محاولة لفهم ارتباك وضعف أداء اللجنة المستقلة للانتخابات في تجربتها الأخيرة / سالم ولد العيدي

ما إن بدأ الحديث عن تنظيم الانتخابات البلدية والتشريعية يلوح في الأفق حتى بدأ المراقبون والمهتمون والساسة خاصة من تيار المعارضة التاريخية العريض يعيدون النظر في تجاربهم الانتخابية السابقة لتلافي الأخطاء التي اكتنفتها والتأسيس على التراكم الناجز

 عندنا منذ بداية العقد الأخير من القرن المنصرم، عملا على التأسيس لتجربة انتخابية مختلفة على الأقل إن لم تحز على تزكية ورضي المشاركين المحتملين فيها وخاصة قطب المعاهدة ومشكلات الأغلبية الرئاسية الذين اتضح توجههم للمشاركة في الانتخابات منذ مايو 2011 أي السنة التي كان من المقرر تنظيم الانتخابات البلدية والتشريعية في أعقابها.

 

ومع أن ما بات يعرف من حينها بمنسقية المعارضة الديمقراطية تلكأت في الأخير عن الحوار الذي كانت تختمر ملامحه آنئذ، ومع أنها توغلت بعيدا في موقفها الحدي من النظام إلا أنها ستؤوب بعد ذلك مستسلمة للجدل الدائر حول الانتخابات رغم بعد الشقة بينها وبين "الرحيل".

وهذا ما يتضح منه أن أغلب مشكلات الطيف السياسي وبغض النظر عن المواقف التكتيكية المرحلية التي اتخذتها كانت كلها تراهن على الانتخابات، وكان من المحتمل جدا أن تسقط كلها في "شرك" انتخابات ترضى لشروطها، وهو ما لم تنضج ظروفه كما يتمنى الكل إلا أنه كان كفيلا باستقطاب إحدى أهم المشكلات التي ظلت تشط في موقفها من النظام (تواصل) وبإحداث تباين حاد في الرأي إن لم يكن شرخا وأزمة مستعصية داخل حزب آخر من أهم الأحزاب التي ظلت بعيدة عن "حظيرة" النظام الحالي (تقدم)، هذا فضلا عن مشاركة جماهير أكثر تلك الاحزاب بعدا عن المشاركة تحت "يافطات" حزبية أخرى.

وكنتيجة لهذا بدأت التحضيرات الفعلية للانتخابات ودخل الوطن من شماله إلى جنوبه ومن شرقه إلى غربه في حملة انتخابية لم  تستطع القوى الحزبية التي أعلنت مقاطعتها إلحاق أي خدش بسيرها اللهم إلا ما كان من تسديد "ضربات" صوتية عبر بيانات أو من خلال مؤتمرات صحفية أو وقفات استعراضية صغيرة، وهو ما يعني أن نجاح تنظيم الانتخابات كان أمرا راجحا حتى بالنسبة للذين كانوا يبحثون في آخر اللحظات عن مزيد من تحسين شروط المشاركة، وحتى الذين كانوا يفتحون النار على اللجنة المستقلة للانتخابات وهم في غز غمرة مشاركتهم وبحثهم عن الأنصار والناخبين

إلا أن المعادلة ستنقلب يوما واحدا بعد إجراء الاقتراع خاصة وأن أكثر من 70 في المائة من المسجلين على اللائحة الانتخابية ظلت أعناقهم تشرأب لمعرفة ما حصل في دوائرهم وعلى مستوى القوائم الوطنية التي كانت تمثل خياراتهم منذ عادوا من أداء واجبهم الانتخابي، وهو ما لن يتم في الأمد الزمني الذي كانوا يتوقعون، وعلى وقع ضجر هؤلاء المواطنين ستترى تصريحات سلبية في حق اللجنة المشرفة على الانتخابات من طرف قادة المعارضة المشاركة، وأخرى "جذلة" بما حصل من المعارضة المقاطعة، مما هيأ لحالة غليان فاقمها تأخر اللجنة في إعلان النتائج رسميا، الأمر الذي فتح الباب أمام بعض الحساسيات المحلية والحزبية التي لم ترض عن ما دار ولا عن ما يشاع عن نتيجتها الانتخابية، وهو ما سيستمر حتى بعد أن تعلن اللجنة بعد طول انتظار وعلى مضض النتائج النهائية، ثم تشفع ذلك بتأخير الشوط الثاني نصف شهر كامل، وكأنها تعطي بذلك لنفسها مسافة تحاول من خلال فهم طبيعة ما أثر على عملها وأبانها في تلك الصورة غير "المهيبة" للرأي العام الوطني والدولي.

