لما كان الأصل في العقود الحرية وأن للأفراد الحق في إبرام ما يشاءون من العقود وبالشروط التي يرتضيانها ولا يقيدهم في ذلك إلا القانون أو النظام العام، وأن لهذه العقود القوة الملزمة بين أطرافها، كان ذلك على أساس مفترض هو التوازن العقدي، إلا أن التطورات الاقتصادية والتكنولوجية، ووفرة المنتوج والخدمات، أدت إلى بروز أنماط جديدة من العقود يختل فيها التوازن بين أطراف العلاقة العقدية، بحيث نكون أمام طرف مهني يستطيع تطويع مفاصل العقد لصالحه وبين طرف مستهلك ضعيف لا يملك إلا أن يقبل بالشروط التي تفرض عليه تحت تأثير إشباع حاجياته
وأمام هذا الواقع كان لا بد للقانون أن يتدخل من أجل إعادة التوازن وحماية الطرف الضعيف، فالمستهلك في النهاية فاعل في دورة الإنتاج وهدفها، فظهرت أولى المحاولات في فرنسا من خلال مجموعة من النصوص القانونية المتناثرة، توجت بإصدار مدونة الاستهلاك سنة 1993[1] قبل أن تلغى ويعاد تنظيمها بقانون 14 مارس 2016
ونظرا لكون بلداننا المغاربية لم تكن بمعزل عن هذه المتغيرات الاقتصادية والتكنولوجية كانت الحاجة إلى إصدار تشريع يحمي المستهلك أمر لا بد منه، فصدر في تونس القانون رقم 117 لسنة 1992 المتعلق بحماية المستهلك، وفي المغرب وبعد عقدين تقريبا من هذا التاريخ صدر القانون رقم 31.08 المتضمن مدونة حماية المستهلك، والذي اعتبر حينها ثورة على القواعد العامة وشكل مرحلة فارغة في تاريخ حماية المستهلك المغربي
وفي موريتانيا _ونظرا لعوامل عديدة_ لم تكن حماية المستهلك أولوية فكان علينا أن ننتظر حتى سنة 2020 ليصدر القانون رقم 007-2020 المتعلق بحماية المستهلك
لقد أُثار هذا القانون جدلا واسعا بلغ صداه قبة البرلمان واستمر حتى وصل المجلس الدستوري بعد رسالة موقعة من طرف 53 نائبا برلمانيا _وهي النصاب المتطلب دستوريا لممارسة المجلس الدستوري رقابته القبلية على دستورية القوانين العادية_ تطلب البت بعدم دستورية هذا القانون، إلا أنه وبعد ضغوط سياسية[2] اضطر سبعة من النواب إلى سحب توقيعاتهم وهو ما أدى بالمجلس الدستوري إلى رفض الطلب شكلا لعدم اكتمال النصاب الدستوري المتمثل في ثلث نواب الجمعية الوطنية[3]
هكذا إذن وبعد مرور 4 سنوات تقريبا من دخول هذا القانون حيز التنفيذ، _سنوات كان فيها واقع المستهلك أحوج ما يكون إلى الحماية، كورونا والتضخم والأزمة الاقتصادية الناتجة عن حرب أكرانيا_ نأتي اليوم لنحاول أن نقدم قراءة في قانون حماية المستهلك، نظرا لأهمية هذا القانون وأثره المباشر على واقع الأشخاص وظروفهم المعيشية، وبناء على هذه الأهمية يمكننا أن نتساءل ونطرح الإشكال التالي: هل استطاع قانون 007-2020 أن يوفر الحماية اللازمة للمستهلك الموريتاني؟
للإجابة على هذه الإشكالية سنتناول مظاهر الحماية في محور أول على أن نتناول قصور قانون حماية المستهلك في محور ثان
المحور الأول: مظاهر حماية المستهلك في القانون الموريتاني
يمكن القول بداية أن تشريعات حماية المستهلك لم تكن في عمومها إلا ردة فعل على عدم قدرة إرادة الأطراف على تحقيق التوازن العقدي، فتراجع مبدأ سلطان الإدارة أفسح المجال لإرادة القانون لتحل محل إرادة الأطراف
وعلى كل فقد جاء قانون حماية المستهلك الموريتاني[4] في 93 مادة موزعة على اثني عشر فصلا، وبرجوعنا إلى هذه المواد نجد أن الحماية التي وفرها هذا القانون تقتصر على الحماية الجنائية دون المدنية، حيث تضمن هذا القانون مجموعة من الجنح والمخالفات، تتراوح جزاءاتها السالبة للحرية بين 30 يوما حبسا كحد أدني في بعض المخالفات، وخمس سنوات سجنا كحد أعلى في بعض الجنح، بينما تتراوح الغرامة بين خمسة آلاف كحد أدنى وخمس مليون كحد أعلى
