وأنا في غمرة الانشغال بالعمل الميداني استعدادا للشوط الثاني الذي نحن بصدده ، ساءني ما يجري بين الإخوة و رفاق الدرب ، من تنابز وتناحر وخلاف ، منذ قرابة "الأربعين يوما" هي أشبه ما تكون في الأثر والوقع السيء، بسني "حرب البسوس" الأربعين، وهي حال يرثى لها ، تشي بأن الكثير من شبابنا بدأ يفقد البوصلة ، أو هو يضبطها في الاتجاه الخطأ، وبالتالي لا يزيد مع الوقت إلا ابتعادا عن هدفه وبغيته ، إنهم بحق "مناضلون في المعركة الخطأ" ..
وهو ما اضطرني للمشاركة برأيي في الجهد المشكور، المبذول لحسم هذا الجدل، الذي لا يهدأ وينحسر ، إلا ليشتعل ويتفجر من جديد ، وقد ارتأيت أن يكون التشخيص أشمل والحل أبعد من مجرد "دعوة للتهدئة" و وقف للنيران الصديقة، لعل الله أن يجمع بين إخوة الوطن والمصير، ويعيدهم للجادة والطريق الصحيح ، وربما يشفع لي أني لم أكن جزءا من هذا الصراع الإعلامي حيث لم أشارك طيلة الفترة السابقة في الجدل الإعلامي الذي دار حول "المشاركة" و"المقاطعة" ، لا في الفيسبوك ولا في القنوات والإذاعات ، مما يجعلني احتفظ لنفسي برصيد معتبر من التقدير والاحترام للمشترك الذي جمعنا قرابة "الأربعين شهرا" من النضال ضد العسكر و المفسدين ، بل وقبل ذلك بسنوات. ينبغي أن نتساءل من المستفيد ؟؟ لنعرف من هو المسؤول الحقيقي عن إذكاء هذه الحرب الشعواء ، ليس دفعا للمسؤولية ، ولا هروبا من الاعتراف بالخطأ فكلنا يتحمل المسؤولية ، وله نصيب من الخطأ ،سواء بالمشاركة و التشجيع ، أو الإقرار و السكوت ..
ولكن يبقى المستفيد الحقيقي ، والمستغل الحقيقي ، هو النظام وأعوانه، حتى ننشغل بالمعارك الجانبية عن الهدف الواحد المشرك.. إضافة إلى ما سبق أعتقد أن هناك مسببا آخر لهذه الحرب ، يناهز الأول في القوة وقد يتجاوزه، في الأثر، وهو كما أشرت في التقديم ، فقدان البوصلة والموجه، خاصة بعد الفتور الذي شهدته ساحات وميادين النضال منذ قرابة العام، وعدم القدرة على تطوير بدائل في الخطط والوسائل، إضافة إلى ، تصلب ورتابة في الأساليب، ضعف أو غياب الحافز، فقدان الشباب للمبادرة... كلها كانت أسبابا كافية لما نرى من "تجليات" و "مظاهر" لأمراض بدأت تتفشى في بعض أطراف جسمنا المعارض، وهي لحظة "فراغ" مناسبة لاستنبات الخلافات ، والمعارك البينية.. وقديما قال شاعر العرب وأحيانا على بكر أخينا ...... إذا ما لم نجد إلا أخانا فطبيعة النفس البشرية لا تحتمل الفراغ، إن لم نشغلها بالخير شغلتنا بالشر، والحياة إن لم يشغلها الجادون الباذلون ، سادها ، "البطالون" الفارغون، حيث تقول الحكمة العسكرية "إنما يسود الشغب في المعسكر البطال" ، هؤلاء "البطالون" الفارغون ، الذين لا هم لهم ولا شغل ولا جهد سوى التشدق بالكلام، وبناء صروح النضال الوهمي، وتشييد قلاع المقاومة والممانعة الزائفة ، والبحث عن الأخطاء أو اختلاقها حين لا توجد .. وحينما ينادي منادي الوطن و يحين الجد، وتدق ساعة البذل والتضحية ، لا تحس منهم من أحد ، ولا تسمع لهم ركزا، وهم بعد ذلك لا يستحون ، "فإذا ذهب الخوف سلقوكم بألسنة حداد أشحة على الخير " ..
أقول لهؤلاء البطالين حسبكم ، حسبكم أيها البطالون، تدقون إسفين التفرقة والخلاف، تذكون النعرات، و تشقون وحدة الصف .. أقول وبمرارة أن في حزب "تواصل" والمعارضة المشاركة "بطالون" ، ينبغي منعهم ، والأخذ على أيديهم ، أقول وبأسف أن في حزب "التكتل" وأحزاب المعارضة المقاطعة "بطالون"، ينبغي أطرهم ، و الأخذ على أيديهم. أعتقد أن شابا مناضلا يقاطع هذه الانتخابات ويصفها بالمهزلة ، ينبغي أن لا يكون في وقته متسع لمثل هذه المهاترات ، لأن في تعدد أنشطته وكثافتها ، واستشعار الخطر المحدق بوطنه ما يشغله عن نفسه وغيره .. وأدرك جازما أن شابا مناضلا يشارك في هذه الانتخابات، يقف في جانب، مجردا من كل شيئ سوى من إيمانه القوي بوطنه ومنهجه الذي يحمل للناس ، ليواجه الدولة بكل تجلياتها ، ووسائلها، يواجه مرشحي الرئيس ، ليواجه الجنرالات والوزراء ، ليواجه إدارات الدولة و مصالحها ومؤسساتها، يواجه علماءها وفقهاءها، وكذلك "حكماءها" و يخشى من التزوير والتلاعب بخياراته وخيارات ناخبيه ، أعتقد أن على هذا المناضل من الواجب ، ذهابا وجيئة ، تعبئة واتصالا ، ما يشغله عن نفسه وأهله والناس أجمعين. أذكر أننا في ذروة نضالنا وعملنا المشترك لم نكن نجد الفرصة والمسوغ لتبادل النقد والتوجيه ، أحرى السب والاتهامات، رغم الأخطاء الكثيرة والتقصير المتبادل أحيانا.
