إلتقيت مؤخرا بمدير عام سابق للتلفزة الموريتانية ضمن عشرة مدراء للمؤسسة في أقل من خمسة سنوات, قال لي عبارة بقيت آثارها عميقة في ذاكرتي ,لأنني أعرف بأن معرفة الحقيقة بعد فوات الآوان من أصعب الدروس التي لايستفيد منها الإنسان,
حيث ذكر لي بأنه قضي جل وقته في إدارة التلفزة وهو يدير حروب وهمية ,أكتشف في نهايتها بأنه كان يحارب نفسه ,وقد دفعني هذا الدرس المتأخر لسيادة المدير العام السابق, بأن أقوم بواجبي ككاتب صحفي رياضي يعمل في التلفزة الموريتانية منذ خمسة عشر سنة ,ويحمل أكبر شهادة فيها علي الإطلاق وهي دكتوراه جامعية في الصحافة السمعية البصرية من المعهد العالي للصحافة في الرباط سنة 1995كان موضوعها التلفزة الموريتانية من المشروع للمؤسسة قرائة في النتائج والآفاق, إبراز معاناة عشرات الكفائات المظلومة والمدفونة في تلك المؤسسة ,تحت تراب عمال القرابة والوساطة والظروف الأخري, ثم أضيفت إليها عبارة من الغريب أنها القاسم المشترك في كل من أدار وربما سيدير التلفزة الموريتانية مستقبلا إنها الإصلاح ,وهي كلمة لا أريد القول بأنها كلمة حق أريد بها باطل ,ولكنني أؤكد بأنها دفنت تحتها حقيقة أطر التلفزة الموريتانية المظلومين والمتفوقين بشكل غير مسبوق في عملهم الصحفي والفني ,وفي ظروف لايمكن لأي شخص العمل فيها وتحت ضغوط هائلة تصل لحد قطع الارزاق ,والعودة لطابور العاطلين عن العمل ,لذالك من يبدع في مثل هذه الأوقات العصيبة فإنه لاشك سيكون أكثر إبداعا في أوقات الإصلاح وتوفير الظروف الملائمة, ولكن للاسف الشديد يتم تجاوز هؤلاء دائما بذريعة الإصلاح دون الألتفات ولو للحظة للتضحيات التي قدموها ويستمرون في تقديمها ,وهو ما يجعل التلفزة الموريتانية بحاجة ماسة لرفع شعار الإنصاف قبل الإصلاح, لأن الكلمة الأولي جامعة تشمل الجميع بينما لاتشمل الكلمة الثانية الأولي, وهناك نقاط لابد من شرحها لنضمن فهم الجميع لأساس المشاكل القائمة في أكبر مؤسسة إعلامية موريتانيا وابرزها:
1/ميراث التلفزة من عهد الانظمة العسكرية والنظام الاحادي ,وحيث كان ينظر إليها علي كونها مؤسسة لديها أهداف متعددة قبل أن تكون مؤسسة إعلامية, وهو ما أدي لدخول عشرات الغرباء الذين كانت لهم مهام محددة في نطاق عملهم ,إختلطت للاسف في ما بعد مع عملهم الإعلامي الجديد,وهنا كانت الكارثة التي عطلت جهود المخلصين والإعلاميين الحقيقيين لأنه كانت كل محاولة لهم لتطوير عملهم أو القيام بمطابقتها للمهنية, يتم تحويلها لاستنتاج آخر لدي معظم مدراء المؤسسة, وشيأ فشيأ تراجع المهنيون والصحفيون الحقيقيون لصالح تلك الفئة, ومع بزوع فجر التعددية الديمقراطية في 2005وتحول المؤسسة للخدمة العمومية مع دفتر إلتزام واضح المعالم, كان من المفروض أن تكون الفرصة الذهبية لإعادة الأمور لنصابها الطبيعي من خلال إعادة كل أحد إلي عمله الأصلي وإعطاء الفرصة لأصحاب الحق الموجودين داخل المؤسسة ,وليس خارجها للقيام بواجابتهم, لكن ذالك لم يحدث أبدا بل تحولت المهمات المتعددة المسندة لغالبية هؤلاء وورثتهم من للوشاية يوميا بعمال التلفزة لكل المدراء العامين المتلاحقين بل وإستدراجهم في نقد تصرفات إدارة التلفزة, ليتم تصويرهم وإقناع كل مدير بأنه محاط بمجموعة من الأعداء المتربصين به, وفي نهاية المطاف عند إقتناعه يقوم بخطوتين ضروريتين, اولاهما البحث عن فريقه الخاص من خارج وداخل التلفزة وكل من هو خارج تلك الدائرة هو الاعداء الذين تجب محاربتهم ,وهذا هو السر في تضاعف عدد عمال التلفزة عند قدوم كل مدير عام جديد والإتهامات المتعددة ضد كل مدير جديد يتخلص من الفريق السابق ,ويتعامل مع فريقه الجديد, ليبدأ الجديد والقديم في نشر الغسيل الداخلي تارة بصدق خبيث وتارة بكذب مطلق ,وتستخدم جميع الاسلحة الداخلية وفي الخارج من خلال التعامل مع المواقع واصحابها ونشر ما يتعلق بالفريق الجديد, وهكذا تصبح التلفزة وعمالها الضحية الدائمة لهذه اللعبة المتجددة .