ونظرا لأن هذه الجنح والمخالفات متعددة ولا تمكن الإحاطة بها في مقال، سنركز على الحماية المقررة للالتزام بالإعلام نظرا للدور الذي يلعبه في تكوين إرادة المستهلك وحمايتها من العيوب التي تلحق الإرادة، ويعرف الالتزام بالإعلام بأنه: "ذلك الالتزام الذي يقع على عاتق المهني والذي بمقتضاه يعلم ويبصر المستهلك بالمعلومات الجوهرية المتعلقة بالعقد والتي يتخذ المستهلك بناء عليها قراره بإتمام التعاقد من عدمه[5]" وقد ميز قانون حماية المستهلك في إطار الالتزام بالإعلام بين الالتزام بوضع الملصقات (أولا) والالتزام بعرض الأسعار (ثانيا)
أولا: الالتزام بوضع الملصقات
وفقا للمادة الثالثة من ق ح م يجب أن يوضع المستهلك في الظروف التي تسمح له بالحصول على أي معلومات مفيدة عن المنتج المعروض عليه للاستهلاك، ويتأتى ذلك من بين أمور أخرى عن طريق الملصق الذي يكون على المنتوج، وتعرف الملصقات وفقا للمادة الثانية بأنها "أي كتابة أو علامة أو صورة أو أي مادة أخرى ترافق المنتج وتصف خصائصه بهدف إبلاغ المستهلك بموضوعية، خصوصا حول تكوين المنتج ومنشئه وظروف استخدامه"
ويجب أن تتضمن هذه الملصقات مجموعة من البيانات من بينها مثلا التسمية وقائمة المكونات والوزن وتاريخ الاستهلاك وتاريخ الصلاحيات، وتعليمات أو شروط الاستخدام، ووفقا للمادة 8 يجب أن تكون المعلومات الإلزامية مقروءة ومكتوبة بطابع وحجم يتيح للمستهلكين قراءتها، كما يجب أن تكتب هذه المعلومات باللغة العربية والفرنسية
وحماية للمستهلك من عدم احترام المهني لهذا الالتزام فقد وضع المشرع مجموعة من الجزاءات تطبق في حال عدم احترام هذه القواعد، فقد نصت المادة 78 من ق ح م على أنه " يعاقب على استيراد وعرض أي منتج غذائي أو أي منتج آخر في السوق لا يحتوي على ملصق وفق الأشكال القانونية المنصوص عليها بغرامة تتراوح بين 10.000 و200.000 أوقية وبالحبس لمدة 6 أشهر إلى سنة واحدة أو بإحدى هاتين العقوبتين فقط. تطبق نفس العقوبة على أي مستورد أو منتج يضع في السوق منتجات تحتوي ملصقاتها على معلومات غير دقيقة"، كما نصت المادة 79 على أنه: "يعاقب على استيراد وعرض أي منتج في السوق تكون ملصقاته كاذبة أو مزيفة بغرامة تتراوح بين 20.000 و200.000 أوقية وبالحبس من 30 يوما إلى سنة واحدة أو بإحدى هاتين العقوبتين فقط"
إلا أن ما يلاحظ في هذا المجال هو أن المشرع اقتصر على إعلام المستهلك في العقود التي يكون محلها منتج دون تلك التي يكون محلها خدمة، وهو توجه خاطئ في اعتقادي، نظرا لانتشار عقود الخدمات وتزايدها يوما بعد يوم، إضافة إلى أنه لا يوجد فرق بين المستهلك في العقد الذي تكون محله خدمة، والعقد الذي يكون محله منتج، ففي كل الأحوال يفترض في المستهلك _حسب الفقه والقضاء الفرنسيين_ الجهل وعدم المعرفة بتركيبة العقد الذي يقدم عليه، في مقابل علم المهني بكل تفاصيل العملية التعاقدية، وبالتالي لا مبرر لهذا التمييز الذي لا وجود له في القانون المقارن الفرنسي والمصري والمغربي مثلا
كما يلاحظ أيضا أنه إذا كانت المادة 79 عاقبت على الملصقات الكاذبة والمزيفة، فإنه لا مبرر في نظري لإغفال الإشهار والإعلانات الكاذبة أو التي تصف المنتج أو السلعة أو الخدمة بصفات لا تتوفر فيهما، في وقت أصبحت فيه وسائل التواصل الاجتماعي والمواقع الإلكترونية تعج بالإعلانات التجارية، التي لا تجذب المستهلك فقط بل تؤثر على إرادته أيضا، فلو أن قانون حماية المستهلك صدر قبل عقدين من الآن لكان إغفال ذلك مفهوما ومبررا، أما أن يكون صادرا في عام 2020 فإغفال الإشهار والإعلانات الكاذبة لا يمكن أن يفسر إلا في إطار فصل القانون عن الواقع
