تعتبر مقاطعة جيكني من أهم المقاطعات التابعة لأقصى ولايات الجنوب الموريتاني، والتي تتميز بموقع حدودي استراتيجي يعتبر بوابة لإحدى دول الجوار، ينضاف إلى ذلك مجموعة من الأنشطة الرعوية والزراعية التي تتميز بها المقاطعة إلى جانب التجارة عبر الحدود التي تشهد دينامية جد حيوية تذكيها الحدود المفتوح بين بلادنا والجارة مالي.
بيد أن هذا الموقع الاستراتيجي للمقاطعة لم يشفع لها في الحصول على لفتة من لدن السلطات المتعاقبة على سدة الحكم في هذا البلد؛ منذ الاستقلال إلى يوم الناس هذا، وقد بدا ذلك جليا في التدهور الحاصل على مختلف الأصعدة إن على مستوى الدور الوظيفي للمدينة ذات البعد الاستراتيجي أو على مستوى الأوضاع الاقتصادية والاجتماعية للساكنة المحلية، فانتشار الفقر والبؤس في ربوع المقاطعة يبدو جليا لكل متمعن في واقع مرير عاشت وتعيشه هذه المقاطعة منذ عقود عديدة. لا بنية تحتية قامت الدولة بإنشائها في مقاطعة ذات كثافة معتبرة فالتعليم في حالة يرثى لها، يقتصر وجوده على ثانوية يتيمة خريجوها إلى الحقل الجامعي في الغالب لا يبارح الصفر، وعن الصحة لا تسأل فحالها يكفي عن سؤالها كما يقولون في دارج كلامهم، أما عن مشروع الطريق التي بلغت الصبية في وعودها من العمر عتيا فلمَّا يرى إنشاؤها طريقه إلى التنفيذ بعد، وهي التي ملَّت الساكنة الحديثة عن ما يتعلق بها؛ كيف لا وهي التي تُوعِّد بها ابان حكم نظام ولد الطائع البائد، أما عن الأبعاد التهيوية للمجال الحضري للمدينة فتلك أهداف بعيدة المنال لا تخطر على بال الساكنة المحلية وهي التي يجهدها العطش في كل موسم حرارة تغور فيه مياه الآبار التقليدية وتَضنُّ فيه مياه الأنابيب على أصحابها ممن يثقلون بفواتير وهمية لم يشرب أصحابها جرعة ماء تروي عطش صبية وعجائز لديهم باتوا ضحية إهمال رسمي ممنهج وانعدام دخل يكفل لهم أدنى حد من الحياة الكريمة.
لقد أرَّق هذا الوضع المزرى كاهل الساكنة المحلية فانبرت الفيئة الحية والنشطة في المجتمع من أبناء المدينة معلنينها ثورة على العزلة و التخلف والفقر والتهميش؛ مطالبين بحقوق لطالما سلبت بتآمر من السلطات المتعاقبة في البلد وممثلي المقاطعة في قبة البرلمان، قارعين بأصواتهم التي بُحَّت جدار الصمت الذي لطالما ضرب على وزارات وصية لا تكترث بحقوق لمواطنين بسطاء نالهم من التهميش والفقر ما لم ينل العديد من ساكنة مقاطعات كثيرة في ربوع هذا الوطن، نظَّمُ الاحتجاجات رفع اللافتات دونوا ودردشوا هنا وهناك عسى فك عزلة تقع أو شربة ماء تروي ظمأ بني جلدتهم ولو إلى حين، ولسان حالهم يقول: "لقد أسمعت لو ناديت حيا ولكن لا حياة لمن تنادي".
فَظُنَّت بهم الظنون ..، قالو متسيسون وللشهرة طالبون ولجكني أدعياء لا ينتمون... فوجهت لهم السهام والنقد اللاذع بل والتحامل في أحيان كثيرة ممن كانوا يعتقدون أن جكني مقزَّمٌ في شخوصهم، قاصين بذلك كل من سواهم في أهليته للحديث عن مقاطعة ألفوها منذ نعومة أظفارهم، لتُلفَّق التهم وتطلق العبارات الجزاف ضد هذا وذاك منهم لا لشيء إلا لأنهم طرحوا مطالب مشروعة نيابة عن ساكنة محرومة على الجهات الرسمية عسى أن تلقى النداءات آذانا صاغية بعد أن عزّت تلك النداءات تحت قبة البرلمان ومن لدن الطبقة السياسية التي أدارت لعقود عديدة الشأن السياسي في مقاطعة لم تَنلْ من السياسة بمفهوم الدلالي إلا اسمَها.
الآن وقد حصحص الحقُّ وظهر من كان يخدم سكَّان المقاطعة بأنشطة تلامس حياتهم اليومية ممن هو عن ذلك من المتغافلين ولهمومهم واحزانهم من المنكرين...
حصحص الحق فنال مرشح حزب التجمع الوطني للإصلاح والتنمية تواصل ثقة النخابين "الجِكنَّاويِّين"، وهم بذلك يمنحون ثقتهم للأصلح والاكثر كفاءة على تخفيف آلام وأحزان طالما قاسوا مراراتها فلم يجدوا من تخفيف لها إلا في هذا الحزب والقائمين عليه بالمقاطعة، وقد كاد مقعدي المقاطعة في الغرفة التشريعية يُقتنص من نفس الحزب وحليفه لو لا ما حدث في مكاتب تابعة لإحدى بلديات المقاطعة من أمور لم تكن غريبة على هذه الانتخابات من استخدام للدولة ورموزها بل وأموالها العامة التي تناثرت هان وهناك طيلة هذا الموسم الانتخابي وذلك في مختلف مناطق البلاد.
ما وقع في جيكني والنعمة وغيرهما... لا شك سيحدث رجة وعصفا بكل تلك الأفكار التي تكبل المواطنين منذ عقود طويلة –خصوصا في الولايات البعيدة عن المركز- في أن حزب الدولة لا يمكن معارضته؛ أجل يمكن معارضته بل إن معارضته في البلاد السائبة أمر لا مناص منه حتى يعلم الرئيس والوزير والمدير .... أنهم خدم ومأجورون لدى الشعب وليسوا سماسرة يتاجرون بمصيره وكرامته ويسرحون ويمرحون بخيراته متجاهلين بأسه وفاقته.
الباحث، أحمد جدو ولد محمد عمو.