2/شبكة تستفيد بشكل دائم ومغلق من كل الإمتيازات المالية المتعلقة بصفقات الشراء والبيع المطلوبة ولكن الخطير فيها هو تبادل الأدوار بينها علي مدار ثلاثين سنة ,حيث انه عند وصول كل مدير جديد يكون أحد اعضائها هو المباشر وتتراجع البقية لكن الاستفادة تبقي جماعية ومن خلال هذه الخطة ظلت بعيدة عن أي مساس بمصالحها ,وقد تمكنت المديرة الجديدة التي يبدو بأنها تملك حماسا كبيرا للتغلب علي جميع المشاكل المزمنة للتلفزة, ولكنها تفتقد الطريق الصلب القائم علي حقائق الواقع الذي يمكن الوصول من خلاله لأساس المشكلة ,من إزاحة أحد أعضاء هذا الفريق الذي ظل يسيطر علي موارد التلفزة منذ ثلاثين سنة ولكن المفارقة بأن أصدقائه يبحثون عن كل الطرق لعودته لان غلق الباب يجعل الخروج من النافذة أمرا لامرد له ,وعلي الرغم من الجهود الكبيرة التي تبذلها المديرة العامة الجديدة للقضاء علي هذا النمط فإن الفريق القديم الجديد ابتكر طرقا جديدة ظاهرها مواكبة الشفافية والإصلاح وباطنها نفس الطرق الملتوية, وربما تجد المديرة الوقت الكافي لإكتشاف ذالك وربما يكون بعد فوات الآوان ,وإذاكانت المديرة العامة الحالية هي أول مدير للتلفزة يبتعد عن كل ما يتعلق بالموارد المالية والصفقات والشبهات, فإن ذالك لايكفي أبدا للقضاء علي أصل المشكلة المتجذر من خلال تحميل المسؤولية للآخرين لأنه في نهاية المطاف المسئول الأول والأخير هو المدير العام, بل لابد من إكتشاف مكمن الداء والبحث عن العلاج النهائي وليس وصفات مؤقتة, وكمثال بسيط علي هذا الكلام وجدت المديرة الحالية تلاعبا كبيرا وغير مبرر في ما يخص توزيع الرصيد الهاتفي المخصص للعمل من خلال إستفادة الكثيرين ممن لايستحقونه, فكلفت بعضهم بإعادة الأمور لنصابها وتصحيح الأوضاع بشكل قانوني ,وتركت لهم جميع الصلاحيات في ذالك, فقامو بوضع لائحة جديدة المثير فيها كونها لم تضيف فقط من لايستحق للاستفادة من الرصيد الهاتفي المخصص للعمل ,ولكنهم أيضا أضافو أقرباء لهم لاعلاقة لهم أصلا بالموضوع, وحرمو من يستحق بالفعل قانونيا ذالك الرصيد, وهو نفس العمل الذي قامو به حين طلب مدير عام سابق تسوية وضعية متعاونين قضو عشرة سنوات بالتلفزة وأوكل لهم المهمة, فلم يتركو قريبا ولاصديقا إلا وأكتتبوه حتى أنهم أكتتبو عمال في سن الخامسة والخمسين وهو ما يحرمه القانون ,بعضهم تجاوزته حاليا سن التقاعد, وهكذا يكرر التاريخ نفسه في التلفزة مستغلا هذه المرة شعارات الإصلاح وربما ينتظر المزيد منها ليعزف نشيده الخالد.