ثانيا: عرض الأسعار
وفقا للمادة 11 من ق ح م يلزم المهني بإبلاغ المستهلك عن الأسعار والتكاليف الإضافية المحتملة المطبقة على البضائع والخدمات قبل إبرام العقد، كما نصت المادة 12 على أنه يجب إعلام المستهلك قدر الإمكان بالسعر لكل وحدة قياس بالإضافة إلى سعر البيع، وفي إطار الخدمات تنص المادة 14 على أنه "عندما لا يمكن حساب سعر الخدمة مقدما، يجب على المزود تزويد المستهلك بطريقة الحساب وأي تكاليف إضافية محتملة. في الحالة التي لا يمكن فيها حساب التكاليف الإضافية مقدما، يجب إعلام المستهلك بتطبيقها المحتمل"
وعلى العموم يمكن تقديم المعلومات المتعلقة بالسعر عن طريق النشر أو وضع العلامات أو الملصقات أو حسب أي وسيلة مناسبة أخرى، وفي كل الأحوال يجب أن يكون السعر المعروض مقروء من الخارج في قائمة يسهل على المستهلك الوصول إليها أو من الداخل في المكان الذي يعرض فيه المنتج، وبالنسبة للخدمات يتم العرض في مكان يمكن وصول الجمهور إليه
وبخصوص الجزاء على مخالفة هذه المقتضيات تنص المادة 82 على أنه " يعاقب على عدم الامتثال للالتزام بعرض الأسعار بغرامة تتراوح بين 50.000 و200.000 أوقية"
هكذا إذن وضع المشرع حماية جنائية للمستهلك فيما يتعلق بالالتزام بالإعلام بالإضافة إلى الحماية الجنائية المقررة لمعايير الصحة والسلامة، فهل هذه الحماية الجنائية كافية وحدها؟ هذا ما سنتعرف عليه في العنوان الموالي
المحور الثاني: قصور الحماية المقررة للمستهلك في القانون الموريتاني
إن مظاهر قصور قانون حماية المستهلك الموريتاني متعددة وكثيرة، فباستثناء المضامين المتعلقة بالالتزام بالإعلام وجمعيات حماية المستهلك نجزم بالقول إن باقي مقتضيات هذا القانون تتعلق بالصحة والسلامة وهي مقتضيات نظمتها غالبية التشريعات في نصوص خاصة وليس في قانون حماية المستهلك[6]
وعلى اعتبار أن شرط النهايات تصحيح البدايات، فتحديد المستهلك في هذا القانون تحديد قاصر، فالمستهلك وفقا للمادة الثانية هو الشخص الطبيعي فقط، وبالتالي فالحماية المقررة في هذا القانون تقتصر على الأشخاص الطبيعيين دون الاعتباريين، وهو ما لا يمكن فهمه، فإذا كانت الدولة وباقي الأشخاص المعنوية العامة تتوفر على امتيازات في العقود التي تبرمها، فإن الأشخاص المعنوية الخاصة مثل الجمعيات والشركات مثلا تبرم عقود استهلاك كأي شخص عادي ولا مبرر لاستثنائها من هذه الحماية
وعلى العموم فإذا كان الجزاء الجنائي هو أقوى أدوات السلطة العامة، وأقصى درجات الحماية القانونية فإنه غير كاف وحده في مجال حماية المستهلك على اعتبار أن هذا الأخير إضافة إلى الحماية الجنائية يجب أن يحمى أيضا في ذمته المالية ولا يمكن أن يتأتى ذلك إلا من خلال تفعيل الجزاءات المدنية من قبيل إعطائه الحق في التراجع (أولا) وتقرير البطلان لبعض العقود التي استغل فيها المستهلك أو فرضت عليه فيها شروط تعسفية (ثانيا) هذا كله فضلا عن التعويض المقرر في القواعد العامة
أولا: الحق في التراجع
لم يرتب ق ح م أي جزاء مدني على مخالفة مقتضياته، وبالتالي حق المستهلك في التراجع كجزاء مدني غير موجود في القانون الموريتاني، وهذا من مظاهر قصور الحماية المقررة للمستهلك في تشريعنا الوطني
ويعرف الحق في التراجع بأنه وسيلة بمقتضاها يسمح المشرع للمستهلك بأن يعيد النظر في الالتزام الذي ارتبط به مسبقا، وله في ذلك سلطة الانفراد بنقض العقد والتحلل منه دون توقف ذلك على إرادة الطرف الآخر[7]
