صبيحة الاثنين الـ23 دجمبر 2013 صحا العقيد مدير الأمن والرئيس السابق اعل ولد محمد فال، على غير عادته، ليذرف الدموع على الديمقراطية والشفافية والوطنية.. وغيرها من العبارات الدخيلة على قاموس الرجل .
بدأ المدير الرئيس بيانه بالتباكي على "إقصاء الطيف السياسي المعارض سبيلا إلى انفراد النظام بالقرار.".. لعله يقصد "حزب التكتل واتحاد قوى التقدم".. وقادة الحزبين مع غيرهما عرفتهما سجون العقيد في مناسبات عديدة، أبرزها "ثورة الخبز 1995، ومحاكمة واد الناقة 2003... فأي طيف سياسي تعني يا سيادة المدير أم أن هؤلاء ولدوا اليوم فقط..؟
وإلى النقطة السابقة يضيف العقيد ولد فال نقاطا أخرى يعتبرها عمقت الأزمة وزادت الشرخ السياسي من بينها:
"غياب الدولة كمرجعية ناظمة وضابطة لكل مكونات المجتمع فاسحة المجال أمام القبلية والجهوية والفئوية، وانفراد رأس السلطة التنفيذية بإمكانات وموارد الدولة وتسخيرها لتحقيق غايات شعوبية، وإقحام مؤسسات يفترض فيها الحياد لخدمة الوطن والمواطن كالجيش والأمن والقضاء كطرف ومحاولة استغلالها في معركة سياسية كان من المفروض حيادها فيها؛ مما يهدد كيان الدولة في الصميم، ويحول مواردها ونفوذها إلي أدواة ترغيب وترهيب." اتق الله يا مدير الأمن.
لم تكن الدولة الموريتانية لا في عهد المدير ولا في عهد المدير الرئيس، تصلح لأن تكون أنموذجا في شيئ، إذا استثنينا عوالم القمع والسجون والمصادرات، التي شهدت أوج ازدهارها على يد العقيد المدير، فمن ملاحقات القوميين العرب، فالقوميين الزنوج في ثمانينيات وتسعينيات القرن الماضي، مرورا باعتقالات الإسلاميين 1994 والقوميين من جديد، إلى حل الأحزاب وحظر الجرائد واعتقال السياسيين في ثورة الخبز 1995 وما تلاها في أعوام 2000، 2001، 2002، 2003، 2004.. رحلة طويلة في مسار كله ظمم وظلام، وتروي سجون ولاتة وتشيت والعيون ونواكشوط قصصا مؤلمة أبطالها زبانية وجلادو المدير الرئيس.
أما الحديث عن الديمقراطية وحقوق الإنسان والانتخابات الشفافة في دولة العقيد ورئيسه التي استمرت زهاء ربع قرن من الزمان فقد كان ضربا من الخيال..
وبالمرور على مرحلة تولي العقيد الرئاسة فإن الواقع في بعض جوانبه لم يختلف كثيرا، ربما لأن الانسلاخ من تجربة الـ20 سنة السوداء لايمكن في سنتين اثنتين، وهكذا واصل العقيد "عطاءه" خلال مأموريته الجديدة، فقد تهرب من معالجة قضية المبعدين، ورفض الترخيص لحزب الإسلاميين الذين وصفهم في خطاب روصو الشهير بـ"الورم" الواجب استئصالها واستحوذ على صفقات بالمليارات.. ومن المفارقات أن الرجل الذي منحه المجلس العسكري قيادة البلاد، حاول في لقاء الفعاليات السياسية بقصر المؤتمرات إقناع الرأي العام بالتصويت لصالح البطاقة البيضاء، وابتعث مندوبين عنه إلى الأحزاب السياسية لإقناعها بتمديد الفترة الانتقالية، التي اختفت فيها ملايين الدولارات، وأبرمت خلالها عشرات العقود المشبوهة.. ولولا وطنية بعض الضباط الذين رفضوا مهزلة "البطاقة البيضاء" لبقي ولد محمد فال في سدة الحكم سنين عددا.
يقول الرئيس مسعود ولد بلخير: "الجميع كان يعتقد أن المشكلة تتعلق بشخص ولد الطايع لكن الأيام أثبتت أن اعل ولد محمد فال أسوأ منه".
يختتم الرئيس المدير بيانه بالقول: "إننا، إذ نضيف صوتنا إلى أصوات أغلبية الموريتانيين الرافضين لهذه المهزلة الانتخابية لندعو إلى إلغائها وإلغاء كل الآثار المترتبة عليها، كما نطالب كل الفرقاء بالبحث التشاركي عن حلول جذرية لمعالجة أزمة البلاد من أساسها، وذلك ما لا يتأتى إلا من خلال القضاء التام على آثار الانقلاب العبثي وما نجم عنه من انسداد على كافة الأصعدة، حلول تمكن كل الموريتانيين بصورة تشاركية شفافة ونزيهة وديمقراطية من تدبر حاضرهم واستشراف دورهم في بناء دولة مدنية ذات مصداقية تتسع لإسهامات الجميع في تحقيق التقدم والاستقرار والازدهار والنماء." ... هي صحوة ضمير، لكنها جاءت متأخرة..
يقول السلف الصالح إن من أشراط الساعة خروج الدابة، وظهور المهدي... ونضيف نحن "وصحوة العقيد اعل ولد محمد فال."