من المعروف أن حقوق الإنسان هي مجموعة الحقوق والحريات , المستحقة لكل شخص , لمجرد كونه إنسان , وهي تستند في مفهومها على الإقرار بما لجميع البشر من قيمة وكرامة أصلية فيهم , فكل البشر يستحقون التمتع بالحريات الأساسية ,والتي يعتبر توفيرها لب حقوق الإنسان ,
فبتوفير هذه الحريات يستطيع المرء التمتع بالأمن والأمان , ويصبح قادرا على اتخاذ القرارات التي تنظم حياته , وطبعا يختلف مفهوم هذه الحقوق ونوع هذه الحريات باختلاف البيئات والمجتمعات , ومهما كانت الحقوق مدنية أو سياسية مثل الحق في الحياة والكرامة والمساواة أمام القانون وفي حرية التعبير , أو اقتصادية واجتماعية وثقافية مثل الحق في العمل والضمان الاجتماعي والتعليم , أو حقوق جماعية , مثل الحق في التنمية وتقرير المصير , فهي حقوق غير قابلة للتجزئة , وهي مترابطة و متآزرة , ومن شأن تحسين أحد الحقوق أن يسهل الارتقاء بالحقوق الأخرى , وبالمقابل فإن الحرمان من أحد الحقوق يؤثر بشكل سلبي على الحقوق الأخرى .
وبالنسبة لمسار الحقوق في بلادنا بشكل عام ومنذ نشأة الدولة , فقد ظهر أفراد وجماعات في فترات متباينة , وبشعارات وأساليب مختلفة , لكننا هنا سنقتصر على الإشارة إلى مجموعتين , من باب ضرب الأمثلة فقط لا للدراسة ولا للجمع والحصر..
فمثلا وجدت مجموعة من الحقوقيين مع وجود الدولة الفتية , بداية الستينات , عندما كانت الحقوق بصفة عامة في جيلها الأول , وكان المطلب الأساسي للحقوقيين آنذاك , هو حق الحرية والكرامة والتملك مثلا ومع تقدم الزمن وانصهار العالم وانتشار الوعي في البلدان النامية ,والبحث عن حقوق أكثر تقديرا للأشخاص , وأكثر اعترافا لهم بإنسانيتهم , وصلت الحقوق إلى جيلها الثاني وتم الانتقال من طلب حق الحياة والكرامة إلى المطالبة بالإسهام في صنع القرار وتقلد المناصب الحكومية , وحصل ذلك مع بعض الحقوقيين في البلاد آنذاك , وأعتبر في ما بعد أن ذلك كان من الحلم الذي صار واقعا .
بعد ذلك ظهر جيل جديد من الحقوقيين , أثاروا عواطف الجميع بأساليبهم وطرائقهم المختلفة , وكان أبرز هؤلاء المناضل , بيرام أو الثائر كما يصفه البعض , والعنصري بامتياز حسب البعض الآخر , أو العميل والصناعة الفرنسية , كما يحلو للبعض في وصف الرجل , أو المقرب الإسرائيلي أو العميل العزيزي كما يصفه البعض , ويبرر ذلك بزعمه إنقاذ الرجل للموقف , عندما كانت منسقية المعارضة تضيِق الخناق جدا على نظام الرئيس عزيز , حينها قام الرجل بحرق الكتب الفقهية في حادثته الشهيرة , والتي صرفت الرأي العام عن مطلب إسقاط النظام ..!!
وحصل بعدها تعاطف كبير مع الرئيس عزيز , خصوصا عندما أعلن يومها عن عزمه تطبيق الشريعة الإسلامية ..!!
وبعدها ذاع صيت بيرام خارجيا ثم داخليا , وتميز هو وجماعته بأساليبهم الخاصة ومناهجهم الفريدة , وطبعا ينكر عليهم الكثيرون ذلك , رغم توافق البعض معهم في مبدأ المطالبة بالحقوق الإنسانية المشروعة , والمكفولة لكل شخص على وجه الأرض , بفعل إقرار الدساتير والمعاهدات الدولية لها ورعايتها لذلك , وطبعا استفاد الرجل وجماعته من وصول الحقوق بصفة عامة إلى جيلها الثالث , والذي تتركز الحقوق فيه بالإضافة إلى حصول المطلوب في الجيلين السابقين من الحقوق (حق الحياة . الكرامة .التملك .التعبير . صنع القرار.تقرير المصير..إلخ ) إضافة إلى ذلك تحقيق الرفاه الاجتماعي في مختلف جوانب الحياة , والتي تنعدم أدنى مستوياته في آدوابه التي ركزت جماعة (إيرا) نشاطها عليها وعلى كشف بعض الحالات التي تظهر خرق حقوق الإنسان الواقعة في محيطها , وعمدوا إلى استجلاب بعض الحالات , ومتابعة بعض الأفراد القادمين من آدوابة والمتضررين من التجاهل والتهميش والفقر المدقع ,وكشف بعض الحالات التي تدعم أجندة الحركة وتلمع صورتها , وقدموا نماذج وشكايات كثيرة إلى العدالة , وذلك بأساليب لم تكن مرضية عند البعض لكنها أثارت العواطف وحركت الرأي العام الدولي قبل الوطني ..
إن مشكل آدوابة الضارب في القدم , يعد الرافد الأكبر والمزود الأساسي لكنانة برام وغيره , وبوجود واستمرار ظاهرة آدوابة المؤسفة تحت وطأة الفقر والجهل والتخلف والحرمان , سيظل المجتمع والحكومة ينتجون بيرام وأمثاله في أثواب قد تكون أخطر وأعنف وأكثر تمرد يوما بعد يوم , وبذلك يكون الكل ساعد في ظهور هكذا أشخاص , وجعل منهم أبطال ورموز وأهلهم إلى نيل ما يقلدهم به الغرب من ميداليات وشعارات .. فإلى متى يتجاهل المجتمع والحكومة ظاهرة شغلت ماضينا وتعكر صفو حاضرنا ويتوقف عليها مستقبلنا ؟؟؟
ـ عثمان جدو ـ كاتب وناشط حقوقي [email protected]