المتتبع لكلام وتصريحات الرئيس السابق محمد ولد عبد العزيز منذ بداية الأزمة السياسية التي وضع فيها نفسه بعد مغادرته للسلطة، سيلحظ – دون كبير عناء ودون الحاجة لذكاء استثنائي - أنه يؤسس أحاديثه على أساطير غريبة لا تستقيم سياسيا، ومهزوزة الأساس أخلاقيا، ورغم أنها سطحية، ومباشرة، فإنها بالتفكيك، تتضح سطحيتها أكثر، ويتبين تهافتها، ووهنها من بوابتي السياسة والأخلاق.
كانت المفارقة الكبرى، أنه حاول بعد مغادرة السلطة، وإقحام نفسه في أزمات ومشاكل لا أول ولا آخر، أن يعيد التزيي بزي الأخلاق، ويتقمص بلبوسها، وذلك في منطق مفرط في الانتهازية، فأضحى يمن - مع قدر من الأذى - ما لم يعطه، وما لا يملك، متبنيا ما نفاه سابقا – أيام حكمه – من أنه هو من رشح الرئيس محمد ولد الشيخ الغزواني، وهو ما ضمن نجاحه، وأن الأخير تنكر له.
لنعرض هذا الادعاء "الأخلاقي" على "فلتر" الموضوعية والمنطقة، ومصفاة الحقيقة، وما هو معلوم ضرورة لدى الرأي العام بشكل مستفيض من أحداث خلال السنوات الأخيرة.
- بدرجة هائلة من البدعية، ألم يكن ولد الغزواني قادرا على "رمي" ولد عبد العزيز خارج السلطة، والتخلص منه بسهولة – لو أراد ذلك – أيام كان عزيز يصارع المرض طريح الفراش بعيد إصابته في الحادثة التي عرفت بـ"رصاصة اطويله"؟!
- هل يتصور ولد عبد العزيز أن الشعب الموريتاني نسي شائعات الانقلاب تلك الليالي؟ وكيف حفظ غزواني غيبة عزيز، وحمى ظهره، في لحظة وفاء نادرة، وقوة عهد استثنائية؟
- ألم يقل عزيز نفسه – وبعظمة لسانه - لبعض خلصه – – أن بعض الساسة عرضوا على غزواني الانقلاب عليه ورفض الأمر بشكل قاطع؟
بمنطق الأخلاق، إن صدق عزيز، فقد برهن على كرم غزواني غير المعهود في تاريخ هذه البلاد، شخص يودع زميله المغادر بالمليارات وبطائرة خاصة، ويتصل به، ويحرص على العلاقة به والوفا له، لكن منطق الأخلاق يقول إن عزيز رد على كل هذا التواضع "والجري فلخلاگ" بعنجهية وتكبر، وبأسلوب صاحبه لا يتصور أن هذا خلق المنتصر، إنه يتوهم أن الأخلاق ذلة، والكرم ضعفا أو سفها، والتواضع مهانة، والحرص على التواصل انهيار.
فأيهما كسب رهان الأخلاق إذن؟! من تودد وهو المنتصر، وأعطى واتصل، أم من طغى وتغطرس وانتكس وتجبر.
إن سلوك غزواني في الحكم وأخلاقه مع جميع من خالفوه، وسلوك ولد عبد العزيز وأخلاقه مع جميع من ناصروه أو خالفوه، تجعل رهان الأخلاق الذي يتترس به عزيز رهان خاسر، وادعاء غريب ومريب، ولعل أطرف تعليق، ما تداوله رواد التواصل الاجتماعي من تعبير بليغ عن هذا المواقع الغريب، حين قال إنه يكفي غزواني إنجازا أنه جعل ولد عبد العزيز يتحدث عن الأخلاق، ويدرك فيها، حتى ولم تم ذلك في الوقت بدل الضائع، وربما الضائع حقا.
كان هذا عن منطق الأخلاق، أما منطق السياسة، فقد حُسم منذ أمد بعيد، فلا أحد في العالم كله يتصور حكما برأسين، بل ولو هيئة صغيرة لمجتمع مدني، فالكرسي أصغر من أن يتقاسم، وقد اعترف ولد عبد العزيز نفسه أمام المحكمة أن غزواني نبهه بلطف، إلى أنه سيحكم بطريقة تختلف عن طريقته، وأن هذا لا يعني أنه ضده، وضرب له مثلا بأن حتى الابن في الأنظمة الملكية، حين يصل سدة الحكم يحكم بطريقة تختلف عن والده، وهذا لا يعني أن الأخير يستهدف الأول، أو يختلف معه، أحرى أن يعد الأمر عداوة وخصاما وقطيعة.
وكخلاصة، فإن سير الأحداث، وتطور الملف، وتفاصيل خرجات ولد عبد العزيز، عوامل أثبتت مجتمعة أنه سقط في السياسية، كما هوي في الأخلاق، لقد تصور أن البلد كله قطعة نقد في أحد "صناديقه"، فرجال السياسية – وفق منطقه – خاطئون، ورجال الإدارة عنده مفسدون وسخر من أصحاب اللحى، وهاجم آل الشيخ سيديا الكرام، وسخر من الشعر حامل القيم، ومن الشعراء قادة الأمم، وأهان شريحة الحراطين واتهمهم بتضييع أبنائهم، وبانعدام القدرة على تربيتهم وتركهم للجريمة و سخر من كبار السن من قادة النضال ووصفهم بالعجزة..
وهذا ما جعله يخسر السياسة، كما خسر رهان الأخلاق