وقد نظم المشرع المغربي الحق في التراجع في القانون رقم 31.08 المتعلق بحماية المستهلك وجعله من النظام العام فلا يمكن استبعاده بواسطة اتفاق، واقتصر على حالتين كالآتي:
العقود المبرمة عن بعد: وهي العقود المبرمة بين المستهلك والمورد دون حضورهما شخصيا في آن واحد، فللمستهلك إذا ما توفرت شروط ذلك _ومع مراعاة العقود المستثناة_ ممارسة حقه في التراجع عن هذه العقود داخل أجل سبعة أيام من إبرام العقد، وثلاثين يوما في حالة لم يف المورد بالتزامه بالتأكيد الكتابي للمعلومات المتعلقة بالالتزام بالإعلام في هذه العقود (المادة 36)، وذلك كله دون الحاجة إلى تبرير أو دفع غرامة باستثناء مصاريف الإرجاع
البيع خارج المحلات التجارية: للمستهلك إذا ما توافرت شروط ذلك _ومع مراعاة العقود المستثناة_ أن يمارس حقه في التراجع بشأن هذه العقود داخل أجل سبعة أيام من التاريخ الطلبية أو الالتزام بالشراء
هكذا إذن فإن الحق في التراجع يعتبر عنصرا جوهريا في حماية المستهلك لا سيما فيما يتعلق بالعقود التي لا يكون فيها المستهلك على معرفة حقيقية ومباشرة بالشيء محل العقد كما هو الحال في العقود المبرمة عن بعد، أو تلك التي لم يتوفر فيها المستهلك على القدر الكافي من التروي لإبرام العقد كما هو الحال في البيوع المبرمة خارج المحلات التجارية، ففي كل الأحوال إغفال المشرع الموريتاني للحق في الرجوع يعتبر قصورا في الحماية المقررة للمستهلك
ثانيا: البطلان كعنصر جوهري في حماية المستهلك
أبان واقع المعاملات اليوم عن وجود اختلال في التوازن العقدي في العقود التي يكون المستهلك طرفا فيها، فانتشار عقود الإذعان جعل الحديث عن كل ما هو عقد عادل نوعا من العبث، وهو ما انتبهت له وانتهت إليه بعض تشريعات حماية المستهلك _وليس منها الموريتاني بطبيعة الحال_ فقررت البطلان إما الجزئي أو الكلي لمجموعة من العقود التي تتضمن شروطا تعسفية أو تلك التي يستغل فيها ضعف أو جهل المستهلك كما فعل مثلا المشرع المغربي
فبالنسبة للشرط التعسفي فقد عرفه قانون 31.08 المغربي في المادة 15 منه بأنه ذلك الشرط الذي: "يكون الغرض منه أو يترتب عليه اختلال كبير بين حقوق وواجبات طرفي العقد على حساب المستهلك"، وحماية للمستهلك من هذا النوع من الشروط نصت المادة 19 من نفس القانون على أنه "يعتبر باطلا ولاغيا الشرط التعسفي الوارد في العقد المبرم بين المورد والمستهلك. تطبق باقي مقتضيات العقد الأخرى إذا أمكن أن يبقى العقد قائما بدون الشرط التعسفي المذكور"، وتأكيدا لهذه الحماية وضع المشرع المغربي عبء إثبات الطابع غير التعسفي للشرط موضوع النزاع على المورد
وهكذا فحماية المستهلك من الشروط التعسفية التي يفرضها الطرف المهني على المستهلك نتيجة لمعرفته وقوة مركزه الاقتصادي، أمر لا توجد حماية المستهلك بدونه، وخلو قانون حماية المستهلك الموريتاني من هذا المقتضى دليل على قصور هذا القانون وضرورة تعديله
أما فيما يتعلق ببطلان العقود التي استغل فيها جهل أو ضعف المستهلك فقد نصت المادة 59 من قانون حماية المستهلك المغربي على أنه "يقع باطلا بقوة القانون كل التزام نشأ بفعل استغلال ضعف أو جهل المستهلك مع حفظ حقه في استرجاع المبالغ المؤداة من طرفه وتعويضه عن الأضرار اللاحقة"، فهذا التوجه الذي سلكه المشرع المغربي في هذه المادة يشكل حماية مهمة للمستهلك، وإعادة صياغة جديدة لنظرية الغبن الاستغلالي رغم ما يمكن أن يلاحظ في ذلك، وخروجا على القواعد العامة التي ترتب على عيوب الإدارة قابلية العقد للإبطال دون البطلان[8]