3/التحدي الدائم والأبرز لمدراء التلفزة الموريتانية المتعاقبين هو البرامج والشكل الخارجي, حيث يحرص كل قادم لإدارة التلفزة علي وضع مسطرة برامج جديدة وأشكال مختلفة عن سلفه ,دون أن يطرح السؤال عن البرامج الناجحة أو الفاشلة ,متناسين بأن نجاح التلفزيون ليس في تغيير البرنامج ,بل في المدة الزمنية لنجاحه فالعديد من البرامج الناجحة يستمر في التلفزيونات عدة عقود مثل برنامج صدي الملاعب الذي يستمر نجاحه ومقدمه منذ خمسة عشرة سنة ,وهنا تسبب غياب الإنصاف بدل شعار الإصلاح لخسارة التلفزة الموريتانية لبرامج قمة في النجاح ومطلوبا جماهيريا لكن مشكلتها الوحيدة هي أن المدير تغير ولابد من تغيير كل شيء, والقائمة طويلة بهذه البرامج مثل كلمات وانغام ,وبانوراما, وويل ام يا الوراني, والأسبوع الرياضي الذي يتغير إسمه عند كل مديرجديد ثم يعود لأسمه القديم بعد نفاذ الأسماء المتغيرة, وتأتي برامج جديدة يتم تصويرها للمدير الجديد بأنها قمة وروعة ولم يسبق لها مثال, وعند مغادرته يتحول المدح حتى من القائمبن عليها إلي إنتقادات لاذعة تظهر الحقيقة التي اخفاها هؤلاء عن المدير السابق, واظهروها للمدير الجديد فبرنامج مثل مساء الخير الذي أضافته المديرة الجديدة ويتمتع اليوم بمدح الكل وإطراء الجميع قد يكون ناجحا ,ولكن ليس في موريتانيا بل في دول المشرق العربي حيث الانماط والسلوك والامزجة تختلف تماما عن ما في موريتانيا, وحيث لايوجد من يجلس ساعتين ليشاهد برنامجا ليس بالترفيهي ولا الجاد وينحصر محتواه علي الكلام ,وهذا ليس من عندي ولكنه إستنتاج توصل إليه مدير سابق سبق له أن أظهر فكرة برنامج مساء الخير ثم سحبه في نهاية المطاف للاسباب السابقة, ومن غريب الصدف أن الأشخاص الذين وافقوه علي تلك الفكرة وسحب البرنامج هم نفس الأشخاص الذين هللو لإنطلاقته من جديد,فهل كانوا علي خطأ وهو علي صواب أم العكس,ربما نجاح البرنامج الحالي أو عدمه هو الذي سيقرر ذالك.
إذا أين الحل؟ فلايمكن مواصلة كتابة معظم الحقائق المخفية والتي تجعلنا نطالب بإنصاف مبدعي التلفزة قبل إصلاحهم ,لأنهم ببساطة شديدة ليسو مفسدين ولكنهم ضحية فساد ,لأن ذالك سيتطلب مجلدات كبيرة ,ولكنها خاتمة بأن التلفزة قد تحتاج دماء جديدة وهذه سنة الحياة في كل مجال ,ولكنه ليس مطلب ملحا في الوقت الحالي, لأن العديد من الموجودين فيها صحفيين وفنيين لاتتوفر عليهم حتى أكبر المحطات التلفزيونية, ولكن إنصافهم وإعطاء دورهم كاملا دون نقصان هو وحده الكفيل بوضع التلفزة الموريتانية علي السكة الصحيحة, ومصالحة مشاهديها الذي فقدو للاسف روابطهم بنجومها بعد أن أصبح كل يوم يظهر وجه جديد سرعان ما يختفي ليحل محله غيره, وكأنهم حقل تجارب وليسو متابعين لقناة مفضلة ,لابد لها من أبطال معروفين لهم صلة دائمة مع مشاهديهم مهما طال الزمن الذي هو وحده الكفيل بالحكم علي الجميع.