إخوتي الشباب ، نبض الوطن الدافق وأمله الباقي في غد أفضل و عيش كريم ، هل يراد لنا ونحن قادة الغد وصانعو التغيير بإذن الله ، أن نظل مفككين متناحرين ، لا يجمعنا هدف ولا توحدنا غاية ؟؟ ..
إخوتي الشباب.. تعالوا إلى كلمة سواء بيننا ، مشاركين ومقاطعين ، أن نجعل "الوطن" لنا هدفا وغاية ، أن نسعى لموريتانيا حرة كريمة مزدهرة ، موريتانيا العدل والمساواة ، موريتانيا لا يحكمها العسكر والمفسدون ، و لا يتحكم فيها فرد.
إخوتي الشباب .. تعالوا إلى كلمة سواء بيننا ، أن نعمل في المشترك ، وأن نقبل الاختلاف في الرؤى والتقديرات، ونتجاوز الصغائر والجزئيات، نتعاون في ما اتفقنا عليه ويعذر بعضنا بعضا في ما اختلفنا فيه.. لا يعني ذلك أن لا ننتقد الآخر ونسوق أفكارنا وبرامجنا، وندافع عن مواقفنا ، فذلك مطلوب وواجب ، بل هي دعوة للاختلاف برقي والنقد بإنصاف ، دعوة للحكمة والعدل ، وأن توزن الأمور بميزان، فتعطى حجمها وقدرها ووقتها .. والذي يقوم بذلك من إعلاميين ومدونين، وكتاب ، سواء من هذا الطرف أو ذاك ، هم مناضلون ،أصحاب رأي ، ينبغي أن نحترمهم ونقدرهم مهما اختلفنا معهم.
أخيرا تعالوا إلى فعل سواء .. فقد سئمنا الكلام وأكثرنا الكلام ، فالكلام ضرب من ضروب التمني "وما نيل المطالب بالتمني .. ولكن تؤخذ الدنيا غلابا " تعالوا بنا هذه المرة إلى فعل سواء ، أن تثبت المعارضة المقاطعة صواب قرارها بالفعل لا بالقول ، أن تضغط ، وتتظاهر وأن تربك النظام و لجنته المستقلة، وأن تواصل في تعرية النظام وفساده وأحاديته.
تعالوا إلى فعل سواء ، أن تثبت المعارضة المشاركة صواب موقفها ، بالسعي جادة لإظهار إفلاس النظام ونقصان شعبيته واختراق حصونه وقلاعه، وأن تعري تزويره وتكشف خروقاته. فالناظر بعمق للنظام يدرك أنه الآن في أضعف حالاته، وأن جولة جديدة ، تنطلق من استراتيجية موحدة وواعية، تتسلح بالصبر والأمل، وطول النفس ، تدرك أن معركتنا ضد الظلم والفساد والدكتاتورية ، ليست جولة واحدة وتنقضي ، بل جولات وصولات ، تختلف في الطبيعة والشكل ، فلنعد لكل جولة عدتها وسلاحها..
نحتاج لاستراتيجية ، تنطلق من تشخيص دقيق للواقع ، وتحليل لموازين القوة على الأرض وفي الواقع ، لا في أخيلة بعضنا ، وعوالمنا الافتراضية . نحتاج لاستراتيجية ، لا تعتمد على المعارضة فحسب ، بل تستغل الفعل المعارض حيث كان، وقد تكشفت هذه الانتخابات عن مواطن ، و أنواع من الفعل المعارض، ينبغي الوعي بها واستغلالها، هذه الانتخابات التي أراد لها النظام أن تكون نهاية لأزمته ، ونهاية وتفككا لمعارضيه ، هي الآن أكبر مظاهر ضعفه وعجزه ، وأدعى دواعي الوحدة والحيوية والنشاط لمعارضيه ومناوئيه، فالمقاطعون يطعنون شرعيته ودستوريته ، والمشاركون، يهددون شعبيته ومكانته ، وأنصاره يفقدونه تماسكه وهيبته . ويكاد يكون قريبا زوال هذا النظام وتزلزل أركانه، إن نحن قدرنا اللحظة، وأحسن التخطيط و الإستعداد "فسينغضون إليك رؤوسهم ويقولون متى هو، قل عسى أن يكون قريبا"