قد تتطلب الحرية السياسية والإعلامية فتح المجال أمام الساسة وأصحاب الرأي ،وترك الأبواب مفتوحة أمامهم لتكون الحرية كاملة وغير مشروطة .لكن ما يحدث في الجمهورية الإسلامية الموريتانية اليوم ،من سهولة الترخيص للأحزاب والمواقع الالكترونية يعود إلى واقع السياسيين والإعلاميين أنفسهم .
فالأحزاب السياسية في بلادنا يغيب فيها مفهوم المؤسسات ،فلا تجد حزبا سياسيا فتح المجال أمام مؤتمريه لاختيار رؤسائه ،وكذا مكاتبه القيادية .
فالحزب فينا يعرف بشخصية محورية واحدة هي التي يرجع إليها في كل شيء ،ولا تعرف أحزابنا ما يعرف باللامركزية ،الأمر الذي جعل المتحررين في هذه الأحزاب يفكرون بإنشاء أحزاب منشقة من الحزب الأم. فلو كانت أحزابنا السياسية تفتح المجال أمام منتسبيها للوصول إلى المواقع القيادية فيها ،وكان المعيار الأول فيها هو احترام النصوص القانونية للحزب (النظام الداخلي – النظام الأساسي ) ،لما فكر أفرادها في التفكير بإنشاء حزب سياسي جديد نظرا لما يتطلبه التخندق في الأحزاب الصغيرة من عزلة سياسية لا تخدم السياسيين في الأصل ،ولما وصل عدد الأحزاب السياسية لهذا العدد الذي تقف عنده اليوم بل ومن المتوقع أن تصل إليه غدا .
ومن الغريب أن هذه الأحزاب تطالب دائما بالتغيير السلمي في البلاد ،وتتمنى للعسكر أن يعود إلى ثكناته ويترك تسيير البلاد للسياسيين .فهل نصدق أن جنرالاتنا سيمنحون البلد هبة لقادة لا يفهمون لغة التبادل السلمي على السلطة ؟
أما المواقع الالكترونية هي الأخرى فهي نتيجة لإفرازات نفس المجتمع ،وقد تأثرت سلبا بواقع الأحزاب السياسية .فالحقل الإعلامي على الرغم من أنه هو المتنفس الوحيد الذي وجد فيه أصحاب الحرية ضالتهم المنشودة ،لا يزال بعيدا عن مفهوم المؤسسة الحديثة ،مما جعل بعض المنتسبين للحقل الإعلامي بمجرد خلاف بسيط مع مدير النشر أو مع رئيس التحرير ،يفكرون بإنشاء موقع جديد يزيد الساحة الإعلامية ويفتح لهم حرية واسعة .
فلو احترمت بعض مواقعنا الالكترونية أنظمتها الداخلية ،وفكرت في تحويل الموقع من ملكية شخصية إلى مؤسسة إعلامية متميزة ،تعطي لكل فرد الحرية التامة وتمنحه موقعه الذي يناسبه بعيدة عن العلاقات الفردية
والانتماءات الضيقة التي لا تخدم الحقل الإعلامي ،لكانت المواقع الإعلامية أقل بكثير من الرقم الذي تصل إليه اليوم .
وعلى الرغم من أن انتشار المواقع الالكترونية ،ظاهرة صحية لكن الدوافع التي تؤدي إلى التفكير بإنشائها هي العائق الأساسي أمام تحديات الإعلام المعاصر .