وبالرجوع إلى قانون حماية المستهلك الموريتاني نجده قاصرا بشأن هذه المقتضيات ولا زال المعول عليه في هذا المجال هو السلطة التقديرية الممنوحة للقاضي انطلاقا من المادة 74 من قانون الالتزامات والعقود التي تنص على أن: "أسباب الإبطال المبنية على حالات المرض والحالات الأخرى المشابهة متروكة لتقدير القاضي"
وعلى العموم فإن مظاهر قصور قانون حماية المستهلك الموريتاني إذا ما قارناه بقانون حماية المستهلك المغربي لا تقتصر على هذه المقتضيات وإنما تشمل مجموعة من المسائل التي لم يتم تنظيمها ولا التعرض لها في هذا القانون لا سيما فيما يتعلق بحماية مستهلك الخدمات المالية والقروض الاستهلاكية والعقود الإلكترونية والامتياز القضائي وتحميل المهني في مواجهة المستهلك عبء الإثبات وغيرهم من المسائل التي أغفلها قانون حماية المستهلك الموريتاني
خاتمة
هكذا إذن جاء قانون حماية المستهلك الموريتاني استجابة لواقع أصبح فيه المستهلك طرفا ضعيفا لا تستطيع القواعد العامة حمايته في العلاقات التعاقدية التي يكون طرفا فيها، إلا أن هذا القانون لم يكن على مستوى آمال وتطلعات مستهلكي العقد الثالث من القرن الواحد والعشرين، فرغم الحماية الجنائية التي جاء بها لا تزال ذمة المستهلك المالية غير محمية وذلك ما يتجلى في خلو هذا القانون من أي جزاء مدني، كما أنه أغفل تنظيم العديد من المسائل، وهو ما يفسر في نظرنا لجوء بعض السادة النواب إلى المجلس الدستوري لطلب البت بعدم دستوريته على أساس أن إغفال القانون لبعض الجوانب أو تنظيمه لها تنظيما ناقصا مطعن يجعل القانون غير دستوري
وبناء على ذلك ونظرا لفشل السادة النواب في مسعاهم فإني أقترح أن يتم تعديل هذا القانون وإقرار حماية حقيقية للمستهلك على ضوء آخر ما توصلت إليه التشريعات الحديثة في هذا المجال، لا سيما ما يتعلق بحماية المستهلك في الأنماط الجديدة للتعاقد، والقروض والعمليات البنكية بالإضافة إلى حمايته من الشروط التعسفية وتحميل المهني عبء الإثبات ومنح امتياز قضائي للمستهلك فيما يتعلق بالاختصاص المكاني، وذلك كله انطلاقا من أن كل نمو اقتصادي لا يمكن أن يكون دون وجود حماية للمستهلك الذي هو هدف دورة الإنتاج ومبتغاها النهائي
[1] Loi n 93-949 du 26 juillet 1993 relative au code de la consommation JORF N 0171 du 27/07/1993
[2] تجدر الإشارة هنا إلى أن القانون العادي الوحيد الذي مورست بشأنه الرقابة القبلية على دستورية القوانين هو القانون رقم 058.09 المتعلق بمكافحة الإرهاب، وقد قضى المجلس الدستوري في قراره رقم 001.2010 بعدم دستورية 10 مواد منه، وفي نظري ربما هذه السابقة تكون هي السبب في خوف الأغلبية من ممارسة المجلس الدستوري رقابته على قانون حماية المستهلك
[3] المجلس الدستوري، القرار رقم 001-2020 منشور بالجريدة الرسمية، السنة 62، العدد 1464 ص 259
[4] قانون رقم 007\2020 يتعلق بحماية المستهلك، الصادر بتاريخ 4 يونيو 2020، الجريدة الرسمية، عدد 1465، ص 264
[5] بدر منشيف، حماية المستهلك في العقد الإلكتروني، المجلة العربية للدراسات القانونية والاقتصادية والاجتماعية، عدد خاص حول حماية المستهلك، ص 325 و326
[6] انظر مثلا في المغرب القانون رقم 28.07 المتعلق بالسلامة الصحية للمنتجات الغذائية، الجريدة الرسمية المغربية، عدد 5822، ص 1101
[7] بدر منشيف، مرجع سابق، ص 335
[8] المعزوز البكاي، بعض مظاهر اضطراب النظرية العامة للعقد، مقال منشور بمجلة القانون المدني، العدد الثالث، 2016، ص 17 و18
الشيخ المصطف/باب
طالب باحث بسلك الماستر