جائزة حقوق الإنسان التي منحتها الهيئة الأممية العالمية للمناضل الحقوقي الموريتاني "واكي" (كما يحب أنصاره أن يسموه ) أو بيرام لا يري البعض أنها في "محلها من الإعراب" ويذهب البعض الآخر إلي وصفها بالتعبير( الفاضح عن تحريض غير مبرر لمتمرد علي قيم مجتمعه وثقافته ومنتهك لحرمات دينه ومستبيح لأعراض أهله)
وقبل فترة احتفل الإعلام الرسمي بجائزة أخري (درع حرية ) - وإن كانت أقل أهمية - منحتها "الصحافة العربية لرئيس الجمهورية ..فماهو الفرق بين هذه وتلك؟ وكيف تجاهل إعلامنا الرسمي هذه واحتفي بتلك؟ يعود زعيم حركة إيرا الجمعة القادم من رحلته "الإستثنائية" إلي مقر الأمم المتحدة في نيويورك وهو موشح بوسام هام (جائزة حقوق الإنسان) وقد وقف أمام الهيئة الأممية متحدثا عن نضاله من أجل الحرية ومحاربة الرق في بلد يعتبره وكرا لتلك الظاهرة المتخلفة ونظام يحمي تلك الممارسة ويحتضنها وشعب غارق في تفاصيلها حتي النخاع .
الإعلام الرسمي ومعه (إلي حد كبير) الأوساط السياسية لم ينتبه للحدث ولم تبحث في خصوصياته أو رسائله .واكتفي البعض بتوجيه النقد لسلوك الحركة وزعيمها وغطت الكتابات علي الجائزة بإثارة السخط والإمتعاض من مساندة الغربيين لكل من يتطاول علي قيم المجتمع المسلم وتكريمهم لمن يعمل علي تفكيك النسيج الإجتماعي وتعريض الدولة للنزعات الطائفية والعرقية .
لكن من عادة الإعلام عندنا أن يهتم بأمور تافهة وفبركات واضحة وتلفيقات مكشوفة فقد أقام الدنيا ولم يقعدها عندما جاءت عصبة من صحافة الإسترزاق لتقلد زورا (درع الحرية). لرئيس أنتهك الحريات وداس علي المؤسسات وحولها إلي قلاع وأبواق جائرة وانبري بعض الكتاب والإعلاميين يشيدون بدور الرئيس في نهضة الإعلام وبناء مؤسساته وهاهي بعض التسريبات تكشف عن حقيقة تلك الأقوال والإدعاءات الكاذبة فقد عثر (الإعلامي البارز:رياض ولد أحمد الهادي) علي مجموعة من( الوثائق والتسجيلات الصوتية التي تكشف حصول 27 كاتبا صحفيا ومدراء مؤسسات إعلامية (مكتوبة، الكترونية وسمعي بصري) من رئاسة الجمهورية والوزارة الأولي وإدارة الأمن على مالية نقدية بعضها بانتظام وبعضها مقابل خدمات معينة. قائمة الصحفيين هذه تضم اسماء معروفة فى الوسط الإعلامي، وتغطي الوثائق الفترة من يونيو 2007 الي سبتمبر 2013.)
لا أقول إنه كان يجب الإحتفاء بجائزة برام -علي طريقة أنصاره- فذلك حقهم لا يشاركم فيه أحد لأن الأمر لم يصل بعد إلي قناعة عند جميع الأطراف فلا يزال برام يتحدث بضمير (الفيئة) ويمنح لنفسه من الحقوق والمزايا ما يشاء ولايزال البعض في المقابل يصنفه في نفس الخانة التي يناصبها العداء ويحصل اليوم علي جائزتها .فهو في نظر هؤلاء ينتهك حقوق الآخرين ويرتكب "الجرائم اللفظية " في حق الكثيرين (خاصة من علية القوم وقادتهم وعلمائهم ).
لكن الأمور كانت ستكون أفضل لو أن الإعلام الوطني أستقبل الحدث بشيء من الإهتمام يشعرمعه أنصار الرجل بأنهم جزء من هذا الوطن وأن قضاياهم وآراءهم منشورة في الإعلام شانها شأن بقية الموضوعات الوطنية .
