القمة الإفريقية الفرنسية (من يعاقبه الأفارقة؟ ومن لا ترضي عنه فرنسا؟) / الحاج ولد المصطفي

القمة الإفريقية الفرنسية المنعقدة منذ يومين في باريس امتنعت عن دعوة بعض الدول الإفريقية  بإرادة إفريقية واضحة ولم ترغب في حضور دول أخري بأوامر فرنسية معلنة وسكت الجميع عن دول لا تختلف في شيء عن تلك التي خالفت مقررات الأفارقة  أو التي لم توافق الإدارة الفرنسية ،فما هو السر في ذلك؟  

منحت فرنسا الأفارقة الإستقلال بعد معاناة طويلة وحروب دامية أو انتفاضات قوية ،لكنها خلقت كيانات اصطناعية وأورثت حكام تلك الدول قيمها وثقافتها ونهجها السياسي ورسخته في نفوس طبقتها السياسية ونخبتها العسكرية وتركت وراءها من يدير الأمور لصالحها وربطت مصالح تلك البلدان الإقتصادية بسلاسل من التبعية التي تبدأ من أصغر التجار إلي أكبر الموردين إلي مصانع الإنتاج والأثرياء الأوربيين ،وكونت عقيدة جيوش بلدان القارة وأمدتهم بالوسائل التكنولوجية والخبرات الكفيلة بإخضاعهم،فكان لزاما – والحالة هذه- أن ينشأ عن ذلك تنسيق مستمر وروابط توثق دائما واتصالات وتدخلات عسكرية وسياسية وأنشئت لذلك كله المنظمة لفرانكوفونية والقمة الإفريقية الفرنسية التي تعقد كل سنتين ، وقد عرفت تلك المنظمة تراجعا قويا في الأداء خلال السنوات الأخيرة وكادت الدول الإفريقية أن تخرج من حظيرة الفرنسيين تشجعهم علي ذلك القوة العظمي في العالم الحديث بعيد تولي باراك أوباما (المنحدر من أصول إفريقية) رآسة أمريكا، وكذلك الإنتشار الواسع للعملاق الصيني في القارة وظهور بعض الوعي المناوئ للتدخل الفرنسي في الشؤون الداخلية  لدي بعض القادة الأفارقة (كان من بينهم معاوية ولد الطايع ).

لكن أزمات أخري عرفتها القارة خلال العامين الماضين أعادت الأمور إلي "نصابها" ورمت بالقارة من جديد في أحضان المستعمر الدافئة بعد أن اصطلحت فرنسا ساركوزي مع الأمريكان وأسقطت بعض الزعامات المعارضة  (نتذكر هنا العقيد القذافي) واجتاحت القارة من جديد توترات عرقية واضطرابات اجتماعية وفتن وحروب وأزمات سياسية مستفحلة وانقلابات(موريتانيا ومالي ) ولم تكن اليد الفرنسية ببعيدة عن ذلك كله سواء من حيث البذور التي زرعتها أو التوقيت الذي اختارته لها.فكان لزاما علي حكام القارة أن يولوا وجوههم من جديد شطر البيت الفرنسي (الأليزي).

لكن لعبة فرنسا مع الأفارقة أظهرت في التفاصيل هذه السنة بعض المفارقات:

فمن جهة الأفارقة ومن خلال نصوص الإتحاد الإفريقي:لم تدع للقمة دولة مصر التي حدث فيها انقلاب علي الشرعية لكن فرنسا قبلت ضمنا بانقلاب السيسى في مصر تعاملت معه بقدر كبير من الإعتراف .

ومن جهتها فرنسا لم تقبل استقبال الرئيس السوداني عمر البشير علي أراضيها بدعوي حكم المحكمة الدولية وارتكابه جرائم ضد الإنسانية (وهي طبعا جرائم غير التي ترتكبها اسرائيل  صباحا ومساءا ولا تستحق عليها الإدانة) لكن الأفارقة بدورهم استقبلوا البشير في قممهم (ولاغرو في ذلك عندهم) بل إنهم  لا يعترفون بالأحكام الصادرة في حقه ويعتبرونها كيل بمكيالين من الغرب وعدالته.

تلك إذا واحدة بواحدة  قد نفهمها ...   لكن ما لا نفهمه هو كيف يقبل الطرف الإفريقي حضور من انقلب علي الديمقراطية بالقوة المسلحة مرتين؟ ومن وزع علي نفسه وأركان نظامه رتب الجنرالات (تماما كما فعل سنوغو في مالي وتدخلت فرنسا وساهمت في القبض عليه وتقديمه للعدالة)؟ وكيف يستضيف الطرف الفرنسي علي أرضه متهم من أحد نواب برلمانه برعاية الإتجار بالمخدرات؟ ومن يتهمه بعض معارضيه بأنه ضالع  في ملف الإرث الإنساني أيام كان قائدا لكتيبة أمن ولد الطايع؟ ومن أعلنت ابنة السنوسي (مدير ديوان رئيس إفريقي سابق هو القذافي) من باريس وأثناء انعقاد القمة بأنه تاجر بوالدها في صفقة مشينة ؟ ثم كيف يستقبل الأفارقة والفرنسيين معا من ترك خلفه إرادة شعب تزور أما أعين العالم وبشهادة من شارك فيها مكرها؟ أما من لم يشارك في تلك الإنتخابات المزورة  فلعله كان الأجدر بالإصغاء إليه وأخذ مطالبه بعناية من الإخوة الأفارقة الذين يتهددهم الأمر في كل وقت يقرر فيه الجيش سلب إرادة شعب من شعوب القارة؟

 

[email protected]  

8. ديسمبر 2013 - 16:19

أحدث المقالات

كتاب موريتانيا