وكمحاولة مني في مساعدة اللجنة التي أرى أن دورها حاسم وحساس ومحوري في أي انتخابات يراد لها النجاح والتأسيس لحالة "توافق" إن لم يكن "إجماعا" وطنيا فإنني سأبدي بعض الملاحظات التي عنت لي وأنا أراقب كغيري المجريات التي حصلت وكانت سببا في سرقة حلمنا بانتخابات يطمأن لها اغلبنا

فمن وجهة نظري أن اللجنة قد تكون تعجلت في اختيار طواقمها ومشرفيها بمعنى أنها لم تتوخ الكفاءة والخبرة المطلوبة في بعضهم، كما انها قد تكون ايضا قصرت في إخضاعهم للتكوينات اللازمة مع أني أثمن الكثير من الجهود التي قامت بها مركزيا وقامت بها طواقمها الجهوية خاصة في توجيه وتأهيل رؤساء المكاتب والمشرفين على العملية الانتخابية، إلا أن أكثر ما كنت أراه غير مناسب وكنت أتوقع بأنه سيؤثر على أداء اللجنة، رغم انني في لحظات معينة استسلمت على غرار كثيرين للمعطيات التي كانت تبعث على الطمأنينة اتجاه الانتخابات، هو وضع شخص عرف بماضيه غير الناصع على أحد أكثر المسؤوليات حساسية في هذه اللجنة

وهنا أريد أن أتوقف قليلا قبل أن أسترسل لأقول بأنه ليس من هواياتي التعريض بالأشخاص، إلا أن المسؤولية التاريخية والأخلاقية والوفاء للضمير تستلزم من كل منا أن يبدي ملاحظاته ومن دون تحفظ حتى ولو كانت على حساب علاقاته، خاصة إذا تعلقت بالتأثير على سير عمل مؤسسة نتوخى نحن كمواطنين منها الكثير من الحيادية والمسؤولية والكفاءة كاللجنة الوطنية المستقلة للانتخابات، ولأقول بأن ما سأكتبه الآن خالجني منذ أن علمت بأن هذا الشخص سيتولى تلك المسؤولية الحساسة في اللجنة إلا أنني كنت أتهيب ذلك، معطيا الفرصة للأخ وحتى لا تكون آرائي عنه محكومة بأحكام مسبقة، خاصة وأنني من من يؤمنون كثيرا بأن التغير هو القانون الذي يحكم الحياة وأنه يطال كل شيء بما فيه الأشخاص

كنت، كما قلت، انظر لتولية أحد الضالعين في التصفيات العرقية 1989 ـ 1991، وأحد من تحوم حولهم تهم الضلوع في التزوير، وتهم الفساد المالي بقلق كبير، وكان من الراجح عندي أنها قد تؤثر على أداء هذه اللجنة التي أردناها مستقلة لكن ليس بالدرجة التي أنا واثق منها الآن. أما الآن فأقولها وبكل وضوح: "لقد كان تعيين محمد ولد سيدي الملقب (بدن) كمدير للعمليات الانتخابية واللوجستية في اللجنة الوطنية المستقلة للانتخابات خطأ جسيما".

نعم كان خطأ جسيما، لأنه وبمجرد النظر العابر في تاريخ الرجل الوظيفي يتضح أنه لا يمكن أن يؤتمن على مسؤولية تتوخى منها العدالة بين المكونات والفرقاء الوطنيين، مسؤولية تتطلب النزاهة والتجرد والوقوف على مسافة واحدة من كل المشاركين، فقد كان (بدن) هذا حاكما في كيهيدي في أعقاب الثمانينات وعرف عنه ضلوعه في مصادرة أراضي وممتلكات الزنوج الموريتانيين وخاصة منها المواشي التي سخر منها مادة مجانية لاطلاق الشركة الموريتانية للحوم (SOMECOB)، وأمعن في توزع أراضي المواطنين المهجرين من وطنهم حينها على آخرين، كما كان أول من تم تجريده من مهامه بعد وصول الرئيس الحالي محمد ولد عبد العزيز إلى السلطة على إثر اتهامه باختلاس المال العام، وذلك حين كان أمينا عاما لوزارة الخارجية والتعاون، بالإضافة إلى ذلك كله كان (بدن) أحد أعمدة التزوير الأساسية في داخلية ولد الطايع وهو ما ظل الرئيس مسعود ولد بلخير يثيره وينبه عليه مكررا أن تنفذ هذا الرجل في اللجنة الوطنية المستقلة للانتخابات لا يبشر باستقلاليتها.

ينضاف إلى هذا ما قام به الرجل من دمج وإلحاق مباشر وغير  مباشر لأقربائه ومقربيه في اللجنة منذ أن عين مديرا بها للعمليات الانتخابية واللوجستية لدرجة صاروا معها يمثلون نسبة 95 بالمائة، وكذا ما يتردد عنه من الاتهامات الواردة جدا في ظل مأموريته الحالية والتي من أبرزها تسديد 50 مليون أوقية له من طرف رجل الاعمال المعروف بالقرشي لمساعدته على العبور إلى منصب نائب على القائمة الوطنية المشتركة عن حزب الأصالة.

وعليه فأنا أرى بأن تنفذ هذا الرجل في اللجنة وطبيعة عمله وتفكيره وفلسفته الوظيفية كانت من أهم المؤثرات التي شابت عملها وأنه ليس من الممكن ان تكون في ما ننتظر لها ما دام هذا السيد يعتلي مكانة مرموقة على سدتها. ولله الأمر من قبل ومن بعد.

 

 

16. ديسمبر 2013 - 20:13

أحدث المقالات

كتاب موريتانيا