وكان يجب الإهتمام بالرسائل التي تحملها هذه الجائزة وهي في نظري رسائل متعددة من بينها رسائل موجهة إلي بيرام نفسه وإيرا من ورائه وهي :
أن شخص بيرام انتقل من حدود الحيز الضيق للنضال الفئوي إلي رحاب النضال الحقوقي العالمي وهذا المعطي الجديد تحكمه معايير دولية يجب التقيد بها واحترامها في سلوك الزعيم وعباراته وألفاظه وسلوكياته .إن هذه الرسالة تحمل قيودا مبطنة لأفعال الرجل وأقواله لابد من الإنتباه لها.
أن هذه الجائزة تمنح للحركة اعترافا دوليا –وربما تمويلا- لأنشطتها الحقوقية يجب أن لا تستغل في اتجاه الصراع وتصفية الحسابات مع الخصوم من (الموسومين بالأعداء) وإلا فإن الأمم المتحدة ستجد نفسها مجبرة علي سحب تلك الثقة التي وضعتها في نضال الحركة مما يفرض علي الحركة وضع استيراتيجية جديدة لنضالها لا تغلق الأبواب أمام بقية المعاناة التي تتعرض لها الفيئات الإجتماعية الأخري وتنبذ العنف والإساءة اللفظية والمعنوية وكل التصرفات المخلة بالقيم والمبادئ الإسلامية الصحيحة. تتطلب هذه الجائزة الإنخراط في عمل سياسي مرخص ومقبول ينسجم مع الوضع الجديد الذي تصبح فيه الحركة مؤسسة حقوقية تلقي اعترافا ودعما دوليا وتقوم بأدوار سياسية واجتماعية واقتصادية معتبرة وضمن إطار تنظيمي وسياسي يكفل لها الإعتراف من الرسائل كذلك ماهو موجه للنظام:
الإعتراف بالحركة والزعيم كتعويض عن رفض النظام الإعتراف بحزبها السياسي وحركتها الشعبية
جعل النظام أكثر حرجا في التعاطي العنيف مع أنشطتها الإحتجاجية
إظهار النظام بالمظهر المخجل أمام دعوات ممارسة الإستعباد وحمايته والتستر عليه
أخيرا ترسل الجائزة رسالة مهمة للمعارضة الوطنية :
إن زعامة جديدة للحراطين قد نشأت وهي الآن أكبر مساندة وأكثر تأثيرا وعلي المعارضة الوطنية أن تعرف كيف تستوعبها وتنسق معها في النضال الإستيراتيجي من أجل التغيير؟
أعتقد أن كل شيء متوقف علي عودة الزعيم "واكي" فإما أن يعود كما تمني صديقي وزميلي في النضال وفي المهنة - الأخ ابراهيم ولد أعبيد- وقد ورث نضال مانديلا واستحق لقب "محرر البلاد من براثين الإستعباد".
- وأول مايجب أن يبدأ به هو الإعتذار للشعب الموريتاني ورموزه العلمية والسياسية (من ولد الددو وولد سيد يحي إلي ولد داداه ومسعود وصالح وبيجل ..... ) وكل الذين طالتهم زلات لسانه في أوقات ضيق وشدة. - ثم ينخرط في العمل النضالي وفق استيراتيجية واعية ومعلنة وبأساليب مدروسة وذات نجاعة ومردوية حقيقة علي أصحابها .
عند ما يتحقق ذلك لن يكون "مانديلا موريتانيا" فكرة في ذهن المناصرين بل شخصية وطنية يحترمها الجميع و يعترف بها الشعب الموريتانية وهيئاته وأحزابه قبل أن يتضامن معها الأجنبي و الأممي. أما إذا عاد بيرام كما ذهب.. وربما أكثر تجبرا وتكبرا وتطاولا ، فلن تختلف "جائزة بيرام لحقوق الإنسان" عن "درع الحرية لولد عبد عزيز" ..!