قبعتي لك يا نيلسون ...ونظرتي الخاصة لـ "التمييز العنصري" / محمد جبريل

أكتب هذا المقال والعالم لمَّا يودع الحقوقي العظيم الزعيم الافريقي ، بل وزعيم كل متشوف لعدالة الإنسان من أخيه الإنسان وما ذلكم إلا الزعيم الرائع نيلسون مانديلا أجدني مضطرا لرفع قبعتي للرجل وكلي احترام واجلال له .

إن قضية التمييز بين البشرية هي قضية مفارقة للطبيعة البشرية السوية وبالنظر إلى جذور نظرية التفاضل بين المخلوقات فسندرك أنها لاحقة لا سابقة بمعنى أن البشرية لم تكن من تبنى هذه النظرية بل كان الجن أول من آمن بها ،تمثل ذلك في رؤية ابليس للفضل على أبي البشرية آدم عليه السلام .

ورغم المفاصلة بين العالمين الجان والانس إلا أن عقلية التفاضل من منظور بشري سرعان ما انتقلت إلى النواة الأولى للبشرية قصة هابيل وقابيل ابني آدم نموذجا على ذلك .

والسؤال الجوهري في القضية هو هل كانت القصتين لتحدث لو لا أن المخلوقات ما تزال في طور التكوين والنضج البشري الذي لا يتحقق إلا بالقيم الإيمانية التي مصدرها الخالق والرسل هم مبشروها ؟

حسب تصوري فإن مشكلة الميز العنصري لا يمكن حلها أو تجاوزها وهما خياران مطروحان للبشرية فمسألة الحل حصرية على الدين أما التجاوز فهي بإمكان البشرية الوصول إليها وكلا النموذجين لهما من الواقع ما يعززهما فمبدأ الحل الجذري مثاله الدولة الاسلامية في عصورها الذهبية ونموذج التجاوز يتجسد في تجاوز الشعب الأمريكي للظاهرة بالإضافة إلى انهيار نظام "الآبرتايد" على يد الزعيم الراحل نيلسون مانديلا مع نسبية الحالتين طبعا.

وللتوضيح دعوني أتحدث عن كل نموذج من النموذجين (الحل والتجاوز) باعتبارهما الحلين الأمثلين لقضية التمييز العنصري بين البشرية مع تفضيلي للنموذج الديني (الاسلام) وذلك لمفارقته للأهواء والايدلوجيات و للتوضيح سأتحدث عن كل نموذج على حدة .

يقوم الدين على مبدإ تحقيق الخضوع والانكسار للخالق وحده وهذه حقيقة تكفي للرد على كل من يريد اخضاع أخيه الانسان لرغباته ونزواته الخاصة ،إن خصوصية الانسان واستقلاليته لا يمنحهما إلا لصاحب الفضل الأعظم عليه وهو الخالق جلت قدرته .

وانطلاقا من هذه المبدئية فإن المؤمنين بالمفهوم العام هم وحدهم القادرون على إيجاد حل جذري لظاهرة التمييز العرقي والسبب هو الإيمان الوثيق بتوجهات الدين الحق الذي يخضع له الجميع بقطع النظر عن اللون أو العرق أو اللغة واعتبار ذلك مصدر ثراء للبشرية لا مصدر تفاوت وتفاضل ويذهب الدين إلى أبعد من ذلك ليشفي رغبة الإنسان في الفضل والتميز وذلك بوضع معيار واحد لذلك  هو التقوى .

أما نموذج التجاوز الذي بمقدور البشرية تحقيقه فيكمن في ضرورة انطلاق من احترام كليات لا غنى للإنسان أي إنسان عنها ومن هذه الكليات الحرية والمساواة والعدالة والاحترام وهذه الكليات هي أول ضحايا نظرية التمييز العنصري بين البشرية . إن إعلاء بعض حقوقيي العالم لهذه الكليات والتبشير بها وتعميمها على الإنسان بقطع النظر عن لونه أو عرقه أوثقافته ودينه كانت السمة الناظمة لنجاح دعوته وتأثير نضاله في دنيا الناس.

فالتمييز ليس نظاما من وجهة نظري كما هو شائع بل هو سلوك بشري محض يجب استهداف الإنسان نفسه في محاربته انطلاقا من حاجته لتلك الكليات المذكورة آنفا وهذا ما أرى أنه كان السبب وراء نجاح أساطرة الدفاع عن حقوق الانسان من أمثال الزعيم الافريقي الراحل مانديلا والامريكي الأسود مارتن .

وتبدو هذه الفلسفة جلية ومؤثرة حينما ترى أن الزعيمين استطاعا أن يستقطبا الكثير ممن كانوا الأمس القريب يمارسون التمييز في مجتمعاتهم .

فالخطأ كل الخطأ أن نحصر الهدف في محاربة الظاهرة على الاصطفاف بين الاسياد والعبيد وتعبئة المتضررين فقط دون غيرهم ولعل هذا ما يميز بين أمثال أولئك الحقوقيين الأوائل وبين الحقوقيين الجدد .

فما لم يع الحقوقيون الجدد ضرورة المعالجة الشاملة لظاهرة التمييز العنصري وأنها لا تستغني عن توجيه الخطاب وتعميمه انطلاقا من الكليات العامة من حرية واستقلالية واحترام ...فسيظل طرحهم قاسما لا ناظما وعندها تتفوق ردة الفعل الانتقامية على الحكمة والتعقل .

7. ديسمبر 2013 - 20:44

أحدث المقالات

كتاب موريتانيا