جهود غزواني في محاربة الفساد.. شفافية تعيد بناء الثقة / اسماعيل ولد سيدي محمود

تُعد محاربة الفساد وتعزيز الشفافية من أبرز أولويات النظام الحالي في موريتانيا بقيادة الرئيس محمد ولد الشيخ الغزواني. منذ بداية مأموريته، أكد الرئيس غزواني على أهمية حماية موارد الدولة المحدودة، مشددًا في أول خطاب وطني له على ضرورة منع هدر المال العام، وربط هذا التوجه بخطاب عيد الاستقلال، ليمنح الحرب على الفساد بُعدًا استراتيجيًا يرتبط بتحقيق التنمية وتعزيز سيادة الدولة.

تميزت محاربة الفساد في عهد الرئيس غزواني بأنها "ثورة صامتة" بعيدة عن الشعارات الجوفاء والدعاية الإعلامية. فقد اعتمد النظام منهجية واقعية تركز على النتائج، من خلال إحياء هيئات الرقابة وتعزيز استقلاليتها، وإعادة بناء مؤسسات الدولة على أسس متينة تضمن حماية المال العام وصونه من التبديد.

كانت أولى خطوات الإصلاح تتمثل في إبعاد مؤسسة الرئاسة عن أي شبهات فساد، مما عزز الثقة فيها كمؤسسة فوق المصالح الشخصية والتجارية. هذه الخطوة لم تقلل فقط من احتمالات التدخل لحماية الفساد، بل جعلت الرئاسة نموذجًا للنزاهة والشفافية، حيث بات من المستحيل على مختلسي المال العام التذرع بتوجيهات "جهات عليا" لتبرير أفعالهم. انعكس هذا النهج على نظرة الإعلام والمجتمع للرئاسة، حيث تراجع الحديث عن ارتباطها بمصالح اقتصادية أو صفقات مشبوهة. وبدلًا من الأسئلة التقليدية حول الثروات الشخصية للرؤساء، بات التركيز على السياسات العامة وأداء الحكومة.

كان اختبار النزاهة الأول لنظام الرئيس غزواني هو التعامل مع "ملف العشرية" المتعلق بفترة حكم الرئيس السابق محمد ولد عبد العزيز. أدار النظام هذا الملف بحرفية وحياد تامين، حيث أُتيح للأجهزة الرقابية والقضائية العمل باستقلالية تامة، دون تدخل سياسي أو إعلامي. ورغم محاولات التسييس والدعاية المضادة، التزمت السلطات بمبدأ الفصل الصارم بين السلطات، مما أضفى على الملف مصداقية ومنح التحقيقات مناعة ضد التلاعب والتشكيك.

أعاد النظام تأسيس الهيئات الرقابية مثل المفتشية العامة للدولة ومحكمة الحسابات، ومنحها موارد كافية وصلاحيات موسعة. وقد أثمرت هذه الجهود عن كشف اختلالات كبرى في إدارة المال العام، منها تجاوزات بمليارات الأوقية واستعادة أموال ضخمة للخزينة العامة. على سبيل المثال، نفذت المفتشية العامة للدولة خلال عام 2022 أكثر من 30 مهمة تفتيش، غطت ميزانيات ضخمة وكشفت عن اختلالات تقدر بحوالي 10 مليارات أوقية. عملت الفرق التفتيشية وفق منهجية مدروسة، تبدأ بدراسة القوانين والموارد وتنتهي بمعاينة المشاريع ميدانيًا لضمان الالتزام بالشروط. هذه الجهود لم تُصاحبها ضجة إعلامية أو حملات تشهير، بل تم التركيز على استعادة الأموال ومعالجة الاختلالات بطريقة فعّالة بعيدًا عن الإثارة.

رغم حملات التشكيك والدعاية المضادة، أظهر النظام قدرة استثنائية على "الصبر الاستراتيجي"، متجنبًا ردود الفعل الدعائية أو التسييس. كما أثبتت الأجهزة الرقابية والقضائية كفاءة عالية في إدارة الملفات الحساسة بعيدًا عن الضغوط. ومع ذلك، لا تزال هناك تحديات تواجه هذه الجهود، أبرزها الحاجة إلى تعزيز ثقافة الشفافية على المستوى الشعبي، ورفع وعي المجتمع بدور الرقابة في حماية موارد الدولة.

إن ما يميز نهج الرئيس غزواني هو تركيزه على بناء مؤسسات قوية ومستدامة تحكمها الشفافية واحترام القانون. هذه الجهود تمثل تحولًا جذريًا في إدارة الشأن العام، حيث يُعاد تأسيس أعراف الدولة التي تراجعت خلال السنوات الماضية. محاربة الفساد في موريتانيا ليست مجرد شعار أو أداة لتصفية الحسابات، بل هي استراتيجية مدروسة تهدف إلى تعزيز الشفافية وبناء دولة القانون. هذا النهج يقدم نموذجًا لما يمكن أن تحققه الإرادة السياسية حين تُكرّس لخدمة الصالح العام، مما يمهد الطريق لتنمية مستدامة تنعكس إيجابًا على حياة المواطنين وثقتهم في مؤسسات الدولة.

---

 

اسماعيل ولد سيدي محمود

كاتب صحفي

 

 

8. يناير 2025 - 7:58

أحدث المقالات

كتاب موريتانيا