مرشحيه على القوائم الأربع..

لقد حقق الاسلاميون مفاجأة لهم أن يفخروا بها، ومن حقهم أن يجنوا ثمرتها.. أما كيف تحققت" ولماذا؟ فهذه أمور مهمة يقود الخوض فيها إلى الرجوع إلى قرار "إخوتهم" في منسقية المعارضة بالمقاطعة، والعامل القبلي الذي طغى في شكل يثير الغثيان في هذه الانتخابات، وخيارات الحزب الحاكم في مرشحيه. لكننا هنا نتعاطى مع واقع خلقته الانتخابات و دفع بهذه الجماعة إلى الواجهة.

"مأساة لـ "العربي الأسمر مسعود؟

من أبرز ما ميز هذه الانتخابات تراجع أداء حزب التحالف الشعبي الذي يقوده مسعود ولد بلخير، ولذلك أسباب منها في رأيي الانشقاقات داخل حزبه وتحول بعض مناصريه إلى الراديكالية الزائدة،. غير أنه من شأن النواب السبعة الذين حصل عليهم الحزب ومن بينهم "العربي الأسمر" نفسه أن يبقوه صوتا قويا تحت قبة البرلمان.

وتبقى فوق ذلك كارزمية الرجل وتاريخه النضالي ضد العبودية ومن أجل المساواة، وضد أنظمة القمع .. ويبقى اعتبار كثيرين له ضمانة لاستقرار البلد وسلمه الاجتماعي.

ومثل كل السياسيين في البلد لا تربطني بمسعود إلا علاقة صحفي مهني مستقل برجل سياسة .

ماذا بعد؟

سيطالب الإسلاميون بزعامة المعارضة.. وهي لهم بحكم نتائج الانتخابات.. وسيرغب كثيرون - أنا منهم - في أن يتخلى الحزب الحاكم عن رئاسة الجمعية الوطنية ويجدد الثقة في مسعود رئيسا لها. لكن أعصاب النواب الجدد لن تهدأ، ولن يطمئن الجدد منهم وهم يتحسسون جيوبهم وقد ابتلت بعد جفاف .. فأمامنا خلال أشهر معدودة انتخابات رئاسية سيتحول البرلمان والمجالس البلدية موضوعا لها.. ستطالب المعارضة المقاطعة بإلغائهما شرطا للحوار بشأن المشاركة في الرئاسيات. بل إنها قد تكون الشرط الأهم محاطا بشروط أخرى أقل "تعجيزا" ضمن مراجعة "براغماتيكية" لمواقفها.

وفي انتظار الانتخابات الرئاسية القادمة أتمنى للجميع التوفيق.

5. ديسمبر 2013 - 15:45

أحدث المقالات

كتاب موريتانيا